هل تخشى الولايات المتحدة من صعود الدور السعودي بعد عاصفة الحزم؟

بعد توصل الولايات المتحدة هي والدول الست مع إيران اتفاقية إطار حول النووي الإيراني، أجرى مع أوباما الصحفي فريدمان لقاء طالب أوباما العرب باستبدال الخوف من إيران، وأن يقفوا ضد جرائم بشار الأسد، ووجه كلامه لدول الخليج بشكل خاص بأن أكبر تحد لهم هو الداخل.

بالطبع كانت لغة أوباما في هذا اللقاء الصحفي بإرسال رسائل غامضة ومتناقضة، لكن بعد حديث الرئيس أوباما خرج نائب مستشار الأمن القومي بن رودس موجه كلامه إلى دول الخليج عكس حديث أوباما في اللقاء كان مليئا بالثناء والتطمينات، يناقض في بعضه ما قاله الرئيس لفريدمان وهي طبيعة الدبلوماسية الأمريكية وبشكل عام أي دبلوماسية، وفي مقابلة لكيري قال نحن نتابع بقلق إمدادات إيران عبر الطائرات إلى اليمن وقال نحن لا نريد مواجهة ولكن لن نقف مكتوفي الأيدي عندما تهدد إيران أمن واستقرار المنطقة.

قبل أن أبدأ في تفكيك مقابلة أوباما ومغزاه، انتقل إلى عاصفة الحزم التي صممت السعودية القيام بها وعلى قيادتها، بعدما استخدمت قوتها الناعمة في انتزاع موافقة عاصفة الحزم من الولايات المتحدة، من دون معرفة الولايات المتحدة بالعديد من التفاصيل الدقيقة.

قبل أن تبدأ السعودية بترتيبات عاصفة الحزم، درست الواقع الجيوستراتيجي المحيط بها بشكل دقيق، واعتبرت السعودية أن هناك عدة أعمدة في المنطقة جميعها مهمة من دون استثناء لأنها لا تريد تمحور واستقطاب، وهي مرحلة جديدة تقودها السعودية بعيدة عن المرحلة السابقة التي تلت ثورات الربيع العربي، هذه الأعمدة هي دول الخليج ومصر وتركيا والباكستان وبقية الدول العربية المهمة خصوصا المغرب والأردن ودولة السودان.

بدأت السعودية قبل عاصفة الحزم بترتيب البيت الخليجي، خصوصا وأن ورقة الإخوان قسمت دول الخليج، فدولة الإمارات دعمت مصر لمواجهة خطر الإخوان الذي امتد إلى دولتها، بينما اتخذت دولة قطر مع تركيا مواقف مناهضة لدولة مصر والإمارات بسبب استضافة قطر مقر الإخوان.

نحت السعودية سياسة إستراتيجية وسطية متوازنة بعيدة عن أي تمحور أو استقطاب ولن ترضى أن تكون هي أسيرة كذلك لهذه التمحورات صحيح أنها لن ترضي دول ولكن لن تغضبها حتى تحقق التوازن الجيوستراتيجي بين هذه الدول وتوحيد كلمتها.

 اعتبرت السعودية أن الإخوان ليسوا جميعهم في كفة واحدة، وأن هناك فقط مجموعة صغيرة وهي التي تبايع المرشد مثل الجماعة الشيعية التي تؤمن بولاية الفقيه، هؤلاء هم أعداء للوطنية، وإذا حملوا السلاح وانضموا للمليشيات فهم مقاتلون يجب قتالهم.

هذا التوازن الذي اتخذته السعودية، إستراتجية تعالت وتجاوزت مرحلة صعبة مرت بها المنطقة العربية والإقليمية، وتسببت في تقسيم المنطقة، دون أن تتخلى السعودية عن ثوابتها أو عن مواقفها الإستراتيجية تجاه مصر.

 أقنعت السعودية قطر ودولة الإمارات بتقريب مواقفهما تجاه قضية الإخوان من أجل التعامل مع بقية القوى الإقليمية في المنطقة وهي قوى مهمة، مكن السعودية من الإقدام على قيادة عاصفة الحزم، جعلت الدول تتنافس على الانضمام لهذا التحالف دون أن تطلب السعودية من تلك الدول أن تنضم، فأعلنت تركيا والباكستان ومصر الدفاع عن أمن السعودية وعن أمن دول الخليج، ولم تود الولايات المتحدة التخلف عن هذا الدفاع، بل سارعت إلى دعمه بتقديم الذخيرة والأسلحة المطلوبة لعاصفة الحزم، مع تأكيد أوباما بقوله سنقف بجانب أصدقائنا العرب عندما يصل الأمر إلى العدوان الخارجي.

استبقت عاصفة الحزم انعقاد القمة العربية في توقيت دقيق، حتى أنها استطاعت فرض عاصفة الحزم على القمة، وأفرغت القمة من محتواها، وتولت السعودية قيادة تحالف عربي إقليمي إسلامي، أي أنها تحررت من أن تكون أسيرة لمحاور أو تحالفات مستقبليا ليست هي من صاغتها أو إشرافها وأي تحالف يكون جزء من التحالف الذي قادته السعودية خصوصا تشكيل قوات عربية مشتركة التي دعت لها مصر في القمة وتمت الموافقة عليها، ولكن لا تزال هناك عدد من العقبات تعترضها، بينما فرضت السعودية عاصفة الحزم على القمة حتى لا يدور الجدل حولها بين العرب المنقسمين بين عدد من المحاور.

 أثبتت السعودية ومعها دول الخليج أنها القوة الوليدة القادمة، خصوصا وأن السعودية ثالث دولة في الموازنة العسكرية بعد الولايات المتحدة ب 581 مليار دولار، و الصين ب 130 مليار دولار، ثم تأتي السعودية ب81 مليار دولار.

 لذلك لن تسمح السعودية لأي دولة من ابتزازها أو ابتزاز دول الخليج الأخرى، بعدما نجحت في تنسيق مواقف دول الخليج تجاه أي قضية أو تجاه أي دعم يتم تقديمه، ولم يتبق لدول الخليج سوى إعلان اتحادها الذي يعزز من قدرته الجيوستراتيجية والجيوسياسية.

كما أن عاصفة الحزم استبقت أيضا توقيع اتفاقية الإطار حول النووي الإيراني مع الدول الست، بل وساهمت في انجاز تحقيق هذه الاتفاقية، بعدما فرضت واقعا إقليميا تمنع فيه إيران من التوسع الإقليمي، وفي نفس الوقت إرسال رسالة لإيران بأن مصير المليشيات التي تدعمها إيران في المنطقة إن حذت حذو الحوثي المدعوم إيرانيا فسيكون مصيرها مصير الحوثيين.

 ستتجه السعودية إلى تقوية الجيوش لمواجهة هذه المليشيات التي تشرف عليها إيران، مثل دعم الجيش اللبناني بأربعة ونصف مليار دولار يمنع احتكار حزب الله للقوة في لبنان تحت ذريعة محور المقاومة وكذلك دعم تشكيل جيش عراقي يمنع هيمنة المليشيات المدعومة إيرانيا على المشهد العراقي.

أعود إلى تفكيك محتوى مقابلة أوباما الذي يحتوي على عدد من الرسائل المبهمة والمتناقضة، قد تكون إحدى الرسائل تخوف الولايات المتحدة من زيادة الدور السعودي بعد تشكيله تحالفا ممتدا من أواسط آسيا من دولة أذربيجان وأفغانستان والباكستان وتركيا ومصر والمغرب والأردن ودول الخليج الشريك الأساسي في عاصفة الحزم عدا سلطنة عمان في الرسالة التي شدد فيها على أن التحديات الداخلية أكثر خطرا من إيران.

 بعدما ضمن أوباما وضع اسمه في سجل التاريخ، بأنه توصل إلى اتفاق نووي يساهم في استقرار المنطقة، كما فعل الرئيس نيكسون عندما انفتح على الصين، وتوصل بوش الأب مع الاتحاد السوفيتي على نهاية الحرب الباردة الذي أدى إلى تفكك الاتحاد السوفيتي.

من الطبيعي أن يثني أوباما في لقائه على إيران، لكن مشكلته في تبرير أفعال إيران، لكن كيري أوضح في لقاء له بأن الولايات المتحدة قلقة لما يحدث في اليمن وهي تراقب إمدادات قادمة من إيران إلى اليمن وأن الولايات المتحدة لا تريد مواجهة ولكنها ستقف مع الدول المهددة من إيران.

 لكن في نفس الوقت قد يحض أوباما العرب على الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي التخلص من بشار الأسد قد تكون رسالة مهمة جدا لترتيب أوراق المنطقة تجاه الاستقرار، وهذا لا يمكن أن ينتهي إلا إذا دخلت السعودية ومعها دول الخليج وتركيا في عاصفة حزم ثانية في سوريا، وهما دولتان ترفضان أن يبقى الأسد في أي مرحلة انتقالية، خصوصا بعدما تمكنت السعودية من إضعاف المحور الروسي المصري اللذان يدعمان الحل السياسي في سوريا وفي بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية.

كما تمكنت القوة الناعمة للسعودية في إقناع السفير السعودي المعلم في الأمم المتحدة روسيا بالتوصل إلى أرضية مشتركة لاتفاق سعودي روسي بشأن اليمن وللتصويت عليه في مجلس الأمن على الأقل توقف روسيا عن استخدام الفيتو، قبلها صرح النعيمي وزير النفط السعودي بإمكانية مساهمة السعودية في رفع أسعار النفط إذا شاركت الدول الأخرى من خارج الأوبك، وهي رسالة لروسيا بعدما كانت السعودية ترفض هذه المساهمة وتصر على ترك أسعار النفط للسوق.

لذلك نجد المنطقة تعج بالزيارات المكوكية المتلاحقة، فزيارة محمد بن نايف وزير الداخلية السعودي لتركيا قبل أن يتوجه أردوغان إلى طهران بعد أن دعم عاصفة الحزم وطالب طهران بوقف التمدد في المنطقة العربية، وزيارة وزير الدفاع المصري للباكستان، ولقائه رئيس الأركان العماني في طريقه بجانب لقاءت عديدة.

 هذا الحراك الدبلوماسي فرض على إيران أن تجدد طلبها للحوار مع الرياض حول اليمن بوساطة عمانية، رغم أن الرياض ترى أن اليمن شأن خليجي لا دخل لإيران في شأنه.

عاصفة الحزم التي تقودها السعودية بدأ معها مسار سياسي عربي وإقليمي وإسلامي بالتشكل يصعب رسم صورته النهائية حاليا أو التكهن بحجم هذه التحالفات التي يمكن أن ترسو عليها.

تمكنت السعودية من تشكيل فضاء سياسي يمتد من تخوم آسيا الوسطى أي يلامس الجغرافيا السياسية للمجال الحيوي الروسي باعتباره مجالا حيويا إسلاميا أيضا حتى المحيط الأطلسي في المغرب ومضيق باب المندب في الجنوب من أجل الوقوف بوجه سياسة التوسع الإيرانية ومحاصرتها، ووقف اختراقات موسكو في المنطقة العربية من أجل ملئ الفراغ بعد التراجع الأمريكي في المنطقة واختلاف أولويات أوباما.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق