هل تقع داعش ضمن استراتيجية الولايات المتحدة لترتيب أوراق المنطقة لمواصلة استراتيجية ما بعد الحرب الباردة؟

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989 التي أعلنت نهاية الحرب الباردة وبداية مرحلة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة، ومنذ ذلك الوقت والولايات المتحدة تحاول تعزيز هيمنها على العالم بكافة الإستراتيجيات التي أعدتها.

نتيجة هواجس عودة الحرب الباردة مرة أخرى سواء مع روسيا أو مع الصين أو مع أي تكتل جديد يمكن أن يتشكل في وجه الولايات المتحدة تجاه عالم متعدد الأقطاب يحل مقام القوة العظمى الوحيدة للولايات المتحدة.

لم تجد الولايات المتحدة الوسيلة الوحيدة في عدم تحقق عالم متعدد الأقطاب سوى إرباك خريطة الشرق الأوسط وجعلها منطقة صراع عالمي وإقليمي تقود إلى تفكيك اتفاقية سايكس بيكو التي تعتبرها مرحلة من مراحل الاستعمار وأنها غير معنية بالحفاظ على مثل تلك الإتفاقية.

منذ نهاية الحرب الباردة أعلن بوش الأب عن قيام نظام عالمي جديد بقيادة الولايات المتحدة، وبدأت مرحلة إنهاء بقايا هيمنة روسيا زمن الحرب الباردة، فوقفت الولايات المتحدة أمام طموحات صربيا الكبرى الموالية لروسيا، والتي كانت تصر على الفيدرالية، بينما كانت تصر كرواتيا وسلوفينيا على الكونفيدرالية.

 بدأ الصراع بين الكروات والصرب عام 1991 حتى أعلنتا استقلالهما واعترفت الدول الأوربية باستقلالهما، لكن بدا موقف البوسنة حرجا وبدأ الصراع حتى عام 1998 وتدخلت قوات الناتو بقصف يوغسلافيا، وأصبحت كوسوفو تحت إشراف الأمم المتحدة حتى استقل الجبل الأسود عام 2006 وكوسوفو عام 2008 ولم يرضى الصرب باستقلال البوسنة والهرسك عام 1992 واستمرت الحر ب حتى 1995.

انتقل الصراع بين الغرب وروسيا في منطقة القرم في مواجهة روسيا التي دعمت أوسيتا الجنوبية بأن تستقل عن جورجيا التي تدور في فلك الغرب عام 1991، وعانت عددا من الحروب في عام 1992و 2004 و2008.

 بعد الثورة الأوكرانية عام 2014 والإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش التابع لروسيا احتلت روسيا جزيرة القرم التي كانت تتبع لها في القرن الثامن عشر ودعمت الأوكرانيين الانفصاليين، ودافعت أوربا عن مصالحها ورفضت أن تستمر الولايات المتحدة في عسكرة الحديقة المجاورة لها مع روسيا، واتجه هولاند وميركل إلى المنطقة يدافعان عن خيار الفرصة الأخيرة في أوكرانيا.

بينما في الشرق الأوسط مع نهاية الحرب الباردة أوقفت الولايات المتحدة الحرب العراقية الإيرانية، وأعطت صدام حسين إشارات غير مباشرة باحتلال الكويت كانت بداية مرحلة جديدة عندما تدخل المجتمع الدولي بإخراج صدام حسين من الكويت، وبدأت أزمة بين حكومات المنطقة وبين رجال الدين بسبب الاستعانة بالأجنبي وبدأت الجماعات التكفيرية تضرب المنطقة.

بدأت مرحلة العقوبات ضد العراق لإضعافه، متزامنة مع بداية مرحلة جديدة من الصراع ما بين القاعدة التي استعانت بها الولايات المتحدة وأشرفت على نشأتها ودعمها وشاركت في إضعاف الاتحاد السوفيتي زمن الحرب الباردة.

حتى حدثت أحداث 11 سبتمبر 2001 دخلت المنطقة مرحلة أخرى جديدة باحتلال الولايات المتحدة أفغانستان والعراق بمساندة إيران بعد رفض تركيا والعرب المشاركة في تلك الحرب وتسليم العراق لإيران مكافأة على تقديم الدعم اللوجستي.

تم تسريح الجيش العراقي وبدأت المنطقة تنتقل من الطبقية والقبيلة السائدة قبل تلك الفترة إلى مرحلة جديدة من الصراع لم يكن قائما من قبل والانتقال إلى المذهبية والطائفية بعدما بدأ المد الإيراني في العراق وتعزيز وجوده خصوصا خلال فترتين لحكم المالكي التي استعدت سنة العراق ورفض المالكي تشكيل جيش عراقي وبدأ الفرز الطائفي لتحمي كل طائفة نفسها من بقية الطوائف الأخرى بعد أن كانت المناطق بزيجات مختلطة.

 أصبحت المنطقة فرصة سانحة لتشكيل داعش من بقايا الجيش العراقي وانضمام سوريين منزعجين من المجتمع الدولي الذي يرفض حل الأزمة في سوريا، أي أن داعش وجدت منطقة سنية واسعة ممتدة من سوريا إلى العراق حاضنة يقدر عدد سكانها 20 مليون هدفها وقف التمدد والنفوذ الإيراني بقيادة قاسم سليماني الذي يقود مليشيات بحجة محاربة داعش في العراق.

حتى الآن ترفض الولايات المتحدة دعم سنة العراق وتدعي أنه لا يمكن دعمهم خارج الحكومة المركزية التي لا تزال إيران تسيطر عليها، بينما أنشأت منهم جيش الصحوة الذين قاتلوا القاعدة لحماية الجنود الأمريكيين الذين كانوا مستهدفين من المليشيات الشيعية ومن القاعدة قبل أن تنسحب القوات الأمريكية من العراق دون أخذ إذن الحكومة المركزية.

حتى تحولت المنطقة من حكم الفرد إلى حكم الجماعة والمليشيات لمواجهة إيران في العراق وفي سوريا تجدها فرصة الولايات المتحدة لاستنزاف إيران في المنطقة حتى ترضخ وتوقع اتفاقية التخلي عن النووي الإيراني.

قادت الولايات المتحدة تحالفا دوليا لضرب داعش في العراق عبر ضربات جوية وفق إستراتيجية طويلة تحقق أجندة خاصة للولايات المتحدة لذلك لم تكن تلك الضربات الجوية حاسمة كما تقول الولايات المتحدة من أجل إضعاف داعش حتى تتمكن من القضاء عليه، ولكن كم من الزمن يحتاج القضاء على داعش بينما تتجه المنطقة إلى مزيد من التدمير والإنهاك ومزيد من القتل والتفكك.

بعدما بدأت الدول العربية تنتقد إستراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة داعش خصوصا في المناطق المأهولة في الموصل وفي تكريت والفلوجة وهي بحاجة إلى حرب مدن عندها استجابت الولايات المتحدة لحرب برية ستبدأ قريبا بقيادة قوات عراقية بينما القوات العراقية لم تتمكن خلال الفترة الماضية من مواجهة داعش بسبب ضعف القوات العراقية وخشية قوات الحشد الشعبي الشيعية من تشكيل قوات حرس وطني في المحافظات ولاءها للوطن وليس للطائفة.

الغريب أن أوباما يتجه نحو عسكرة أوكرانيا، بينما يعلن عن إستراتيجية أمنية جديدة لا تعتمد فقط القوة العسكرية في منطقة الشرق الوسط خلال السنتين الأخيرتين من حكمه رغم أنها وثيقة معدلة لقيادة العالم عكست تحركا حذرا تجاه التدخل الأجنبي.

الولايات المتحدة تستقبل وفدا ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين موسومة بالإرهاب ومطاردة من المصريين، وهي مراوغة من واشنطن، ومناورة حول علاقتها المشبوهة بالجماعات المتطرفة، رغم أنها تعلن وتجبر الآخرين على التحالف لمحاربة التطرف لكنها منزعجة من استعادة مصر استقرارها بدعم سعودي خليجي بسبب أن الولايات المتحدة لا تريد أن تستعيد مصر دورها القيادي العربي والعالمي، وليس لديها مانع في أن تقوم بدور متواضع.

عودة مصر كنواة قوة عربية قادمة بعد ثورات ضربت المنطقة العربية حتى تساهم مع دول الخليج في معالجة الأزمات في ليبيا وفي سوريا واليمن خصوصا بعد الزيارة التي قام بها بوتين لأول رئيس روسي منذ عشر سنوات من أجل تعاون عسكري وتعاون في حل القضايا الإقليمية ذلك يعارض إستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة خصوصا بعد دراسة للبنتاغون تدعي أن بوتين يعاني من التوحد.

استقبال الولايات المتحدة الوفد الإخواني هو ضمن إستراتيجيتها ما بعد الحرب الباردة والحيلولة دون إقامة مجتمع عالمي متعدد الأقطاب، وهي تصب في نفس الوقت في رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط مخالفة لعهد الاستعمار سايكس بيكو بحجة أنها لم تحتوي على تقرير المصير لعدد من القوميات بمن فيهم القومية الكردية وغيرها من قوميات وطوائف، أي تقسيم المنطقة من خلال الإرهاب إلى قوميات وطوائف بينما في نفس الوقت أوربا تتوحد وتتمدد حتى أصبحت وحدة واحدة تتكون من 28 دولة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق