هل حقاً أن هدف مؤتمر غروزني محاربة التطرف، أم ماذا؟

هناك كثير من المؤتمرات التي تعقد ولا يثور حولها أي زوبعة، مثلما انفجرت قنبلة المؤتمر الذي عقد في غروزني في الفترة 25 – 27 من أغسطس 2016 امتدت آثارها إلى بقية أنحاء العالم العربي وخصوصا في السعودية، لكن البعض يؤكد بأن هذه القنبلة التي انفجرت كانت نتيجة مشاركة شيخ الأزهر محمد الطيب، ما يعني أن هذا الحضور له أبعاد سياسية تهدد العلاقة بين السعودية ومصر بشكل خاص.

هذا المؤتمر الذي حضره شيخ الأزهر أحمد الطيب أشعل نار الخلاف والشقاق بين الأمة الإسلامية التي جمعها الله على الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله وتخالف المبادئ السبعة التي أعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم  من على جبل عرفات في حجة الوداع، الحجة الوحيدة التي حجها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، وإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، وإن الله قد حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرما، وإن الله قد حرم الربا، واستوصوا بالنساء، وإن عدة الشهور اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم.

من حق رمضان قديروف كأي مسلم رعاية مؤتمر إسلامي، لكن هل من الحكمة لمن حضر المؤتمر أن يمارسوا الإقصاء، بحجة أن السلفيين يمارسون الإقصاء في حق غيرهم، لكنه ليس تبريرا كافيا ولا مقنعا، في أن يمارس نفس الإقصاء، لكن قد تكون هناك رسالة أكبر يرسلها الروس بعقد المؤتمر في غروزني التي دمرها عن بكرة أبيها بأنه سوف يدمر حلب وإدلب وحمص وحماة، خصوصا وأن روسيا تحاول قيادة أمريكا الراحلة.

 وبعد الزوبعة التي ضربت المنطقة، خصوصا تجاه مصر بسبب حضور شيخ الأزهر وعدم اعتراضه على بيان المؤتمر الذي أخرج السلفيين من السنة والجماعة، لكن  مصر بررت موقفها بأن شيخ الأزهر ذكر في خطابه أهل الحديث، وحاول المؤتمر أن يضمن البيان الختامي بأهل الحديث المفوضة، وهي عبارة فلسفية مؤولة غير واضحة لا توجد إلا في الكتب الأثرية وهي عبارة مثل العبارات التي يستخدمها الساسة من أجل الغموض والالتفاف والتي تحتمل عدة معاني حتى لا يؤخذ عليهم ويكون لديهم رجعة أو تراجع.

سبقهم الإمام أحمد إمام السلفية الأول أن سد الطريق على كل من يمارس الإقصاء ضد الآخر، فقال المسلمون على ظاهر الإسلام ولا نكفر أحدا بذنب، ونصلي وراء كل إمام، ونجاهد مع كل أمير، بينما حاول المؤتمر قصر أهل السنة والجماعة على الأشعرية التابعين للمدرستين الشافعية والمالكية، بل نجد الإمام الشعري (-324ه ) الذين ينسبون أنفسهم إليه كان يعتبر نفسه حنبليا، وقال اختلف الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم في أشياء كثيرة ضلل فيها بعضهم بعضا، فصاروا فرقا متباينين، إلا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم، والماتردية وهي جماعة تابعة للمذهب الحنفي وهي سابقة لتقسيم السنة بعد تقسيم الأمة الإسلامية إلى سنة وشيعة، بل الأدهى من ذلك يراد من المؤتمر تحميل السلفيين مسؤولية الإرهاب وهي خدمة مجانية تقدم للعالم الذي يحاول حصر التطرف في فئة ضيقة ومحدودة من المسلمين، والمؤتمر يدعم قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب الذي يختصر باسم ( جاستا ) والذي أقره مجلسا الشيوخ والنواب، ويسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة السعودية طليا للتعويض لكن أوباما سيستخدم الفيتو لإفشال المشروع، لأنه يدرك مكانة السعودية لدى المسلمين في العالم كافة وقدرتها على تجييش المسلمين ضد أمريكا، ومثل هذا الاستهداف لوقف توجه السعودية نحو الشرق وإقامة تحالفات اقتصادية مع دول مهمة كالصين واليابان والهند يغير كثير من التوازنات السابقة وتخلص السعودية من التبعية للغرب وخصوصا للولايات المتحدة، ما يؤهل تحول السعودية إلى لاعب إقليمي ودولي مؤثر.

أي أن خفايا المؤتمر محاول خدمة إيران وخدمة التحالف الصهيوفارسي ووقف اندفاعات السعودية التي شكلت عاصفة الحزم لمنع الحوثي المدعوم من إيران من السيطرة على اليمن، ووقفت السعودية أمام تدويل أزمة اليمن على غرار سوريا، كما أن المؤتمر يعيق رعاية السعودية التحالف الإسلامي العسكري الذي يحارب الإرهاب ليس فقط داعش بل وحتى المليشيات الشيعية في اليمن ولبنان وسوريا والعراق واستعادة الدولة الوطنية والوقوف أمام أي تقسيم.

المؤتمر فجر قنبلة وعاصفة هوجاء أدت إلى اتساع رقعة الجدال والحرب الكلامية على الساحة العربية بشكل خاص التي يمكن أن تنزلق إلى نزاع مسلح تتبناه أيدي عابثة أو متآمرة، وإذا كان المؤتمر يستهدف السعودية إرضاء لإيران التي منعت حجاجها من الحج بسبب أنها تصر على تسيس الحج، بينما السعودية لم تمنع أي مسلم من أن يحج من أي فرقة كان، ولم تقصي أحدا من أداء فريضة الحج عبر تاريخها، لكن استعاضت إيران بناء على فتوى خامنئي بالحج إلى كربلاء بعدد يضاهي العدد الذي وقف في عرفة نكاية بالسعودية، وهذه الفتوى تكشف وتفضح انحراف خامنئي عن جادة الصواب أمام الشيعة قبل السنة، وكيف أنه استعاض عن حج بيت الله الحرام وأداء الركن الخامس من أركان الإسلام إلى الاستعاضة عن أداء هذا الركن بالحج إلى كربلاء، ما يدل أن خامنئي يستخف بهذا الدين القويم ويتلاعب بمشاعر المسلمين كافة وليس فقط السنة لمجرد النكاية بالسعودية، ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) فالسعودية حريصة على أمن الحج والحجاج وترفض أي مساس بأمن الحج حتى لو كان من إيران وكل دول العالم تقر وتعترف بإدارة السعودية للحج بكل اقتدار بل تكن لها بالفضل والعرفان لما تبذله من جهود مضنية لخدمة ضيوف الرحمان فيما الدولة الوحيد إيران التي تحاول زعزعة امن الحج الذي اعتادت عليه منذ ولاية الفقيه التي سنها الخميني وبدأ تسيس الحج منذ عام 1980 بالمظاهرات في مكة والمدينة ثم محاولة تهريب حقائب عام 1986 تم ضبط 95 حقيبة مليئة بمادة تفجيرية تقدر ب150 كيلو جرام، وفي عام 1989 قامت إيران بتفجيرين في أحد الطرق إلى الحرم المكي نجم عنه وفاة واحدة، وفي عام 1990 في 9 ذي الحجة قام حزب الله الحجاز الكويتي بإطلاق الغاز السام في نفق المعيصم أدى إلى مقتل 1420، وفي عام 2015 حدث التدافع المفجع في منى أدى إلى وفاة 717 حاجا وإصابة 863 وفي عام 2016 هدد خامنئي السعودية في موسم الحج.

وينطبق على هذا المؤتمر ما جاء في صحيح مسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحرش بينهم ) وفي رواية أخرى ( إن الشيطان يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكن قد رضي بما تحقرون من أعمالكم ) بل إن أساس ديننا كما في قوله تعالى ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ).

ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 تبحث أمريكا عن إسلام جديد، هذا من جانب، واختطاف المتشددين صورة الإسلام في بلاد المسلمين بسبب تغييب أصوات المعتدلين فجاء هذا المؤتمر وفق نوايا خبيثة باستبدال هذا الإسلام الذي لا يناسب أهواء الغرب وخصوصا الولايات المتحدة بالحل الصوفي السحري لتصديره إلى المسلمين، وأنه هو الدين الحق بديلا للسلفية التي يعتبرونها السبب الرئيسي في ظهور التطرف.

لم يتنبه المؤتمر أنه وظف مآسي العرب في سوريا والعراق من خلال توجه سياسي استراتيجي، فروسيا تريد أن تخفف وتيرة الغضب الإيراني وفك عزلتها نتيجة فشلها في استهداف حج هذا العام، وكيف أن كافة الدول العربية والإسلامية وقفت أمام إيران تجاه تسيس الحج سوى العراق الذي يعتر قراره الاستراتيجي بيد إيران.

 فأتى هذا المؤتمر عاملا مخففا من ثورة إيران الكاسحة تجاه السعودية وحتى تجاه روسيا بعدما حيدت روسيا الدور الإيراني في سوريا لمصلحتها، ومن أجل الاقتراب من السعودية للتوصل إلى تفاهمات حول قيادة سوق النفط العالمي، وهي تمارس لعبة موازنة معقدة بين إرضاء إيران والسعودية وتركيا، خصوصا بعدما حلت تركيا مكان إيران التي كانت الولايات المتحدة ترغب في أن تحل مكان روسيا في تصدير الغاز إلى أوربا عبر تركيا، لكن بعد تطبيع العلاقات التركية الروسية سيتم تصدير الغاز الروسي عبر تركيا، فأتى هذا المؤتمر تهدئة لخواطر إيران الخاسرة على أكثر من جبهة.

أما حضور مصر هذا المؤتمر فهي تهدف لمواجهة جماعات الإسلام السياسي الذي دعمته أمريكا باعتبار أن إقامة دولة إسلامية في مصر يمكن أن يحتوى القاعدة وبقية الجماعات الأخرى المتشددة والإرهابية، وهي جماعة ترفض فكرة السيادة الوطنية على الأرض، والحدود الإقليمية، ولكن بدعم السعودية ودولة الإمارات تمكنت مصر من تجاوز أزمتها، واضطرت الولايات المتحدة إلى تصميم مشروع وافقت عليه اللجنة القضائية بمجلس النواب الأمريكي في 24 فبراير 2016 بأغلبية 17 صوتا مقابل 10 أصوات، الذي يصنف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية يتوافق مع تصنيف مصر ودولة الإمارات، لكن يبقى تنفذ وزارة الخارجية هذا القرار وهذا متروك للرئاسة القادمة، استراتيجية جديدة براغماتية تتماشى مع الواقع الجديد.

لكن تورطت مصر في حضورها هذا المؤتمر في زعزعة العلاقة مع السعودية على الأقل على المستوى الديني والشعبي، لكن على المستوى الرسمي لن تتأثر تلك العلاقة، رغم أنها قد يعتريها بعض الشوائب والكدر بسبب حاجة البلدين لبعضهما، وكل منهما عمق للآخر، خصوصا في ظل الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة، وقد يخفف حضور مصر هذا المؤتمر الضغط على السيسي الذي يعاني من ضغوطات داخلية عديدة جراء تسليم الجزيرتين تيران وصنافير للسعودية يمكن أن يقدر الجانب الرسمي في السعودية الذي من مصلحته أن تخف تلك الضغوط على السيسي لتصفو الأجواء بين البلدين، وليس أمام البلدين أي خيار سوى توثيق العلاقة بينهما وليس هذا فحسب بل إن المنطقة بحاجة إلى الدول الثلاث السعودية ومصر وتركيا ويجب أن تتجاوز الخلافات الثنائية لأن المنطقة تمر بمرحلة لم تمر بها من قبل.

ترجمت تلك العلاقة باجتماع ولي ولي العهد محمد بن سلمان بالرئيس السيسي في مدينة هانغجو الصينية على هامش قمة ال20 وناقشا مستجدات الأحداث العربية والدولية، ورفضت الجامعة العربية والأزهر الاستفزازات الإيرانية وأعلن الأزهر أنه يقف إلى جانب السعودية ويرفض تسيس الحج، وانتهى الحج بسلام ولم تتحقق تهديدات خامنئ في استهداف حج هذا العام نتيجة الجهود الكبيرة التي بذلتها السعودية لمواجهة أي طارئ يستهدف أمن الحج.

يتزامن ذلك مع حل 70 في المائة من قضايا المستثمرين السعوديين وإعادة أراضي مسحوبة لشركات سعودية كبرى في مصر، ودخلت مفاوضات الوديعة السعودية مرحلة متقدمة بعد تصريح عمرو الجارحي وزير المالية المصري بأن هناك مفاوضات تجريها بلاده مع السعودية للحصول على دعم مالي في صورة وديعة قيمتها بين مليارين وثلاثة مليارات دولار، وهي جزء من التدبير التمويلي لمبلغ الستة مليارات دولار الذي يتطلبه توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، حيث توصلت في أغسطس 2016 إلى اتفاق مبدئي مع الصندوق بشأن برنامج اقتراض بقيمة 12 مليار دولار ومدته ثلاث سنوات من أجل مساعدة البلاد على سد فجوتها التمويلية والمحافظة على استقرار السوق.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق