هل تنجح المؤامرة ضد تشكيل قوات عربية مشتركة تقودها مصر؟

نجح زلزال الاضطرابات العربية في إسقاط أنظمة استبدادية في ظل غياب البديل ما فتح الباب أمام الدول الإقليمية فرصتها في تقزيم الدور العربي خصوصا بعد تراجع الدور الأمريكي وانسحابه تجاه آسيا والمحيط الهادئ لاستعادة قوته الاقتصادية ومحاصرة الصين.

نتيجة زلزال الاضطرابات العربي وغياب البديل سقط مفهوم الوطن والمواطنة مقابل صعود الأيديولوجيات البديلة للمشروع الوطني والقومي، وقعت المنطقة العربية في فخ ما بين مشروعين، ولاية الفقيه، ومظلة ولاية المرشد وأصبحت زعاماتهما في إيران وتركيا، خصوصا وأن التاريخ يكشف لنا عن علاقة العرب مع إيران علاقة ملتبسة، ومع تركيا كان ميراثا من الاستعلاء،  وجدتا غايتهما وفرصتهما في نظام عربي مهترئ، يمكن اختراقه وهي فرصة تاريخية لا يمكن أن تتكرر.

نجحت دول الخليج العربي في إبعاد شبح زلزال الاضطرابات العربية عن دولها، وحافظت على السلم الاجتماعي، ونجحت في إنقاذ أكبر دولة عربية كادت أن تقع في مستنقع المشروع الإخواني بإدارة عن بعد من أنقرة أو على الأقل تقارب المشروعين، خصوصا بعدما نجاح الإخوان العابر للحدود في اختراق دول الخليج، وإنشاء قاعدة إخوانية في أصغر دولة في قطر التي تقيم تحالفا مع تركيا، مما هدد الأمن الخليجي والعربي معا.

بعد قيام السعودية بعاصفة الحزم في اليمن لإعادة الأمل إليه، ولتقزيم النفوذ الإيراني الذي وصل إلى اليمن لمحاصرة السعودية، ما وضع المنطقة العربية على مشارف تغير ضخم في موازين القوى، وهو لم يرضِ لا الولايات المتحدة ولا إيران ولا تركيا، ما جعل أوباما يدعو إلى لقاء قمة مع زعماء دول الخليج في كامب ديفيد لتطمينهم وتهدئة روعهم من الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، لكن زعماء دول الخليج لم يكتفوا بالمسكنات التي قدمها لهم أوباما، وواصلوا مسيرة تحقيق أهداف عاصفة الحزم ولم تنخدع بالتفاف الأمم المتحدة على قرار الأمم المتحدة 2216 في جنيف وتصميمهم في تنفيذ الشرعية العربية التي تحل محل شرعية العدالة الدولية غير الفاعلة.

أدركت السعودية ودولة مصر ومعها بقية دول الخليج، أن النظام العربي يواجه تحديات جيوسياسية  بهدف تذويب الهوية العربية المادة الأساسية للإسلام تقود إلى خارطة سياسية جديدة في الشرق الأوسط، خاصة بعد تزايد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومحاولات تركيا التدخل في مصر وليبيا وتونس مما يدفع بالمنطقة إلى مرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية غير المتوازنة وغير المتكاملة.

لعبت إيران وتركيا بالمنطقة العربية، نتيجة غياب الدور العربي في العراق، وتباين المواقف العربية في سوريا خصوصا بعد رفض الولايات المتحدة التدخل في سوريا بعد استخدام النظام السوري القتل بالكيماوي وبالبراميل المتفجرة التي قتلت أكثر من ربع مليون سوري، وتشريد أكثر من عشرة ملايين سوري.

تصميم مصر ودول الخليج على استكمال عاصفة الحزم بتشكيل قوة عربية مشتركة يمكن أن تحدث تغييرا نوعيا في نظرية الأمن الإقليمي العربي، خصوصا إذا ما تم دعم تلك القوات بقدرات انتشار سريع مدعومة بقوات جوية وبحرية وبرية تستطيع المناورة في جميع المنطقة العربية، وهي القوة التي تعول عليها دولة مصر بشكل خاص، والذي يعتبر اقتراحا مصريا في الأساس لإيقاف اغتيال الدولة العربية.

إيران وتركيا قلقتان من إنشاء قوة عربية مشتركة تقف أمام نفوذيهما، لأن القوتين تريان أن قدراتهما، لا يمكن أن تنمو إلا من خلال النفوذ في المنطقة العربية، لذلك لم تجد سوى دعم الجماعات الإرهابية المسلحة في المنطقة وفي مصر إلى جانب دعم الأذرع الإخوانية المسلحة بحجة إسقاط دولة السيسي، بإحداث أكبر كم من الفوضى، لكن تلك القوى نسيت أن في مصر مؤسسات قديمة أبرزها الجيش، كما لا يوجد في مصر قوى انفصالية، أو مناطقية، أو طائفية كما في العراق أو سوريا.

المراهنة على التغيير في مصر يعد مشروعا فاشلا، ولم تكسب الجماعات المسلحة في مصر حربا واحدة منذ سقوط النظام الملكي في مصر، لكن المراهنة على إشغال مصر وزعزعة استقرارها، حتى لا تنهض مصر من كبوتها، وتقود إنشاء قوات عربية مشتركة تعزز من عاصفة الحزم التي بدأت بردع إيران، وتساهم في ردع كل من تسول له نفسه تهديد الأمن القومي العربي، الذي يحرم هاتين القوتين الإقليميتين من التمدد والنفوذ.

وهو كذلك بالتزامن يهدد مواصلة الولايات المتحدة تنفيذ استراتيجيتها الجديدة في إقامة تحالف جديد مع إيران لمحاصرة روسيا في الوصول إلى منطقة الخليج، ولكنه سيكون على حساب الأمن العربي وخصوصا الخليجي،  لأن الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة تقبل تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، رغم أنها تعلن معارضتها لهذا النفوذ علنيا، وفي نفس الوقت لديها مصالح مع تركيا لتصبح بديلا عن روسيا في تأمين الطاقة والغاز إلى الاتحاد الأوربي من منطقة الشرق الأوسط.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق