هل تقبل دول التحالف بقيادة السعودية فرض حل خارج القرار الدولي 2216 في اليمن؟

هناك تسريبات من الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، بأن هناك مقترحا روسيا قد يخرج إلى العلن قريبا، وينص هذا المقترح في خطوطه العريضة على تشكيل حكومة وحدة وطنية ونشر مراقبين دوليين لمراقبة وقف إطلاق النار.

بالفعل شهدت الأيام الماضية ضغوطا على الحكومة اليمنية من أجل التنازل عن بعض قرارات تطبيق بنود القرار 2216 الذي ينص على انسحاب المتمردين من المدن، وخاصة صنعاء، وتسليم أسلحتهم الثقيلة.

تراهن عمان على نجاح وساطتها بين إيران والولايات المتحدة التي أثمرت عن اتفاق نووي ساعد طهران في إنهاء المفاوضات الطويلة، ولكن كان هذا الاتفاق في غير صالح دول الخليج، بل هز الوضع الاستراتيجي في المنطقة لصالح إيران، مما فرض على السعودية قيادة تحالف عربي إسلامي لوقف التمدد والنفوذ الإيراني في اليمن عبر أذرعها المتمثلة في الحوثيين المتحالفين مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي يطمح في عودة الرئاسة إلى ابنه محمد عبر الانتخابات، معتمدا على الولاءات التي يملكها في اليمن طيلة فترة حكمه الطويلة عبر 33 عاما، بحسب طبيعة المجتمع القبلي اليمني مكنه من تخزين الأسلحة الثقيلة وتشكيل جيش يمني من القبائل الموالية له.

لذلك فإن السعودية تدرك أن الأمم المتحدة هي فقط تدير الأزمات، لكنها غير قادرة على إدارة مفاوضات وإيجاد حلول، كما تدرك أن عمان غير قادرة هي الأخرى على إقناع السعودية على قبول وجود حزب الله جديد على حدودها يهدد أمنها، وهي بذلت واستنفرت كافة قدراتها العسكرية والمالية في هذه الحرب لإعادة الأمل إلى الشعب اليمني، وتأمين أمنها القومي، حتى تتمكن من دمج اليمن في دول مجلس التعاون الخليجي.

كما تدرك السعودية أن إيران لن تساهم في أي حل في الوقت الحاضر في اليمن، لأن السعودية تعتبر أن اليمن جزء من أمنها القومي ولن تقبل بأن تتدخل إيران في أي حل محتمل في اليمن، فيما روسيا هي الأخرى تحاول ربط الأزمة السورية بالأزمة اليمنية وهو ما لم تحصل عليه من قبل السعودية.

السعودية لا تعترض على أي مسار سياسي مهما كانت نواياه، ولكن السعودية تشترط بأن يصب أي حل باتجاه تطبيق القرار الأممي والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، خصوصا وأن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ اعترف بأن مفاوضات جنيف فشلت بسبب التعجل وعدم التمكن من الاستعداد لتلك المفاوضات، وحتى الآن لم يتمكن من إقناع الانقلابيين بالمفاوضات وفق القرار الأممي.

وفي الوقت نفسه نجد أن الحكومة اليمنية تلتئم في عدن، وهي رسالة تفيد بأن الخطة العسكرية تسير في اليمن كما هو معد لها منذ أن بدأت في مارس 2015، رغم وجود خلايا نائمة يحاول من خلالها الحوثيون أن يثبتوا بأن الوضع الأمني في عدن لا يزال هشا ولا يزال بيد الانقلابيين.

ويعتقد البعض أن محاصرة الحوثيين وعلي عبد الله صالح لتعز، فشل لقوات دول التحالف والمقاومة اليمنية الشرعية، لكن لماذا لا ينظر مثل هؤلاء إلى استمرار هذا الحصار بأنه خطة عسكرية لم تفصح عنها دول التحالف لإيهام الانقلابيين بأنهم مسيطرون لتشتيت انتباههم عن الخطط الحقيقة التي تقودها دول التحالف، ويعتبرون بأن ما يجري من قبل دول التحالف خطة عسكرية، وهي لا تريد تحرير تعز في الوقت الحالي ولا الحديدة بسبب أنها تستهدف تحرير العاصمة صنعاء، وأنها تريد تشتيت جهود الانقلابيين في أنحاء متفرقة من اليمن وفي نفس الوقت استنزاف قدراتهم، ولا يعقل أن تكون دول التحالف بقدراتها الكبيرة المتفوقة غير قادرة على تحرير تعز والحديدة، لكن أعتقد أن الخطة العسكرية التي وضعتها دول التحالف تقتضي ذلك.

نجد أن القادة الحوثيين يتساقطون عبر الضربات الجوية لدول التحالف التي تميزت بدقة عالية ومتناهية، أرهقت وفككت قدرات الحوثيين رغم وجود مستشارين من الإيرانيين ومن حزب الله الذين يقدمون لهم الاستشارات، رغم ذلك فهم يواجهون انهيارا كبيرا في صفوفهم، كما نجد أن الجيش اليمني الموالي للشرعية والمدعوم من المقاومة وقوات التحالف مستمر في التوغل أكثر من 30 كيلو مترا داخل صنعاء.

كما نجد أن الحوثيين بدأوا يستسلمون ويلتحقون بالجيش اليمني في تطور يؤكد قرب الانتهاء من عملية استعادة العاصمة صنعاء وجميع مؤسسات الدولة من الانقلابيين، وأكد المتحدث باسم مقاومة صنعاء عبد الله الشندقي أن تحرير صنعاء لن يكون مقتصرا على جبهة واحدة بل من الجبهات الشمالية والجنوبية والغربية، بالإضافة إلى الشرقية المتمثلة بجبهات خولان والجوف التي تجري فيها العمليات حاليا، خصوصا بعدما سيطر الجيش الوطني مؤخرا على جبال آل عامر ووتران ومواقع في فرضة نهم مدعومة بقصف جوي كثيف لطيران التحالف في وسط العاصمة صنعاء التي تميزت بالدقة العالية لتهيئة خطة تطهير العاصمة.

السعودية تترك الساحة لتسويق العديد من المبادرات، وهي لا تلقي لها بالا، حتى لتصريحات كيري التي تضمنت الحديث عن توصل إلى اتفاق حول الأزمة اليمنية، التي  ما هي إلا تسويق لمواقف كيري بأن الموقف الأمريكي موقف محايد من أجل أن تتكسب أمريكا من تلك التصريحات، وهي لا تعكس حقيقة الموقف الأمريكي الذي أصبح يتبع السياسات الروسية في المنطقة، من أجل مقايضات جيوسياسية في أوكرانيا، أي إرضاء روسيا بالحصول على موطئ قدم في سوريا، ولكنه سيكون محدود جدا فقط من أجل حل الأزمة السورية، بسبب أن روسيا هي الوحيدة القادرة على تحييد الموقف الإيراني في المنطقة، وفي نفس الوقت لن تتخلى روسيا عن مصالحها مع العرب وخصوصا دول الخليج، وفي نفس الوقت هي تحاول الحفاظ على مصالح إيران في المنطقة، وهي معادلة تصطدم بمصالح دول الخليج مع مصالح روسيا.

يمكن أن أختم مقالي بأن التحركات الروسية الأمريكية في اليمن غير جادة في إيجاد حل حقيقي للأزمة اليمنية، بل هي تحاول توظيف الملف اليمني في ملفات أخرى، وحتى الأمم المتحدة غير قادرة على تقديم حلول جادة في اليمن، وسيكون الحسم لدول التحالف بقيادة السعودية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق