هل مواجهة التحالف الإسلامي لداعش يضع نهاية للأزمة السورية؟

رحبت السعودية بنتائج لقاء بروكسل وشددت على قدرة التحالف الإسلامي على مواجهة داعش في المنطقة، والذي عقد مؤخرا بمقر حلف الناتو في بروكسل، والسعودية هي التي أقدمت على إنشاء تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب أيا كان مصدره سواء كان مصدره دولا أو جماعات في إشارة إلى ارتكاب نظام الأسد جرائم ضد شعبه بمعونة الحرس الثوري الإيراني ومؤخرا دخول روسيا إلى سوريا لدعم النظام السوري الإرهابي ضد شعبه.

لم تتوقف السعودية عند تلك الحدود والحصول على شرعية التدخل لإنقاذ الشعب السوري، ووقف التطهير العرقي الذي يمارس ضد فئات محددة، بل ترعى رعد الشمال ضمن قائمة أكبر المناورات العسكرية في العالم تجاوز عدد قواتها مناورات الأسد الأفريقي في المغرب التي جرت بمشاركة 2500 جندي يمثلون 12 دولة، ومنعطف ترايدنت التي نفذها حلف الناتو عام 2015 في مياه البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق بمشاركة 20 دولة ونحو 36 ألف جندي، والتي جاءت للرد على الاستفزازات الروسية وتحركاتها في جزيرة القرم، والمركز 15 والتي أجريت بين روسيا وكازخستان وشارك فيها 95 ألف جندي، لكن جاءت مناورات رعد الشمال بعد نحو سنتين من مناورة سيف عبد الله في إبريل 2014 أرسلت رسالة للعالم على جاهزية السعودية لصد أي عدوان، بينما جاء رعد الشمال لإرسال رسالة لروسيا بشكل خاص.

ذلك بمشاركة 20 دولة عربية وإسلامية وصديقة بعدد قوات يصل إلى 250 ألف جندي ومن بين القوات المشاركة الباكستان الذي يحتل مرتبة متقدمة في الجيوش العالمية وهي دولة نووية، وتأتي تلك المناورات في خضم إعلان السعودية إرسال طائرات حربية إلى قاعدة إنجرليك التركية والاستعداد للمشاركة بقوات برية.

وبعد تخوف تركيا من تنامي نفوذ الأكراد تحشد لتدخل بري في سوريا الذي تعتبره الحل الوحيد في نظرها لوضع حد للنزاع الدموي المستمر في هذا البلد منذ خمس سنوات، وأكد وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو إن بلاده والسعودية وبعض الحلفاء الأوربيين يرغبون في شن عملية برية في سوريا.

العملية البرية ليست آحادية بل هي ضمن تحالف دولي وبشرعية دولية أيضا، واعتبرت تركيا سقوط بلدة إعزاز خطا أحمرا في يد المقاتلين الأكراد، فيما اعتبرت روسيا أن تركيا ضجرة من سقوط إعزاز لأنها تقع على خط إمدادات تستخدمه أنقرة لدعم تنظيم داعش، ولم تقل روسيا دعم المعارضة السورية.

تلك التطورات جعل سوريا تهاجم ازدواجية خطاب دي مستورا بلهجة حادة بعد الضغط الذي مورس على النظام السوري بالسماح لمرور المساعدات الإنسانية لسبعة مناطق محاصرة بينها معضمية الشام قرب دمشق ودير الزور، واعتبر دي مستور سماح النظام لتلك المساعدات اختبار لنوايا وصدقية وعدالة النظام في توزيع المساعدات، بينما ترى دمشق أنها هي من عليها اختبار صدقية موفد الأمم المتحدة، يبدو أن النظام الدولي بدأ يبدي جديته في البحث عن حل للأزمة السورية.

في المقابل إيران تسوّق في أوروبا لذرائع تدخلها في المنطقة ودعمها للأسد، وقال وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف لأعضاء البرلمان الأوربي إن التشدد الإسلامي يمثل أيضا مشكلة أوربية، واعتبر تدخل إيران لدعم الأسد من أجل الوقوف في وجه بديل لبشار الأسد دولة إسلامية، طبعا هذا الدفاع في أوروبا بعدما تعرضت روسيا لانتقادات لعدم وقف ضرباتها الجوية في سوريا منذ اتفاق القوى الكبرى في ميونخ والتوقيع على هدنة، واتهمت موسكو بأنها تسوف لكسب الوقت لتغيير الوضع على الأرض في الحرب السورية.

بعدما وجدت موسكو أن السعودية تقود مرحلة حقيقية بدعم الشرعية الدولية، بدأت تصرح في تناقض اعتبرت أن هذا التحالف يؤجج الصراع في سوريا، وتحذر من اتساعه، وبدأت تحذر من تدخل بري لدعم المعارضة الذي أصبح وشيكا، بل مؤكدا إذا لم تتوقف الضربات الروسية والتوقف عن دعم النظام السوري، بل ادعت روسيا أن تلك الحرب البرية ستفجر حربا بين دول المنطقة، وهذه المرة أتى التحذير على لسان نيولاي بورديوجا أمين عام المنظمة كرد على التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية، الذي اعتبر أن انتشار الصراع الدائر في سوريا بدرجة أكبر في مناطق قريبة من نطاق مسؤولية منظمة معاهدة الأمن الجماعي يشكل خطرا على أمن أعضائها التي تشمل روسيا وأرمينيا وروسيا البيضاء وقازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان والدول الثلاثة الأخيرة دول إسلامية.

يبدو أن السعودية أوقفت غطرسة بوتين بعدما وجد أن مشاركة التحالف الإسلامي حقيقية في سوريا، وبدأت روسيا تتجه إلى المراوغة والمناورة والتغطية على هزيمتها المبكرة في سوريا، وبدأت تنتقد الأسد  على لسان غاتيلوف نائب وزير خارجية روسيا بأنه كان يستطيع تفادي التصعيد لو أجرى الإصلاحات الديمقراطية، وتؤكد مواصلة الحرب على الإرهاب، لكنها لا تزال على وجوده في المرحلة الراهنة، ما يعني أن روسيا لا زالت تبحث عن مكاسب مقابل تخليها عن التمسك بالأسد وهي رسالة للسعودية.

ولن تنخدع السعودية بالتوصل مع روسيا برعاية دولة فنزويلا على تجميد سقف الإنتاج، لكن بتحفظ إيراني رغم تأييدها اتفاق الدوحة وترفض السعودية منحها استثناء، وممانعة أذربيجان، لذلك وضعت السعودية شرط موافقة الأعضاء الآخرين، بل أكد النعيمي وزير البترول السعودي الاتفاق بداية مسار سنعمل على تقييمه وسنقرر ما إذا كانت هناك خطوات أخرى ضرورية، يمكن أن تغض الطرف السعودية عن اتخاذ إجراءات أخرى إذا ساهمت روسيا في حل الأزمة السورية بعدما ضغطت في الفترة الماضية على الاقتصاد الروسي رغم أن السعودية ودول الخليج متضررة هي الأخرى لكنها في سياق البحث عن حلول.

فيما شكك برلمانيون روس أن يكون لدى موسكو أي دور في محاولة منع التدخل البري السعودي التركي الذي يأتي ضمن سياق محاربة الإرهاب الدولي، وأن موسكو تعي ذلك، ولن تجازف بضرب القوات البرية سواء من تركيا أو السعودية، أكد هذا الموقف فيكتور أوزيروف رئيس لجنة الدفاع والأمن في المجلس الفيدرالي الروسي الذي قال إنه لا نية للدخول في مواجهة مع القوات التركية، أو أي قوات لدول أخرى، نظرا لأن القوا ت لتركية لا توجه ضرباتها للقوات الروسية في سوريا، لأن أولوية التدخل البري ليس إخراج روسيا بل إسقاط الأسد وتمكين المعارضة من قيادة مرحلة حكم انتقالي.

السعودية تدفع ثمن مسايرة أوربا وأمريكا روسيا في سوريا لعدة أسباب أولها أن النظام الدكتاتوري في سوريا لم يتمكن من احتواء التيارات والجماعات قبل ثورات الربيع العربي وبعدها خصوصا جماعة الإخوان المسلمين، فبعدما انفجرت الانتفاضات العربية 2011 استبشر الغرب برفع هذه القوى شعارات ضد الظلم، لكن ركبت تيارات الإسلام السياسي  موجة هذه الثورات، وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين الذين لديهم تنظيم دولي وقواعد شعبية ما لا يملكه بقية الثوار،  وهي في الأصل لا تؤمن بالتعددية السياسية، رغم أنها ترفع شعار التعددية السياسية.

ومن أجل أن يكفر الغرب عن استيعابه جبهة الإنقاذ في الجزائر مما زاد من رقعة الإرهاب، فأرادت بأن تمكن الإخوان برعاية تركية، باعتبارهم جماعات دينية معتدلة لمواجهة الإرهاب، لكن عندما فشل الإخوان في حكم مصر، فتح الباب في المنطقة أمام صراع وانقسام جديد لكن السعودية بذلت جهودها في احتواء هذا الانقسام خصوصا بعدما دعمت الجيش المصري الذي استطاع استعادة الدولة الوطنية لكن لا تزال المنطقة تعاني من ضياع الهوية العربية خصوصا في سوريا بعد دخول إيران والآن روسيا.

وبدلا من إقامة دولة وطنية في سوريا، فإن روسيا بعد إيران منحازة إلى النظام الذي أصبح نظاما علويا بعدما كان نظاما سوريا، وتعاطف مع الأكراد انتقاما من تركيا التي أسقطت طائرة روسية، ما تعتبره الدول الكبرى كسر لكبريائها، خصوصا وأن روسيا كانت معسكرا شرقيا قبل أن ينهار الاتحاد السوفيتي في عام 1989.

فسمحت روسيا بتشكيل الأكراد كيانا عنصريا انفصاليا يسيطر على مساحة 30 ألف كيلومتر مربع، لإشغال تركيا عن القضية الأساسية الكائنة في استعادة الوطن سوريا، فيما قيام دول عنصرية انفصالية في دول الغرب وروسيا من الممنوعات.

فأصبحت سوريا فاقدة للهوية والكيان، رغم ذلك نتيجة الضغوط السعودية هناك وفاق روسي أميركي لتجنب الصدام أو الاشتباك في سوريا، يبدو أن هناك أيضا توافق بين روسيا وأمريكا بأن يصبح العراق من نصيب أميركا ولن تتدخل روسيا في العراق، حتى تترك أميركا روسيا في سوريا.

فأصبحت سوريا اليوم تتعرض لغزو دولي وإقليمي يهدد وحدة الوطن وتذويب الهوية نتيجة ممارسات تطهير عرقي من أجل تقسيم سوريا حتى تسبق أي اتفاق سياسي بعد اتفاق بين القوى الكبرى لوقف النار في سوريا، لتكون سوريا على غرار ديمقراطية المحاصصة الطائفية في العراق ولبنان، ما يعني بروز وهم الشرق الأوسط على أنقاض خريطة سايكس بيكو بعدما فشلت خرائط الشرق الأوسط الكبير والجديد.

خريطة وهم الشرق الأوسط  كما يحلو للكاتب فريدمان أن يسميه وهم الشرق الأوسط ، أي دولة اللادولة، هو شرق أوسط يهيمن عليه الصراع حول حل الدولة الواحدة، كما يدور في سوريا وليبيا واليمن، وحل اللادولة الذي تقدمه داعش، وحل الدولة داخل الدولة التي تدعمه إيران، ما يعني أن الصراع في منطقة الشرق الأوسط يميت عملية السلام في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل، حتى تتملص أمريكا من مسؤولية حل الدولتين، تلك الأزمة التي كانت تطاردها نتيجة الضغوط العربية لكن بسبب انشغال العرب اليوم بتلك الصراعات البينية التي يشغلها عن مقاتلة إسرائيل، وهي فرصة لتحقيق إسرائيل طموحاتها التاريخية بإسرائيل الكبرى بين نهر الأردن والبحر المتوسط بما في ذلك الضفة الغربية التي يقطنها نحو 2.5 مليون فلسطيني (انظر فريدمان، حلول الشرق الأوسط الكثيرة، الشرق الأوسط، 16/2/2016 ).

هناك محاولات لفك التحالف السعودي التركي في سوريا لاستعادة الدولة الوطنية كيانا وهوية، بعدما فشلت تركيا بمفردها من وقف المجازر في سوريا باعتبارها الدولة المجاورة، لذلك تتجه روسيا لمحاصرة تركيا برا وبحرا واقتصاديا، في المقابل عزز حلف الناتو تواجده في أوربا الشرقية خوفا من النوايا الروسية، وخوفا من حرب استنزاف بين روسيا وتركيا التي هي استمرار لحروب تاريخية تبادلتا فيها النصر والهزيمة، ما جعل الناتو يرسل أيضا أسطوله إلى بحر إيجة لمراقبة الأسطول الروسي.

السعودية بتشكيلها التحالف العسكري الإسلامي يطمئن الغرب، بأنه يحارب الإرهاب، ولن يسمح بقيام دولة دينية في سوريا، بعد اتهامات وجهت للسعودية وقطر وتركيا بأنها دول تدعم القوى الدينية، رغم أن أمريكا تلعب على نفس الأوراق ولكن لأهداف أخرى.

السعودية تعزز الاصطفاف الخليجي مع تركيا، ولن تتركها غنيمة سهلة أمام روسيا مثلما لم تترك مصر غنيمة لأمريكا، ولن تسمح لروسيا أن تستكمل المشروعين الصهيوني والفارسي، لكن السعودية إلى جانب التحالف الإسلامي والاصطفاف الخليجي إلى جانب تركيا تقود هي الهيمنة بديناميكية مشاريعها الاقتصادية لنقض وهم الشرق الأوسط الذي يشارك الجميع في صياغته.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق