هل تنقسم المملكة المتحدة بعد أن تخلت عن الاتحاد الأوروبي

طالبت الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوروبي بريطانيا، ببدء فوري لمفاوضات خروجها من الاتحاد، عقب نتائج الاستفتاء المؤيد للخروج الأمر الذي يزيد من تعقيد الوضع على المملكة المتحدة التي لاتزال تحت صدمة النتيجة القاضية بخروجها من التكتل الأوروبي ما يعني حرمانها من كل الامتيازات والتسهيلات والدخول في سنوات من عدم اليقين وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

جاء التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مثل الزلزال الذي أصاب بريطانيا وأوروبا، وامتدت توابعه إلى مناطق أخرى بدرجات مختلفة. فقد انخفض على الفور سعر صرف الجنيه الإسترليني بنسبة 10 بالمئة مرة واحدة ليصل إلى أقل مستوى له أمام الدولار منذ عام 1985، كما تراجعت مؤشرات البورصات العالمية يوم الجمعة 24 يونيو، مع إعلان نتيجة التصويت، لتفقد ما يقارب 2 تريليون دولار وسط مخاوف حول وضع الاقتصاد البريطاني، واعلان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أنه سيستقيل في شهر أكتوبر القادم.

وبشكل عام هناك فإن حالة القلق وعدم اليقين المسيطرة على الأسواق العالمية سوف تستمر لفترة غير معروفة لعدة أسباب، منها كبر حجم الاقتصاد البريطاني، الذي يمثل خامس أكبر اقتصاد في العالم، والذي من المتوقع أن تتراجع نسب النمو فيه مع خروج بريطانيا من الاتحاد، كما يرى الكثير من الاقتصاديين، وهذا بلا شك سيؤثر على فرص التوظف في بريطانيا، وفرص الاستثمار بها.

هذا بالإضافة إلى أن بريطانيا لا يمكنها بأيّ حال أن تبقى بعيدة عن السوق الأوروبية الموحدة، التي تمثل أكبر سوق في العالم، خاصة وأن هذه السوق قريبة للغاية من بريطانيا، وتستقبل نحو نصف صادراتها، ومن ثم، يجب أن تجد بريطانيا صيغة مختلفة لاستمرار تجارتها مع هذه السوق.

ولن يتم التوصل إلى هذه الصيغة بين يوم وليلة، بل سيستغرق الأمر وقتا طويلا ومفاوضات شاقة مع الاتحاد الأوروبي. ومن الطبيعي أن يعيد المستثمرون في السوق البريطاني حساباتهم، وأن يتمهّلوا في ضخ أيّ استثمارات جديدة انتظارا لما سيكون عليه شكل العلاقة الجديدة بين بريطانيا والسوق الأوروبية.

قطاع آخر ينتظر أن يتأثر مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو القطاع العقاري الذي يمثل أحد أبرز القطاعات التي يقبل عليها المستثمرون في السوق البريطاني. فقد حذّر صندوق النقد الدولي من انخفاض حاد في أسعار العقارات في بريطانيا، وهو انخفاض قد يتراوح ما بين 10 بالمئة إلى 18 بالمئة خلال العامين القادمين حسب تقديرات وزارة الخزانة البريطانية. وفي نفس الوقت هناك توقعات بارتفاع سعر الفائدة، الأمر الذي يعني ارتفاع تكاليف القروض العقارية.

وجود المملكة المتحدة نفسه أصبح مهدّدا بعد التخلّي عن مشروع الوحدة الأوروبية، إذ أن أغلب الناخبين في اسكتلندا صوّتوا لصالح الاستمرار في الاتحاد الأوروبي بخلاف أغلب الناخبين في إنكلترا.

حالة القلق وعدم اليقين المسيطرة على الأسواق العالمية سوف تستمر لفترة غير معروفة لعدة أسباب، منها كبر حجم الاقتصاد البريطاني، الذي يمثل خامس أكبر اقتصاد في العالم، والذي من المتوقع أن تتراجع نسب النمو فيه مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

وبشكل عام فإن المزاج الشعبي في اسكتلندا أقرب كثيرا لأوروبا ممّا هو عليه الحال في إنكلترا. ومن ثم، أعلنت نيكولا ستورجيون، زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي والوزيرة الأولى، أنه من المطروح الآن إعادة التصويت على انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة على أساس أن الأسكتلنديين لن يقبلوا التخلّي عن أوروبا لأن هذه هي رغبة الناخبين في إنكلترا.

وترى ستورجيون أن هذا وضع غير ديمقراطي لأنّه لا يعقل أن يُجبر الأسكتلنديون على الانفصال عن أوروبا خلافا لرغبتهم، وهو طرح يلقى قبولا وترحيبا بين الكثير من الأسكتلنديين، خاصة وأن أحد أسباب رفض انفصال اسكتلندا عن بريطانيا في الاستفتاء السابق هو تحذير أوروبا من أن مثل هذا الانفصال سيحرم اسكتلندا من عضوية الاتحاد الأوروبي، وهو ما تغير تماما في الوقت الحالي.

eu2

وهناك مشكلة مشابهة في إيرلندا الشمالية، إذ صوّت أغلب ناخبيها بدورهم لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. ولهذا طالب مارتين ماجينس، نائب الوزير الأول والقيادي بحزب “الشين فين”، باستفتاء على بقاء إيرلندا الشمالية في بريطانيا أو انضمامها إلى جمهورية إيرلندا.

ويبدو الأمر أكثر تعقيدا بسبب الانقسام العميق بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندا الشمالية. وكان الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي هو أحد الخطوات الهامة لنزع فتيل الأزمة بين الطرفين، التي استمرت لعقود طويلة، وذلك على أساس أن هذا الاتحاد يشكل هوية جامعة لمختلف الأوروبيين على اختلاف مذاهبهم.

وتبقى أسئلة كثيرة بلا اجابة في الوقت الراهن: هل تبقى بريطانيا على حالها أم تنقسم إذا خرجت منها اسكتلندا أو إيرلندا الشمالية؟ وما هو شكل علاقة اسكتلندا إذا انفصلت بالاتحاد الأوروبي؟ وما مصير الملايين من الأوروبيين الذين يعيشون في بريطانيا؟

وبالمقابل كيف ستتعامل أوروبا مع البريطانيين الذين يعيشون على أراضيها؟ وفوق كل هذا ما هو شكل العلاقة الجديدة بين بريطانيا والسوق الأوروبية الموحدة؟ هل تكون شبيهة بالنرويج مثلا التي ظلت خارج الاتحاد لكنها تتمتع بحرية التجارة مع السوق الأوروبية من خلال المنطقة الاقتصادية؟ هل تكون شبيهة بنموذج سويسرا التي لها اتفاقات خاصة مع السوق الأوروبية؟ ويبقى السؤال الأهم: هل تنتهي المملكة المتحدة كما نعرفها بعد أن تخلّت عن الاتحاد الاوروبي؟ هذا هو السؤال الذي ينتظر كثيرون الإجابة عليه.

محمود القصاص

نقلاً عن صحيفة العرب اللندنية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق