هل تنجح الهند في خطف قيادة النمو الاقتصادي العالمي من الصين؟

نما الناتج العالمي منذ عام 1900 أكثر من 30 ضعفاً خلال هذه الفترة، حيث نما بمعدل يزيد على 2 في المائة سنوياً، ونما بشكل أسرع ما بعد الحرب العالمية الثانية في ظل الاقتصاد الكينزي، ثم نما فيما بعد في الثمانينات من القرن الماضي في ظل الانتعاش المحافظ الذي أطلقه كل من مارجريت تاتشر ورونالد ريجان.

الاقتصاد القائم على الابتكار الذي ظهر منذ فترة مبكرة، انتشر في جميع أنحاء العالم في القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين مواصلاً النمو، ولكن هذا النمو لا يتساوى في جميع أنحاء العالم على الإطلاق، بل على العكس من ذلك، حتى الناس لا تقتسم فوائده بالتساوي، رغم ذلك فإن الاقتصاد العالمي ينمو ونما في عام 2015 وسينمو في عام 2016.

كثير من المحللين الاقتصاديين والسياسيين يتمنون ألا تعاني الصين هبوطاً حاداً لأي سبب من الأسباب، من شان ذلك أن يكون تغييراً للعبة، إحدى المفاجآت الكبيرة كانت عندما سمحت الحكومة الصينية بتراجع الرنمينبي في أغسطس 2015 ما أدى إلى جيشان السوق لمدة شهر في جميع أنحاء العالم، وهو ما دفع مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي لتأخير رفع أسعار الفائدة.

بعد عقد من الزمن عزز خلاله الطلب على السلع اقتصادات الأسواق الناشئة، فإن التباطؤ في الشراء حفز حدوث انهيار في الأسعار وأوقع الألم بالنسبة للمنتجين، يأتي هذا التحول في الوقت الذي تحاول فيه الصين إدارة المرحلة الانتقالية في الاقتصاد بعيداً عن الاستثمار في البنية التحتية والتوجه نحو مزيد من الاستهلاك الداخلي للبضائع والخدمات، وهو ما يعتبر تطبيق مزيج من الإصلاح والتحفيز الاقتصادي، وهي ليست جيدة للأسواق الناشئة.

الاقتصاد الصيني يعاني مشكلات هيكلية، فيما تسارع الصين إلى الاعتماد على تسريع نشاط قطاع الخدمات مقابل انكماش الصناعات التحويلية، كما أن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي قد تزيد الوضع المتردي للاقتصاد العالمي تعقيدا، إذ يمكن أن تنفجر أزمة مديونية تطيح بسنوات من التنمية الاقتصادية للاقتصادات الصاعدة، فبعض التقديرات الموثوق بها تصل بديون الاقتصادات الناشئة حالياً إلى 23.5 تريليون دولار، وارتفاع قيمة الدولار تعني عملياً ضياع أي جهد لرفع معدلات النمو لأنها ستذهب لتسديد الديون.

انتهاء طفرة النمو المستمرة منذ 10 سنوات يضر بشركات التعدين والطاقة مع تباطؤ النمو الصناعي في الصين وانحسار شهيتها للمواد الخام، في الوقت الذي لا تنبئ فيه آفاق عام 2016 بتحسن كبير، يؤدي إلى تذبذب الأسواق ما لم ينهض النمو العالمي، بسبب أن معظم السلع تكبدت خسائر أكثر من 30 في المائة من قيمتها بسبب تخمة المعروض وضعف الطلب الصيني، بعدما سجلت الصين في عام 2015 أضعف نمو اقتصادي في 25 عاماً، مع توقعات بتباطؤ النمو إلى 7 في المائة من 7.3 في المائة عام 2014، بل إن بعض المراقبين للصين يعتقدون أن النمو الاقتصادي الحقيقي أضعف كثيراً مما توحي به البيانات الرسمية، مما يشير إلى استمرار فقدان تدريجي للقوة الدافعة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

إن كثيرا من المحللين الدوليين يرون أن التنين الصيني قد ينفث نيرانه ليتسبب في أزمة اقتصادية كبرى في عام 2016، مقللين في الوقت نفسه من نبرة التفاؤل التي تطلقها المؤسسات حول الاقتصاد العالمي عام 2016.

إن عدم اليقين في الاقتصاد العالمي خلال عام 2016، سيكون مصدره الصين أيضاً كما في عام 2015، وذلك بحسب تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي CFR، خصوصاً بعدما انتهى عام 2015 بغموض كبير وعدم يقين حول الملاذات الآمنة التقليدية، مثل السندات التي يمكن أن تدخل الصين في مرحلة تصحيح سوق السندات، مما يتسبب في دخول الصين في فقاعة ستبلغ نحو 7.3 تريليون دولار، أي ما يوازي نصف الناتج المحلي الإجمالي الصيني، أو المعادن الثمينة، وهو ما يفاقم من حجم الأزمة المرشحة للاستمرار في عام 2016، إذ إن أغلب المستثمرين يتجهون إلى التحفظ، بالتزامن مع توتر بشأن رفع الاحتياطي الفيدرالي للعوائد ما قد يسفر عن أزمة مزدوجة، لحين تبدد الغيوم ونهاية الدائرة المفرغة من الغموض والتشويش، وإلى حين أن يطرأ حدث اقتصادي مطمئن من شانه أن يكسر تلك الحلقة المغلقة.

معجزة الصين الاقتصادية تفقد ورقة العمالة الرخيصة، و278 مليون صيني يعملون خارج قراهم وبلداتهم في عام 2014، وانخفضت الولادات من 25 مليون مولود في عام 1987 إلى 16 مليون مولود في عام 2014، أي أن المعين الذي لا حدود له من العمالة الريفية الفقيرة ينضب الآن بسرعة، تاركاً آثاراً عميقة في اقتصاد الصين، فيما ارتفعت أجور هؤلاء المهاجرين من قراهم قريباً من نحو أربعة أضعاف أجور عام 2005، التي كانت تبلغ 861 رنمينبي (139 دولار) إلى 2864 رنمينبي (462 دولار).

لذلك، فإن رهان أوباما على صعود الهند رهان ذكي، بسبب أن صعود الهند حقيقة جيوسياسية، وطريقة صعودها بالغة الأهمية بالنسبة لمستقبل العالم، مع الاستثناء الكبير للهند، جميع اقتصادات مجموعة بريكس تتباطأ، وقدرة أمريكا على التكيف مع عالم متعدد الأقطاب سيتم تشكيلها من خلال ما إذا كان بإمكان نيودلهي وواشنطن التعايش معاً.

اقتصاد الفيل الهندي يخالف المنعطف الهبوطي لمختلف دول العالم، خصوصاً وأن الهند ليست رهينة لانحسار وتدفق الاقتصاد الصيني، باعتبارها مستورداً صافياً للسلع، والهند هي إحدى المستفيدين من انخفاض أسعار المعادن والطاقة، والهند لديها قدرة على النمو بنسبة 9 في المائة لمدة عشر سنوات و8 في المائة في السنوات العشر اللاحقة، إذا اتبعت الحكومة تدابير إصلاحية جريئة.

الأزمة تكشف صعوبة الاعتماد على بكين في دفع القاطرة لجذبه للأمام وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، وهذا لا يعني بالطبع أن الصين ستفقد وضعيتها كثاني أقوى اقتصاد في العالم، لكن الهند تخطف قيادة النمو الاقتصادي العالمي من الصين، فانخفاض أسعار النفط يعزز من الاقتصاد الهندي ويخفض تكلفة الإنتاج في القطاع الخاص، وجذبت الهند استثمارات أجنبية مباشرة هاربة من الأسواق الناشئة ب31 مليار دولار عام 2015، وهناك توقعات بزيادتها 40 في المائة في عام 2016.

تحتل الهند المرتبة الرابعة في استهلاك النفط بعد الصين والولايات المتحدة وروسيا، وهي تستهلك سنويا 638 مليون طن، وقد تضاعف معدل الاستهلاك منذ عام 2000، وسيبلغ استهلاكها عام 2040 نحو عشرة ملاين برميل يومياً من النفط، خصوصا في حين أن إنتاجها من النفط محدود والاستعانة بالفحم يعرضها لضغوط دولية ضخمة.

لكن هناك ملاحظات عدد من الاقتصاديين إلى الدعوة للتريث بشان تعويل الاقتصاد العالمي على الهند بديلاً للصين، لدفع الاقتصاد العالمي للأمام، إذ لا تزال الهند في بدايات الطريق لتحقيق معدلات النمو المرتفعة، وهناك شكوك حول قدرة الهند على المواءمة بين رفع معدلات النمو عبر إطلاق المبادرات الخاصة، والحفاظ على الجانب الخاص بالعدالة الاجتماعية أحد موروثات تجربة التنمية الهندية منذ الستينات، وهناك ضعف في مجال الاقتصاد الهندي لا يزال يعاني من عدم التكامل التام بين القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وهو ما يعد أحد أبرز مظاهر الاقتصادات المتقدمة، ويعطل غياب هذا التكامل ارتفاع معدل النمو الاقتصادي في الهند، ولم ينعكس بعد في صياغة هيكلية عميقة وحديثة للاقتصاد الكلي، كما أن هناك جوانب قصور مرتبطة بالبنية التحتية الأساسية في الهند، تعتبر عموماً أحد العوائق الأساسية في قدرة نيودلهي في الحفاظ على معدلات تنمية مرتفعة على المدى الطويل.

هذا النهج الحذر لا ينفي أن نيودلهي ستمثل وبلا شك أحد قوى الدفع الاقتصادي على المستوى الدولي خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا أفلحت في نسج شبكة إقليمية ودولية من العلاقات التجارية القوية على غرار النموذج الصيني.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق