هل تنجح إيران في تحويل المالكي في العراق على غرار علي عبد الله صالح في اليمن

إيران قلقة جدا من الدور الذي تقوم به المرجعية الدينية في العراق من التوجه نحو القضاء على الفساد الذي نخر في العراق منذ تسلم إيران العراق من الولايات المتحدة عام 2003، وإيران منزعجة من اتهام المرجعية الدينية في النجف البرلمان بالتفافه حول الإصلاحات التي تقدم بها رئيس الوزراء حيدر العبادي.

في نفس الوقت المرجعية الدينية منزعجة أيضا من حيدر العبادي الذي لم يستجيب للمرجعية الدينية في الضرب بيد من حديد على الفساد، خصوصا بعدما اكتشف أن كبار المفسدين بل وجد نحو 80 في المائة من هؤلاء الذين تشملهم الإصلاحات من حزبه الدعوة وكتلة دولة القانون وعلى رأسهم المالكي رئيس الوزراء السابق ومجموعة كبيرة تسانده، مما جعله يضطر إلى التراجع نتيجة تهديدات تلقاها من قاسم سليماني ومن مليشيات شيعية تابعة للمالكي على الأرض في العراق، وكان آخرها مطالبة قاسم سليماني العبادي بإعادة المالكي إلى منصبه السابق كنائب لرئيس الدولة الذي تم إلغاؤه مع آخرين اثنين منهم علاوي.

رغم أن العبادي التقى بثلاثة مراجع كبار في النجف، هم محمد سعيد الحكيم وإسحاق الفياض وبشير النجفي، وتلك اللقاءات لم تكن تحصل لولا حصولها على موافقة من السيستاني، ولكن البعض يرى بأن اللقاء كان زجرا للعبادي بسبب أنه لم يتمكن من الضرب على رؤوس الفاسدين بيد من حديد مهما كان موقعهم، ويجب ألا يحسب حسابات سياسية لإيران، خصوصا وأنه لقي دعما من المرجعية الدينية.

استطاع البرلمان إزاحة المالكي، وظهرت للعلن أغلبية سياسية عابرة للطائفية، وهو ما أزعج إيران التي بذلت الغالي والنفيس في سبيل الهيمنة على العراق، خصوصا وأن الغالبية البرلمانية أظهرت رفضا للمالكي، رغم أن المالكي يمتلك أقلية برلمانية لكنه يمتلك مليشيات في الشارع، سبق أن دعمته إيران أثناء فترة حكمه استعدادا لمرحلة مثل تلك التي يمكن من خلالها السيطرة عسكريا على الوضع الراهن بمساعدة إيران، وهو ما جعل العبادي بين الواقع التهديدي الذي يتلقاه من إيران والمليشيات المدعومة من إيران، ما ينذر بتفجر الوضع على غرار الوضع في اليمن، ويصبح المالكي حينها شبيها بعلي عبد الله صالح الذي نفذ سياسات إيران في اليمن، ولكن علي عبد الله صالح تحالف مع الحوثيين المدعومين من إيران من أجل مصالح خاصة به في العودة إلى سدة الحكم أو الحصول على امتيازات لعائلته ولابنه، بينما المالكي من أجل مصالح خاصة بإيران.

لكن في الواقع لم يعد لقاسم سليماني واقع على الأرض، خصوصا بعدما أفشلت السعودية خططه في سوريا، ولجوئه إلى موسكو من أجل دعوتها للمجئ إلى سوريا، ولكن كان هذا المجئ على حساب المصالح الإيرانية، ودخلت موسكو في صراع مع الولايات المتحدة وأوربا، الذين لن يوافقوا بتواجد روسي بجوارهم التي تتعارض مع الخطط الغربية لمحاصرة روسيا وتقليص نفوذها، وهو ما حرك البحث عن حل للأزمة في سوريا بعدما كانت سوريا في حالة جمود.

السياسة الخارجية لإيران يقودها ظريف وليس قاسم سليماني، والمصالح الإيرانية لا يمكن أن تجازف بتصريحات قاسم سليماني، لكن مثل تلك التصريحات تكشف عن صراع وانقسام بين الأجنحة المتشددة والمعتدلة داخل إيران.

رغم ذلك فإن إيران منزعجة من النجف الذي رسم خطوطا حمراء للإيرانيين، وحتى خشيته من داعش لن يسمح لا لطهران ولا لغيره أن يرتب المشهد السياسي في العراق والإطاحة بحكومة العبادي، لأن تصور المرجعية الدينية هو في النجف تشكيل حكومة سياسية عابرة للطائفية، تكون قادرة على تشكيل غالبية سياسية، وهو تصور مفاجئ وجرئ من المرجعية الدينية معاكس لرغبات إيران، خصوصا عندما تجد دعما عربيا وبشكل خاص من السعودية بجانب الدعم الدولي.

لقد فشل التحالف الرباعي بعد مقدم روسيا إلى سوريا من أجل مكافحة الإرهاب ، وكاد الانقسام السياسي يحدث بين العراقيين بين التحالفين الدولي والرباعي الذي كاد أن يهدد مستقبل الحرب ضد داعش، وخشي القادة العسكريون وشيوخ عشائر من حصول نكسة كبرى، لكن وسط استمرار الجدل حول التحالفين الدولي والرباعي، سارعت الولايات المتحدة من تدريب خمسة آلاف مقاتل عراقي على حرب المدن ضمن اتفاقية استراتيجية موقعة بين واشنطن وبغداد استعدادا لدحر عصابات داعش الإرهابية في بعض المدن والمناطق المغتصبة.

ولكن كيف يتعامل العبادي وحكومته مع الحشد الشعبي الذي ساهمت إيران في بنائه كجيش مواز يخدم استراتيجيتها الإقليمية ووقفت إيران أمام تشكيل الحرس الوطني، وإيران تريد حربا بالواسطة مع داعش وهذا يقضي بوجود قوة عراقية ستحتاج لبعض الشرعية.

استفادت إيران من تكوين جيش مواز من مليون شيعي هجرهم صدام حسين إلى إيران بعدما فشلت في كسب ود ضباط شيعة عراقيين في أن يكونوا تحت إمرة الملالي، وتشكلت نواة الجيش الموازي منذ الحرب العراقية ( 1980-1988) وأبصر النور عام 1982، واختير فيلق بدر كنواة تيمنا بالمعركة الإسلامية الشهيرة لإخفاء النوايا الحقيقية لإيران، خصوصا من المجندين المهاجرين إلى إيران، وتعامل فيلق بدر مع وحدة الحرس الثوري الإيراني، ولكن بهوية عراقية، خصوصا وأن باقر الحكيم كان مصرا على هوية مستقلة لشيعة العراق وإصراره على استقلالية النجف استقلالية تامة بعيدا عن مرجعية قم.

فيلق بدر لا يختلف عن حزب الله في لبنان، ولكن وجدت إيران أن فيلق بدر ما يزال يحمل نزعات عراقية قومية، ووجد صعوبة في التماهي كليا مع إيران، خصوصا وأن الشيعة في العراق أعداد كبيرة ليس مثل الشيعة في لبنان أقلية عددية، فعجزت إيران تحويل فيلق بدر إلى نسخة مكررة لحزب الله اللبناني، فلجأت إلى دعم جيوش أخرى موازية، مثل جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر، فاتجهت كذلك إلى دعم جناح المالكي السياسي، لكن ظهور داعش والهزة التي أحدثها في العراق غير كل استراتيجيات إيران في العراق وفي المنطقة، خصوصا بعدما احتل داعش الموصل بطريقة سهلة وسريعة، مما تكشف عن صعوبة الهيمنة الإيرانية في بلد مثل العراق الذي يختلف عن لبنان.

 وأن معركة الهيمنة الإيرانية في العراق ما زالت بعيدة عن الحسم، لذلك حذرت السعودية من تشكيل إيران جيشا موازيا في سوريا على غرار الجيش الموازي في العراق  بديلا للجيشين النظاميين، وكان حسين الهمداني الذي قتل في حلب هذه مهمته، كما أشار في آخر مقابلة له أجريت معه، واعترف بأنه ساهم في خلق وحدات قتالية موازية أنقذت بشار الأسد من الهلاك المحتوم.

الشعب العراقي لا يحبذ فكرة الجيش الموازي لجيشه الوطني شيعة وسنة وأكراد، بل هناك تفاهم ضمني بين إيران وداعش بعدم المواجهة، وألا يقترب التنظيم إلى أبعد من 40 كلم من الحدود الإيرانية، في المقابل لن تنشر إيران قواتها بهدف مقاتلة داعش حيث هي في سوريا والعراق، هي تريد حربا بالواسطة، لذلك هي تستغل وجود داعش إلى تشكيل مليشيات موازية بديلة للجيش الوطني.

 والحشد الشعبي في العراق هو بديل لفيلق بدر الذي أنشأته عام 1982، وتعيين قيادات بديلة تابعة له، وأشرف على إنشائه الجنرال قاني، يرأسه هادي العامري الذي يحمل الجنسيتين العراقية والإيرانية، وحرص الجنرال قاني على أن يكون الحشد الشعبي قوة تمثل عموم العراق، وجلب إليه شراذم من طوائف مختلفة ومتنوعة وضم إليه كتائب تابعة لإيران، خصوصا مثل كتائب الإمام علي وكتائب سيد الشهداء وصحابة السلام ووحدات علي المرتضي، حتى أصبح الحشد الشعبي يضم 120 ألف مجند تحت زعامة هادي العامري الذي يأتمر بأوامر إيران، ويقاتل تحت إمرة إيرانية خصوصا بزعامة قيادات تابعة لإيران مثل أبو مهدي المهندس ( حزب الله العراق) وقيس الخزعلي ( عصائب أهل الحق).

وتحاول إيران وقادتها التابعين لها في الحشد الشعبي بأنه قوة مؤقتة، لكن التاريخ يعلمنا بأن المؤقت يستمر أحيانا لفترات طويلة، ويعتبر الحشد الشعبي خطراً على العراق ووحدته.

حتى غدا العراق تحكمه معايير من لديه السطوة والقوة والغلبة، بل وباعتراف سليم الجبوري بأن المحافظات التي تم تحريرها من داعش دخلتها المليشيات المسلحة، وفوجئ أبناء المحافظات المحررة بعدم عودتهم إلى محافظاتهم.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق