هل تدخل المنطقة خضم تحولات إقليمية كبرى بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني؟

هل تدخل المنطقة خضم تحولات إقليمية كبرى بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني؟

هناك من يعتقد أن عاصفة الحزم التي قادتها السعودية في اليمن ضغطت على إيران في التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول الست، رغم أن البعض يشكك في فاعلية التوقيع على تلك الاتفاقية، بسبب أنه سبق لإيران أن وقعت على مدى الاثني عشر عاما الماضية على مثل تلك الوثائق في ثلاث مناسبات، ولم تكن تلتزم بها في كل مرة.

لكن البعض يرى أن التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول الست هذه المرة يختلف عن بقية المرات السابقة، بعد أن أصبحت إيران تحت وصاية الدول الكبرى، والقرار الذي صدر من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفق الفصل السابع يضفي قدرا من الشرعية على الخطة التي لا يزال النص سريا حتى الآن، وهو ما يقلق دول الخليج، قد يكون من أجل عدم إثارة الحرس الثوري الإيراني الذي يرفض الخضوع للدول الكبرى ويراه تسليما وخضوعا مثل الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي الذين يرون أن الاتفاق تنازل من الولايات المتحدة لصالح إيران.

ستتجه إيران بعد التوقيع على الاتفاقية إلى مخطط جيواستراتيجي، أعلن عنه خامنئي بعد توقيع الاتفاق قد يكون للاستهلاك الداخلي، ولمواجهة الانقسامات الداخلية، لكن دول الخليج تأخذ تلك التصريحات على محمل الجد وتضعها ضمن استراتيجياتها المستقبلية، خصوصا بعدما أفصح خامنئي عن مشروع بناء إمبراطورية لمواصلة تصدير الثورة، وذكر أن البحرين واليمن ضمن منطقة النفوذ، التي أثارت دول الخليج، وأدركت دول الخليج أن إيران مصممة على تنفيذ مشروعها الإمبراطوري حتى بعد توقيع الاتفاقية النووية.

تحاول إيران في خطتها الجديدة ضم تركيا إلى محور المقاومة بقيادة إيران وسحبها من المحور الخليجي خصوصا السعودية، ورغم العداء الظاهري بين إيران وإسرائيل واستخدام القضية الفلسطينية لتشكيل محور مقاومة بعد إشعار الدول العربية بأنها عاجزة وفشلت في إنقاذ الأقصى، إلا أن العديد من القادة الإسرائيليين يرون في إيران حليفا، ويشتركان في أجندة متقاربة بأن لا ترغب الدولتان في شرق أوسط يهيمن عليه الإسلام السني والقومية العربية.

إيران لديها قواعد بحرية في سوريا وفي لبنان التي يحرسها حليفان هما النظام  السوري وحزب الله، لذلك يضغط الحرس الثوري على تعزيز وجوده في العراق وسوريا، قبل وصول رئيس أمريكي جديد إلى الرئاسة الأمريكية، قد يغير من استراتيجية أوباما التي بموجبها وقع أوباما مع إيران الاتفاق النووي، مع دعم العمليات غير النظامية المتمثلة في وكلاء إيران في المنطقة، ومواصلة الدعم اللوجستي لبناء الإمبراطورية التي تسعى إليها إيران، مثلما صرح مساعد وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين عباس عراقجي بقوله “حين تدعو الضرورة لإرسال أسلحة إلى حلفائنا في المنطقة، فإننا سنفعل ولن نخجل من ذلك”.

القضية ليست من الرابح ومن الخاسر، بل منطقة الشرق الأوسط تدخل مرحلة خضم تحولات كبرى، ومهما كانت نقاط الاتفاق السري الست من أصل ثماني عشرة وثيقة بين إيران والولايات المتحدة، انعكس على العلاقات الخليجية الأمريكية التي أصبح يشوبها توترات، لكن لا ترقى تلك التوترات إلى القطيعة، لأن الطرفين بحاجة إلى بعضهما البعض.

كما لا ننسى أن السعودية استبقت توقيع الاتفاقية بتشكيل تحالفات منها عربية بين دول الخليج والأردن والمغرب من جانب، وتحالف عربي آخر مع مصر، وإقليمي وإسلامي مع تركيا وباكستان. ويبدو أن إيران تظل دولة معزولة عربيا وإقليميا وإسلاميا وحتى دوليا، خصوصا بعد صدور القرار الصادر من الأمم المتحدة حول اليمن 2216 وهو قرار ضد إيران، ما يعني أن السعودية تستند إلى شرعية دولية يمكن مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة العربية بهذا القرار.

إيران منبهرة بل وأصابتها هستيريا كيف أن السعودية تمكنت ونجحت في إحياء الإرادة العربية في اليمن، والتي يمكن أن تحييها في سوريا بالتعاون مع تركيا، وكما نلاحظ أن الأمم المتحدة غيرت من تعاطيها مع الأزمة اليمنية، ويتضح هذا من خلال اعتراف إسماعيل ولد الشيخ بأن الحل في اليمن لن يتم إلا من خلال الجامعة العربية، بعد أن فشلت جميع الحلول بعيدا عن المرجعية العربية، المتمثلة بالمبادرة الخليجية، وبمخرجات الحوار اليمني، إلى جانب الاستناد إلى القرار الأممي الذي انتزعته الدبلوماسية السعودية رقم 2216، والذي أعطا التحالف شرعية في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة العربية.

تظل الجامعة العربية مهما ضعف دورها، المظلة العربية لمعالجة الأزمات في المنطقة العربية، والتي بدأت في معالجة الأزمة في اليمن، رغم الآراء العربية المتعددة، من الدور العماني، إلى الدورين الجزائري والعراقي، ولكن تلك الدول يجب أن تدرك أهمية الإجماع العربي الذي تقوده السعودية لاستعادة القرار العربي الذي اندثر وتلاشى وضعف بعد الاضطرابات العربية.

السعودية والدول العربية لا تشكك في أهمية الدور الإقليمي لإيران، وعودتها إلى الساحة العالمية، وإذا كان هم المجتمع الدولي منع إيران من امتلاك القنبلة النووية، لكن السعودية لن تسمح لها بإرسال أسلحة إلى وكلائها في المنطقة العربية، مثلما طبقته دول التحالف بقيادة السعودية في اليمن، ما يعني أن الإرادة العربية التي عادت إلى المنطقة بقيادة السعودية، ترفض تثبيت النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وعلى إيران أن تعي المعطيات الجديدة التي استجدت خصوصا بعد عودة القرار العربي بقيادة السعودية، أو أن تواجه مرحلة جديدة من المواجهة، لأن العرب لا يمكن أن يقبلوا أو  يساوموا على اجتزاء مناطقهم حتى لا يجر إلى اجتزاء المنطقة الإيرانية بالمثل مما يدخل المنطقة في صراع مرير يعطل قدراتها وتنميتها.

أعتقد أن الداخل الإيراني منقسم على نفسه، ويدرك حقيقة المرحلة الجديدة المقبلة، خصوصا الرئيس السابق هاشمي رافسنجاني ومعه الرئيس حسن روحاني وأغلبية الوزراء الذين صفقوا لهذا الاتفاق واعتبروه شمسا مشرقة، خصوصا وأن هاشمي رافسنجاني يعتبر خامنئي سكرانا بالشعارات، ويعتبر أن الاتفاق نقطة انطلاق لحملته الرامية إلى السيطرة على المجلس الإسلامي، ومجلس الخبراء الذي سيختار المرشد الأعلى في الانتخابات العام المقبل، ولأول مرة منذ عقود ظل مقعد رافسنجاني خاليا لأنه رفض الانضمام إلى الحضور الذي يقدمه خامنئي إلى رموز النظام خلال فعاليات بثت على الهواء مباشرا ما يعني أن الفترة المقبلة تحمل في طياتها كافة الاحتمالات.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق