هل تنجح إيران في إسقاط بيروت لتخفيف الضغط عن بغداد واليمن؟

هل تنجح إيران في إسقاط بيروت لتخفيف الضغوط عن بغداد واليمن؟

استفاقت بيروت على التخريب، وتحويل المظاهرات السلمية إلى مظاهرات سياسية، وأصبح ما يدور في بيروت أبعد من المحلي الداخلي إلى البعد الإقليمي.

تم استغلال هذه التظاهرة سياسيا كانت واضحة المعالم، ولا يوجد شيء عفوي، رغم أن التظاهرة كانت شعبية عفوية، لكن استثمرها حزب الله، وجعلها تحمل أبعادا سياسية لإسقاط الحكومة، وتضيف فراغا إلى فراغ الرئاسة، وهي تريد إسقاط بيروت والانقلاب على اتفاق الطائف.

المحور الإيراني أرسل رسالة للسعودية، بأن اليمن يمكن أن يعود للحاضنة الخليجية، ولكن لابد من أن يكون وكلاء إيران الحوثيين لهم مكانة وموقع على غرار حزب الله في لبنان، وهو ما ترفضه السعودية تماما، خصوصا بعدما تقدمت المقاومة، وبدأت تضرب وكر عبد الملك الحوثي في صعدة، ورفعت الحكومة اليمنية سقف مطالبها، وبدأت تطالب بتفكيك المليشيات الحوثية، ومليشيات علي عبد الله صالح، وتسليم كل ما في حوزتهم من أسلحة ثقيلة وصواريخ وطائرات، ويعودوا مجردين من أي أسلحة وحتى من أي مكتسبات مدنية تفوق مكتسبات بقية الكيانات السياسية الأخرى.

عاصفة الحزم في اليمن شجعت العراقيين على التظاهر ضد الفساد في الجنوب والوسط بدعم المرجعية الدينية، التي طالبت العبادي بتطهير الحكومة من الفاسدين، وحملت الحكومات السابقة مسؤولية الفساد، دون أن تذكر أسماء، وطالبت بإصلاح القضاء الذي شرع للفاسدين.

متظاهرو العراق يريدون دولة مدنية، ويفرقون بين مرجعية النجف والأحزاب الدينية التي تمسك بالسلطة في العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم، تتسم مظاهرات العراقيين بأنها من الشيعة والسنة في بغداد، وفي بقية المحافظات وسط وجنوب العراق، لذلك يواجه العبادي ضغوطا لتجميد العمل بالدستور وإعلان الطوارئ، والتخلي عن حزبه، وتشكيل حكومة مهنية على أساس الولاء للوطن وليس للحزب أو لإيران.

إن العراقيين والعراق على أعتاب مرحلة سياسية جديدة وحساسة، يعيدون فيها إنتاج دولتهم ونظامهم السياسي، ولكن بشروطهم وخصائصهم الوطنية، من دون وصاية المليشيات والأحزاب الدينية التابعة لإيران، لكن يشكك كثير من المراقبين أن ينجح العراقيون في استعادة القرار العراقي، خصوصا بعد الزلزال الذي حدث في البيت الشيعي، بعد لقاء عاصف بين العبادي وقاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، لدى مشاركته في اجتماع الهيئة السياسية للتحالف الوطني الشيعي الحاكم برئاسة إبراهيم الجعفري ومشاركة نوري المالكي وزعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، وزعيم منظمة بدر هادي العامري، وممثل عن الزعيم الصدري مقتدى الصدر، وكانت المهمة الإيرانية عدم محاكمة نوري المالكي، أو فتح أي ملف ضده يمكن أن يؤدي إلى شخص بقدر ما يؤدي إلى محاكمة النموذج، ولكن فوجئ قاسم سليماني بمعارضة شديدة من العبادي فخرج غاضبا من الاجتماع.

إيران منزعجة من أن المظاهرات خرجت ضد رموزها، وزيارة قاسم سليماني فشلت هذه المرة وبالطبع فإن إيران لن تيأس وستواصل مشروعها التدميري في العراق وفي المنطقة، ونحن أمام قضية معقدة، والمسألة ليست قضية إصلاحات، بقدر ما هي صراع بين النجف وقم، ومحاولة السيستاني تعريب مرجعية النجف وهو ما يزعج الملالي في إيران، وسبق في الثمانينات أن نوقش نقل رفات الإمام علي رضي الله عنه إلى قم، أي أن إيران تريد أن تكون مرجعية النجف تابعة لقم وليس العكس.

إنها مظاهرة الجياع، وترسخت لدى المرجعية أن الفساد متجذر لدى الطبقة الحاكمة الفاسدة، هذه الانتفاضة، ردة فعل بريئة، أشعرت الطبقة السياسية والطائفية، وهي مختلفة عن انتفاضات الأنبار، لأنها لم ترفع شعارا طائفيا أو تشارك فيها الطبقات السياسية كما كانت في مظاهرة الأنبار.

لذلك انتهكت عصائب أهل الحق المقربة من إيران، ومن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتعتبر من أهم فصائل الحشد الشعبي، على مداهمة صحيفة الشرق الأوسط، وقيامها بقوة السلاح، وغيرت عنوان الصفحة الأولى من عنوان (مظاهرات العراق تستبق دخول طهران على خطها بتمزيق صور خامنئي) وغيرت حتى الصورة بصورة أخرى، ما جعلها تتوقف عن صدور طبعتها في العراق.

يعتبر السيستاني، أن فساد الطبقة السياسية، وخصوصا المالكي، وممارسة سياسة الإقصاء المذهبي والإثني خلال فترة حكمه، التي من تداعياتها أنها مكنت تنظيما، مثل داعش من السيطرة على ثلث مساحة العراق.

يريد السيستاني، إعادة الاعتبار لسلطات الدولة الشرعية والقضائية، وإعادة بناء المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، بعيدا عن المحاصصة والطائفية، وحل المليشيات التابعة للأحزاب السياسية، وعودة العلاقة مع جوار العراق العربي وخصوصا دول الخليج وبشكل خاص السعودية والإقليمي.

المرجعية الشيعية في النجف، حملت أحزاب الإسلام السياسي الشيعي الفاسدة جزءا كبيرا مما آلت إليه الأمور في السنوات الأخيرة، واعتبرت أنهم لم يراعوا المصالح العامة للشعب العراقي ، بل اهتموا بمصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية والعرقية.

فرضت الطبقة الشيعية الحاكمة على الأكراد أن يهتموا هم أيضا بالمحاصصة الطائفية، لما يحققه لهم من مكاسب سياسية واقتصادية، واستثمار ضعف حكومة المركز، وانشغالها بمصالحها الذاتية، كما أن تهميش السنة في الوسط في عهد المالكي، واتهامهم بالإرهاب، وإقصاءهم من أي عملية سياسية، أو أمنية، وتجريدهم من أي قوة يدافعون بها من داعش، نتيجة تحويل المصالح الفئوية والتبعية للخارج إلى أغلبية مذهبية، قمعت التنوع داخل العراق، ورفضت الاعتراف بالتعدد والشراكة في إدارة البلاد تعويضا عن الفترة التي حكم فيها صدام حسين.

العراق منشغل اليوم بتحرير القرار العراقي من الوصاية الإيرانية منذ عام 2003، خصوصا وأن إيران لديها وكلاء في العراق، والتحرر من الإملاءات الإيرانية، وإعادة بناء الشخصية العراقية التاريخية، وعودة العراق كدولة لها مكانتها الإقليمية.

ستفشل إيران من اتخاذ بيروت ورقة للضغط على السعودية، من أجل إعادة النظر في إبعاد النفوذ الإيراني عن اليمن والعراق، فلجأت الحكومة اللبنانية إلى تحصين نفسها أمنيا وسياسيا، إذ تم تعزيز السراي الحكومي بالكتل الكونكريتية، تحسبا لأي تهديد من أي حراك شعبي يقوده حزب الله.

إيران تخشى من الحراك الشعبي في بيروت، كما تخشاه في العراق، بسبب أنه يضم كافة الطوائف، لأنهم لا يريدون تلاقي اللبنانيين والعراقيين، هم يخافون من معركة مطلبية ناجحة، وصولا إلى هدف أساسي تغيير قاعدة الانتخابات حتى تظل اللعبة السياسية بيدهم.

الطبقة السياسية لديها أوراق كثيرة لمحت بعضها إلى الورقة الطائفية والعصب الطائفي، أو شارع مقابل شارع، هناك من يريد محاصصة كل شيء للبيع والشراء، والأزمة الحقيقية هي خلاف على اقتسام الحصص، خوفا من أن يكون الحل على حساب طرف دون طرف.

الحكومة أمام اختبار جدي لفعاليتها في محاولة لتخطي تعطيل مستمر لعمل الحكومة إذ منذ أكثر من شهرين لعملها من قبل وزراء رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشيل عون، بدعم من حليفه حزب الله ويرفضون قرار الأغلبية الذي اتخذته الحكومة ويطالبون بالتوافق.

هناك يقظة شبابية بأن الدولة والحكومة لا تبسط سلطتها، ولا تملك حق قرار الحرب والسلم، بل يمتلكه وتتنازعه أحزاب وتنظيمات، ويريدون تجاوز العقبات السياسية والحزبية والطائفية، التي تشل عمل الحكومة، وتستمر طالما حزب الله يدين بالولاء لإيران، وليس لدولته.

لذلك تشعر إيران أن تلك المظاهرات استقوت بعاصفة الحزم التي قادتها السعودية عسكريا في اليمن، وهم يقودون عاصفة حزم سلمية في العراق وفي لبنان ضد المشاريع السياسية الطائفية، التي تتنازع البلدين يمكن أن تقلص من النفوذ الإيراني، وتهدد بتفكيك مليشيات حزب الله مستقبلا، على غرار تفكيك مليشيات الحوثيين في اليمن، أي أن المنطقة العربية بدأت تدخل مرحلة جديدة لصالح الدولة الوطنية المدنية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق