هل تموت داعش وأخواتها بعد الاتفاق النووي مع طهران

ما هي إلا أيام القلية ويسدل الستار على المفاوضات التي بدأت من إحدى العواصم العربية، وسوف تنتهي في إحدى العواصم الغربية إما بالفشل أو التوقيع على الاتفاق النووي المزمع توقيعه بين الغرب وإيران، كما إن هذا الاتفاق في كلا الحالتين يعتبر في المفهوم الإيراني العقائدي الحالي انتصار وإن كان مذلاً.

وفي هذا الإطار (الملف النووي الإيراني) كُتِبت الكثير من الدراسات والبحوث المعمقة لمناقشة حيثيات هذا الملف المثير للجدل وأبعاده المختلفة، ومنها العسكرية التي تصب كافة هذه الدراسات والبحوث على أن البرنامج النووي الإيراني عسكري، وقد تكون مضت إيران في صنع القنبلة النووية، لكنها متمكنة كشقيقتها إسرائيل في التقية!!

وإذا افترضنا، أن إيران قد توصلت مع الغرب إلى اتفاق شامل يضمن حقوقها النووية كما تدعي، فهل تستطيع طهران أن تتخلص من هذه المليشيات السنية قبل الشيعية والتي أوجدتها لهذا الغرض؟ ولكثرة هذه مليشيات قد يطول علينا الوقت إذ أردنا عدها، بحيث لكل من هذه المليشيات وقتها وزمانها في الظهور والغيبة على الطريقة الإيرانية. فلا يختلف اثنان على أن داعش هي صناعة إيرانية –سورية جاءت لإجهاض الثورة السورية لتنتقل مؤخراً للعراق في نفس الغرض. والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه الظروف السوداوية التي تمر بها مجتمعاتنا العربية، وبعد ما قويت شوكة “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، هل لطهران ودمشق القدرة على التحكم في مفاصل هذه التنظيم المتوحش!!؟ كما تفيد المعلومات الميدانية من محافظة الرقة في سورية على ما يبدو أن ملامح الصراع هناك يتسع ليشمل المكونات المشكلة لداعش، سواء لناحية سوريين/عراقيين، أو لناحية مهاجرين/أنصار، حيث بدأت بوادر تلك الخلافات تظهر وإن كانت بعد في بدايتها، وهو ما شهدته مدينة الرقة السورية، التمركز الأكبر لتنظيم داعش، حيث خرجت مجموعة جديدة منها رافضة بيعة البغدادي ومتوجهة إلى بيعة شخصيات “جهادية” أخرى، أو لناحية ذهاب تنظيم جبهة النصرة إلى إعلان إمارة مستقلة به عن دولة تنظيم داعش.

وللجواب على هذا السؤال، وباختصار، علينا أن نتعرف على العلاقة البينية بين طهران ودمشق من جهة وتنظيم دولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) من جهة ثانية. فلا شك أن العلاقة بين الطرفين متباينة جداً وكأنهما خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً، لكن الظروف الموضوعية بعد سقوط بغداد فرضت عليهما أن ينجمعان في العراق المحتل حيث العدو المشترك (الولايات المتحدة الأمريكية) هناك. فإيران قدمت للقاعدة وقادتها خدمات جمة من أهمها، لجوء القادة الفارين من أفغانستان ومناطق النزاع الأخرى التي تنشط القاعدة هناك واسكانهم في منتجعات الحرس الثوري التابعة لفيلق القدس في شرق طهران، ولا سيما الإمداد اللوجستي، والذي أقره وأكده في رسالته الصوتية الناطق الرسمي لداعش (الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام) أبو محمد العدناني يوم 11مايو/أيار 2014، قوله: “للقاعدة ديناً ثميناً في عنق إيران، كما أن (داعش) لم تضرب في إيران تلبية لطلب (القاعدة).. للحفاظ على مصالح القاعدة وخطوط إمدادها”،ومن هنا يستكشف المرء عن استثمار الطرفين لبعضهما بعض في عدة قضايا ملحة كان على الطرف الثاني أن يمد يد العون للطرف الأخر، لكن كانت إيران المستفيد الأول من هذه العلاقة المصلحية لتثبيت نفسها كقوة إقليمية من الممكن الاعتماد عليها في بسط الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ومن هنا جاء العرض الإيراني على لسان الرئيس حسن روحاني عندما استولت فلول من تنظيم داعش على بعض الأراضي العراقية، بحيث أعلن الرئيس روحاني استعداد بلاده للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد داعش، لكن، وفي نفس الوقت ربطت طهران هذه المساعدة الإيرانية للولايات المتحدة ضد داعش في سير المفاوضات النووية الجارية ونجاحها لصالح طهران!!

إن الدولة الإسلامية في العراق والشام أصبحت حقيقة عندما أعلن الخليفة عن نفسه ولا يمكن غض النظر عنها، وخاصة بالنسبة لطهران حيث الاختلاف الإيديولوجي الكبير بين داعش وطهران، فالأولى ترى أن الشيعة روافض وكفرة، والأخيرة ترى في دواعش العراق والشام أنهم جملة من النواصب الإرهابيين والقتلة، ومن هنا يتجلى الصدام المحتمل في حال أرادت طهران أن تقدم العون للغرب على غرار ما قدمته في أفغانستان والعراق.

وفي سياق متصل يرى الكثير من المحللين أن العلاقة بين طهران والمليشيات المسلحة على كافة مشاربها منذ سقوط بغداد باعتبارها علاقة توظيفية، بحيث استطاعت إيران أن توظف هذه المجموعات المتنوعة في الإيديولوجية لصالحها في الكثير من المناسبات، لكن يبدو أن هذه المرة قد تفشل سياسات طهران وسفير حربها قائد فيلق القدس قاسم سليماني في ربط سياسات بلاده في محاربة الدولة الإسلامية في العراق والشام مع المفاوضات النووية الجارية في فيينا والتي تشير المعلومات عن فشل محتمل بسبب التعنت الإيراني في عدة قضايا وخاصة الجوهرية منها، مما تعذر حضور وزراء خارجية روسيا والصين الداعمين الرئيسين لملف إيران النووي، وربما قد تنجح إيران في تمرير مشروعها النووي العسكري المثير للجدل، لكنها لن تسلم من الدواعش في قادم الأيام، وقد تموت داعش وأخواتها بعد الاتفاق النووي، أو تستمر حين يتم تثبيت الاتفاق النووي بين طهران والغرب!!

جمال عبيدي 

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق