هل حقاً هناك حرب على داعش في المنطقة أم تصادم استراتيجي؟

هناك انقسام بين الأكاديميين والسياسيين واليمينيين حول الخطر على أميركا بشكل خاص والغرب بشكل عام، فالأكاديميون مثل البروفسور جوزيف ناي يرى أن الخطر على أميركا لا يأتي من جهة الصين، كما يتوهم السياسيون، وإنما يأتي من جهة الإرهاب الأصولي والهجوم الإلكتروني.

ويرد جوزيف ناي على السياسيين بأن الكثيرين ممن تنبأوا عدة مرات بأفول القوة الأميركية على مدار العقود السابقة، لكن كانت في كل مرة تخطئ تنبؤاتهم، وتظل أميركا القوة العالمية الأولى بشكل لا يقارن ولا يقاس، وتبقى القوة الناعمة لأميركا مبدعة وتواصل الابتكار باستمرار، وهي الإشعاع الثقافي الذي يخفف من القوة الخشنة، والبعض يسميها العجرفة الأميركية.

تخوف اليمينيين في الغرب بشكل عام، هو تخوف من الإسلام الذين يعتبرونه الأسرع انتشارا في العالم، خصوصا وأن المواليد في الكثير من الدول الأوربية مثلا في كل من هولندا وبلجيكا 50 في المائة من المواليد من أسر مسلمة، وفي أوربا 52 مليون مسلم بعد 20 عاما سيصبح عدد المسلمين 102 مليون مسلم، وستصبح ألمانيا عام 2050 دولة مسلمة من غير قتال، فقط من خلال الهجرة، وسيحكم الإسلام العالم، هذا التخوف الذي يقلق اليمينيين.

أحداث 11 سبتمبر أعطت اليمينيين في أميركا بالإقدام على خطوة غير مسبوقة لأميركا أتت باحتلال أفغانستان لضرب عصفورين بحجر واحد، ثم احتلال العراق عام 2003 وتسريح أعرق جيش عربي من الخدمة، حتى تتمكن الولايات المتحدة من تسليم العراق لإيران، لتغيير خريطة التوزيع المذهبي وإضعاف هيمنة المذهب السني لصالح المذهب الشيعي، كبداية لبث الفوضى في المنطقة، وبداية الصراع المذهبي لم تعهدها المنطقة من قبل رغم أنه صراع تاريخي ولكنه لم يصل إلى ما وصل إليه الآن في القتل على الهوية.

 قد يكون لأمريكا الحق في إحياء تجذر التطرف من قمقمه، وهو بالفعل مسؤولية المسلمين في القضاء على مثل هذا التطرف، وهو مسؤولية المراجع الدينية، وحتى السياسيين، في ضبط هذا التطرف، والقضاء عليه عبر إحياء وإبراز النواحي السلمية في هذا الدين الحنيف.

 إذ أن التطرف هو نوع من الكبر الذي لا يعترف به المتطرف، ولكن خطورته كما في قول الله سبحانه وتعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يرو كل آية لا يؤمنون بها وإن يرو سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يرو سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآيتنا وكانوا عنها غافلين). أي سأنزع عنهم فهم القران، وفهم الحجج، ويدخل في معنى هذه الآية ليس فقط المتجبرين بل وحتى المتشددين من المسلمين الذين يقودهم تطرفهم إلى قتل الأنفس البريئة، لذلك عوقبوا بحرمانهم من الهداية حتى ولو كانوا من المسلمين ولكنهم خارجون عن وسطية هذا الدين، (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) ويصبح كل من في قلبه زيغ يتحول إلى تائه عن فهم ثوابت الإسلام، ويتبع المتشابه من الآيات التي يجب إرجاعها إلى المحكم من الآيات (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا ألو الألباب)، أي أنهم عوقبوا بحرمانهم الهداية لعنادهم للحق.

دعمت ثورات الربيع العربي في سوريا مشروع إيران التي حضرت إلى سوريا قبل العرب المنشغلين بتحصين أنفسهم من ثورات الربيع العربي، إلى أن قامت ثورات العشائر السنية في العراق ضد سياسات المالكي المدعوم إيرانيا لتهميش العرب السنة، حتى استفاق مالكي إيران إلى قيادة القادة العراقيين المسرحين القيام بحملة عسكرية مدعومة من الاستخبارات العالمية تحت مسمى ديني الدولة الإسلامية التي أعلنت أنه حان تطبيق الخلافة الإسلامية لدغدغة مشاعر الشباب الصغير في السن أو الداخلين الجدد في الإسلام لتجنيدهم وانضمامهم إلى الدولة الإسلامية.

هناك تسريبات من واشنطن من أن الولايات المتحدة تدرك حقيقة داعش، وتريد تطبيق مشروع جديد في العراق قد يمتد إلى سوريا من خلال تشكيل فيدراليات على النمط السويسري، خصوصا بعد النقاشات المكثفة بين السياسيين العراقيين والسياسيين الأمريكيين في عواصم عربية لتطبيق خارطة العراق لما بعد داعش.

العراق الجديد لما بعد داعش يمكن أن يتحقق من خلال شراكة جديدة، وزيارة رئيس كردستان العراق البرزاني إلى الرياض من أجل ترتيب أوراق المرحلة الجديدة في العراق باعتبار السعودية راعي تكفلت بقصقصة أجنحة إيران في المنطقة العربية، وإجبار إيران إلى أن تعود مرة أخرى إلى حجمها الطبيعي، لتبدأ مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي، الذي تسوقه الولايات المتحدة، وسبق أن رفضت السعودية طلبا من الولايات المتحدة بالتوصل مع إيران إلى تفاهمات إقليمية لكن السعودية رفضت إذا لم تتوقف إيران عن التوغل في المنطقة العربية.

الفترة الماضية كشفت عن مشاكل بين الشركاء العراقيين والاقتتال على الهوية العراقية والمذهبية، ويمكن تطبيق فيدرالية من ثلاثة مناطق تبقى العاصمة بغداد تحت سيطرة مركزية لهذه الفيدراليات، لذلك نجد أن قتال داعش في الرمادي يتشكل من الجيش والشرطة والعشائر السنية والحشد الشعبي الذي يتزعمه المالكي ويرفض هذه التشكيلة لممارسة التطهير العرقي الذي مارسه الحشد الشعبي في الفترة الماضية.

لكن أمريكا وبقية الدول التي أتت إلى سوريا تستغل الوضع في سوريا، وتتحجج بالحضور إلى مقاتلة داعش الذي لا يمتلك طائرات ولا أسلحة استراتيجية، فقط من أجل مواصلة استراتيجية توسع الناتو في الحديقة المجاورة لروسيا، وسيقبل الاتحاد الأوربي انضمام عضوية جديدة للجبل الأسود مع بداية عام 2016، وهي من دول البلقان التي ترفض روسيا أن تنضم تلك الدول التي كانت تسير في فلكها زمن الاتحاد السوفيتي.

لذلك حضرت روسيا إلى سوريا انتقاما من الغرب، وتعزيز تواجدها في البحر الأبيض المتوسط عوضا عن توسع الناتو شرقا، وعززت قاعدتها بأسلحة استراتيجية، خصوصا بعد إسقاط تركيا طائرة السخوي الروسية الذي لم تتوقعه روسيا نهائيا، أكيد ضرب الطائرة أتى بتنسيق مع أمريكا وقد يكون أيضا مع دول إقليمية بسبب مواصلة روسيا مواقفها المتشددة من بقاء الأسد بعد سقوط الطائرة الروسية المدنية في سيناء ولم تعتبرها رسالة بل اعتبرتها سقطت على أيدي داعش، ولم تغير سياستها في سوريا.

 لكن اتجهت روسيا إلى إعادة تقوية تحالفها مع إيران، لإضعاف التحالف الإيراني الأمريكي، الذي توج بتوقيع الاتفاق النووي، وتقديم الصواريخ اس 300 التي أوقفتها روسيا بطلب أمريكي وإسرائيلي، وتسليم طهران تجهيزات تكنولوجية لتحديث المنشاتين النوويتين.

يعول أوباما صاحب القوة الناعمة بديلا عن القوة الخشنة عندما اجتمع أوباما ببوتين ذكره بمستنقع أفغانستان، وأن تهديدات داعش أهم من بقاء الأسد، ويعول أوباما على تكلفة الحرب الروسية في سوريا ستدفع موسكو لتغيير سياستها.

دخول روسيا إلى سوريا وتعزيز قاعدتها العسكرية في اللاذقية أدى إلى دخول القوات الفرنسية والبريطانية وجعلوا داعش هي المستهدفة، وأن أمنهم متعلق بهذه الحملة، بالفعل من أجل التغطية على الحضور إلى سوريا هناك ضربات جوية على داعش، ولكن كيري اقر بأن داعش لن ينتهي دون قوات على الأرض، وإن هربت كثير من قيادات داعش إلى العراق نتيجة الضربات الجوية المكثفة من قبل دول التحالف التي لن تقضي على داعش ولكنه تضرر.

يبقى الشق السياسي والعسكري الأبرز لحضور هذه القوات إلى سوريا، خصوصا حضور قوات متقدمة هي غير مهيأة لضرب داعش وإن كانت من أجل تقليل الأخطاء واستهداف المدنيين الذين يتحصن داعش بينهم، لكن الهدف الأكبر هو لمواجهة الحضور الروسي في سوريا، ومزاحمته، ولن تقبل الدول الغربية بتواجد روسيا في منطقة تعتبرها منطقة استراتيجية، ولن تقبل كذلك بأن تستفرد بها روسيا، خصوصا بعد تحريك بريطانيا لغواصتها إلى شرق البحر المتوسط، وقد تحرك غواصتها النووية أيضا.

بل نرى الآن ماكلين ودراهام الجمهوريان يقترحان بإرسال 100 ألف جندي لمقاتلة داعش، وبشكل خاص من سنة المنطقة، أي أن المعادلة على الأرض لن تكسبها روسيا، ولو أرادت الولايات المتحدة استئصال داعش لاستطاعت، وهي تقوم فقط بضربات انتقائية، وتنفذ فقط 6 ضربات يوميا على داعش، بينما كانت تقوم ب1200 ضربة يوميا في حرب الخليج 1990-1991.

تحقق الولايات المتحدة عدد من الاستراتيجيات، بجعل تركيا تضرب الطائرة الروسية حتى تتوقف تحالفات روسيا مع منطقة الخليج، وتريد إقناع الاتحاد الأوربي بضم تركيا، وهي الوحيدة القادرة على ضبط حدودها ومنع الهجرات عنها، وفي نفس الوقت يمكن أن تحل تركيا مكان روسيا في توريد الغاز إليها من منطقة الشرق الأوسط، لذلك تقف أمريكا إلى جانب تركيا ضد روسيا، وترفض اتهام روسيا لتركيا بشراء النفط من داعش.

أفشلت أمريكا أي تنسيق بين روسيا وتركيا والسعودية في حل الأزمة السورية بعيدا عن أمريكا، أو لن تكون روسيا الدولة الرئيسية في حل الأزمة السورية، بينما الآن إذا لم تتوافق روسيا مع الدولتين الإقليميتين السعودية وتركيا، فلن تحصل على الأرض شيئا، بل ستخسر كما خسرت في أفغانستان، وتبقى أمريكا مصدر الحلول ولكن باستراتيجية جديدة اعتماد دول المنطقة على نفسها دون الاعتماد على الولايات المتحدة.

يأتي توحيد الفصائل السورية في الرياض، بدعم الغرب بعيدا عن روسيا وإيران التي احتجت على هذا المؤتمر إيران ما يعني أن السعودية تواصل قطع أذرع إيران في جميع أنحاء المنطقة العربية من العراق إلى سوريا واليمن، بعد قطع اليد الإيرانية في البحرين، وإخراجها من السودان، ومحاصرتها من كل جانب، بعدما كانت إيران تنوي وضع كماشة على السعودية، تحولت تلك الكماشة تحاصر إيران.

 لذلك كان خطاب بوتين أمام عائلة قائد الطائرة الذي قتل في تركيا بعد إسقاطها سياسي أكثر منه تصعيدي، خصوصا حينما قال لا نريد تصعيد، ولكن كان يردد لماذا ضربتمونا، واعتبرها طعن في الظهر، وقال كان بإمكاننا التوصل إلى حل لجميع المشاكل الحساسة، إذ يدرك بوتين بأن روسيا تدخلت في أفغانستان وجورجيا وتراجع أسعار النفط تعاني وضعا اقتصاديا صعبا.

رغم ذلك هناك مواجهة بين القيصر والسلطان، وتهديد من بوتين بعمل عسكري مبطن خصوصا حينما قال بأن روسيا لن تتوقف على العقوبات الاقتصادية فقط، خصوصا بعدما تحد أردوغان بوتين من أنه إذا أثبت بوتين من دخول شراء تركيا نفط من داعش فإنني سأستقيل من منصبي مباشرة، هناك حذر وترقب من حدوث مواجهة محتملة واللعب بالنار خصوصا بعد اقتراب غواصة تركية في البسفور والدرنيل من سفينة روسية أرادت الاقتراب، وهناك غواصات روسية خصوصا التي تسمى غواصة موسكو تتواجد بالقرب من اللاذقية في البحر المتوسط.

بوتين بعد شهرين من فشله في تعديل موازين القوى لصالح النظام السوري، الذي قتل أكثر من ثلاثمائة ألف سوري، وشرد أكثر من نصف المجتمع السوري، وتسبب في ظهور داعش في العراق وتمدده في سوريا التي أصبحت ساحة مفتوحة، وفشل بوتين في الضغط على تركيا في قفل حدودها حتى لا تصل المساعدات للمعارضة من تركيا.

احتشاد القوات الغربية الفرنسية والبريطانية والألمانية والأمريكية في منطقة البحر المتوسط لأنهم يخشون من حماقة بوتين الذي أقدم على احتلال جزيرة القرم يمكن أن يقوم بعمل حربي ما يحرج جميع الأطراف خصوصا وأن بعض الصحفيين الأوربيين يصف بوتين بأنه المريض في أوربا مريض أوربا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق