هل تسمح السعودية بأن يسلم اليمن جائزة لإيران؟

يعتبر البعض أن الولايات المتحدة أعطت جمال بنعمر الضوء الأخضر لتمكين الحوثيين، حتى أصبح البعض يسمونه بالمدلس الأممي، ويعتبرونه جزء من المشكلة، وهو الذي مكن الحوثيين من اجتياح صنعاء، وتوقيع اتفاقية السلم والشراكة لتسليم اليمن كجائزة لإيران مقايضة للملف النووي.

هناك آخرون يرون أن السعودية تباطأت بل وتنكرت لليمن نتيجة تخبط يعتقدون أن السعودية تريد أن تترك الأطراف اليمنية تدخل في مرحلة حرب استنزاف بين علي عبد الله صالح والحوثيين وحزب الإصلاح اليمني والقاعدة والتي أثبتت فشلها في سوريا ويعتبرونها إستراتيجية متخبطة.

بينما يرى البعض الآخر بأن السعودية ركنت إلى الأمم المتحدة وإلى جمال بنعمر على أساس وجود لغة مشتركة ولكن من الصعب وجود لغة مشتركة مع إيران.

سقوط مفاجئ لكثير من الاختصاصيين من أن ما يحدث في اليمن في غفلة عن الجميع ولماذا كانوا غافلين في ظل السيطرة الكاملة من قبلهم على  سلاح الطيران ولم يتمكنوا من دخول المدن بل مروا على الضالع ولم يدخلوا المدينة ووقعوا اتفاقية مع مأرب حتى وصلوا إلى قاعدة العند أكبر قاعدة في اليمن كان بالإمكان تحييد الطيران بضرب أراضي مطاري صنعاء وصعدة، تساؤلات يطرحها العديد من المحللين.

البعض يرى أن شعبية علي عبد الله صالح لم تسقط رغم إجبار دول الخليج على تنازله لأنه قضى على الجيش الجنوبي إبان حكمه في عامي 1979 و 1986 وحل محله جيش قبلي، فمثلا الحرس الجمهوري يتكون 85 في المائة منه من إقليم آزال فرضه على اليمن، وهو جيش يمكن أن يفجر حروب طائفية ومذهبية وقبلية يهدد اللحمة الوطنية.

لكن في الحقيقة سعت السعودية إلى رعاية مبادرة إقليمية ورعت انتخاب رئيس شرعي انتخبه ثمانية ملايين مواطن وحوار وطني توصل إلى تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم فيدرالية، كل الخيارات التي قدمتها السعودية واجهها الحوثيون بالمراوغة والكذب في سبيل الانتشار على الأرض وهو انتشار غير أصيل لا يتمكن من الحفاظ بالأرض والتشبث بها ولن يسمح له بأن يعيد نفسه أو الاستعانة بقوات أجنبية.

أفشل تلك العملية التي رعتها السعودية ضعف البنية الفكرية للسياسيين نتيجة الولاءات الضيقة مع تباطؤ سرعة المعالجة حتى تمكن الرئيس علي عبد الله صالح في جر السعودية إلى التماس طائفي واستثمر الحوثيين في المدعومين إيرانيا العدو الأول للسعودية، وهي لعبة يتقنها الرئيس علي عبد الله صالح في تعامله مع السعودية أثناء فترة حكمه الذين يحنون للعودة إلى الحكم الذي استمر فيه الإماميون أكثر من ألف عام وفق مبدأ الغلبة.

تسارعت الأحداث في اليمن وسبقت ردة الفعل وتحول اليمن إلى الاحتراب بالوكالة حتى أصبحت الحركة الوطنية جثة هامدة بسبب انقسامها الطائفي وفي الرؤى السياسية.

يعتقد البعض أن هناك ترتيبات إقليمية خصوصا في ظل المفاوضات الإيرانية الغربية حول النووي الإيراني وهي الجزرة الأخيرة المقدمة لإيران وتم بيع عدن لإيران، بينما في مجلس الأمن هناك حسابات دولية، وتركيبة مجلس الأمن لا تسمح بصدور أي قرار بتدخل عسكري في اليمن خصوصا بعد القرار 1973 بخصوص روسيا التي تشعر روسيا بأن الغرب احتال عليها.

التحرك الخليجي في مجلس الأمن لا يهدف لإصدار قرار بتدخل عسكري بينما يريد قرارا بحظر الأسلحة على المجموعة غير الشرعية، وتدرك السعودية أن المادة 51 من من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يسمح بتدخل الدول للدفاع عن النفس خصوصا وأن القرارات الدولية لم تردع اليد الطولى لإيران الممثلة في الحرس الثوري في اليمن لأنها منقسمة بسبب الملف النووي الإيراني.

لأن إيران منيت بهزائم في إدلب ودرعا حتى استخدم النظام السوري مرة أخرى الكيماوي في إدلب، وخشية إيران من فقدان العراق وعودته إلى الحاضنة العربية، لذلك تحرص إيران على التواجد في اليمن وتوجيه صواريخ بالستية نحو السعودية كوبا 2.

السعودية ترى أن منظومة الأمن في اليمن منظومة خليجية، ولا يختلف عن الأمن الخليجي، مثلما تحرك درع الجزيرة لحماية البحرين من إيران.

 كذلك ترى السعودية أن شراء ولاء القبائل لم يعد يفيد كما كان سابقا خصوصا بعدما تمدد الحوثي وبدأ يهدد امن دول الخليج، وهي ستتحرك بعيدا عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة بموقف حاسم كما حدث في البحرين.

 في الأسبوع الماضي عند زيارة كيري للرياض سأله أحد الدبلوماسيين السعوديين هل استأذنت إيران عندما غزت العراق ولبنان وسوريا والآن اليمن أي أن السعودية لن تستأذن لا الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة في اتخاذ قراراها بل هي تستند إلى قرار أممي في البند السابع المتمثل في طلب الرئيس هادي الشرعي بتدخل دول الخليج عسكريا.

البعض يتساءل كيف تتدخل السعودية هل تنتظر قرارا من الدول العربية التي هي لا زالت خلافات عربية-عربية قائمة ولكن ستخرج بتوافق بين دول الخليج ومصر والأردن على أقل تقدير حتى قرار التدخل الخليجي كان من دون موافقة دولة عمان.

السعودية ومع بقية دول الخليج عدا دولة عمان اتخذت قرارها مستبقة اجتماع الجامعة العربية ضمن ائتلاف عشرة دول عربية بالاستجابة للرئيس هادي بالتدخل عسكريا وبالفعل ترجمت السعودية قرارها مباشرة بضرب القوات الجوية السعودية لقوات حوثية داخل اليمن.

السعودية تمتلك 1800 كيلو مترا مع اليمن، بينما تمتلك إيران 1500 كيلو مترا مع العراق تمكنت من غزوه بالتحالف مع حلفائها القتلة والمفسدين الذين يريدون أن يحموا أنفسهم من المجتمع العراقي بالمليشيات، بينما بقية العراقيين شيعة وسنة تضجروا من تصريح خمسة مسؤولين كبار من الإيرانيين باعتبار أن بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية.

تمتلك السعودية 330 طائرة متقدمة وهي قادرة على ضرب أي بارجة تتوقف عند ميناء عدن لمساندة العصابة التي انقلبت على المجتمع اليمني، وقادرة على ضرب أي طائرة يحلق بها جيش الرئيس علي عبد الله صالح، لأن الحوثيين لا يتقنون استخدام الأسلحة المتقدمة فقط استخدمهم الرئيس علي عبد الله صالح قفاز حديدي حتى لا يظهر الرئيس بأنه هو من يقاتل بل تحت غطاء الحوثيين.

هم عصابة تمثل رأس السهم لقوة أجنبية للتدخل في اليمن، وبين صعدة في الجبال وعدن فروقات كبيرة ، وإن كانت هناك تقارير تفيد بأن قاسم سليماني يتواجد في صنعاء قادما من بغداد يخطط للقضاء على رأس الأفعى وهي عدن، والقضاء على الشرعية اليمنية المدعومة خليجيا ودوليا.

لن تعول السعودية على مجلس الدفاع العربي المشترك الذي تأسس عام 1950 بتوقيع تسع دول عربية من بين تلك الدول اليمن، لكن يعطي السعودية شرعية في التدخل من خلال درع الجزيرة.

 سبق أن تدخلت تنزانيا في أوغندا والسعودية في البحرين، حتى توجد قوى متوازنة على الأرض بين الطرفين يجبرهم في الجلوس إلى طاولة الحوار وكي لا تسمح بثمن مشروع إقليمي كبير إيراني في اليمن.

تعتبر السعودية سقوط عدن خط أحمر، ولن تسمح بسقوطها مهما كان الثمن حتى ولو تردد المجتمع الدولي، لذلك هي ستقوي دفاعات عدن ودفاعات المحافظات الشمالية التي ترفض وجود مثل تلك العصابات.

 بالمعنى السياسي هناك انقلاب حوثي على الجميع، وفرض مشروع يحمل أجندة إيرانية، وستلعب السعودية أيضا على إيجاد شرخ في التحالف بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح، ليس فقط بالدعم العسكري وليس بالحشود بعيدا عن التعويل على الولايات المتحدة وعلى المجتمع الدولي رغم ذلك نسقت السعودية مواقفها مع الولايات المتحدة المعلوماتية والأمنية والعسكرية تثبت مرة أخرى أنها دولة هي التي تملك قرار الحسم يمكن تجعل كل من انتقدها سيحترم مواقفها الحاسمة في الزمن والظرف الصعب وتدافع عن حلفائها وعن أمنها.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ من جامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق