هل تتحقق دعوة لافروف إلى نظام عالمي جديد لا يهمين عليه الغرب؟

حضر نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في أول ظهور علني له مؤتمر ميونخ حول الأمن في 18/2/2017 موضحا أن بلاده ستبذل كل الجهود الممكنة للحيلولة دون امتلاك إيران السلاح النووي، وطمأنة حلفاء واشنطن القلقين من تصريحات ترامب حول الحلف الأطلسي ومستقبل علاقات الولايات المتحدة وروسيا.

فيما دعا لافروف إلى نظام عالمي جديد لا يهيمن عليه الغرب بعدما أعلن عن نهاية النظام العالمي الليبرالي الذي صنعته بحسب قوله نخبة دول غربية تهدف الهيمنة وكأنه يحاول أن يوقع العداوة بين الولايات المتحدة ودول غرب أوربا خصوصا بريطانيا وفرنسا اللتان كان لهما دور في صناعة النظام الليبرالي بعد الحرب العالمية الأولى ولم يكن للولايات المتحدة دور فيه بل كان لها دور في صياغة زمن الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، ويريد لافروف نظام ما بعد الغرب وتسميته بنظام عالمي ديمقراطي وعادل، مع توجيه انتقادات حادة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث يعتبرها مؤسسة حرب في زمن الحرب الباردة سواء في الفكر أو في القلب معتبرا أن الناتو أشبه بحزب نخبوي من دول تحكم العالم وأن روسيا تريد إقامة علاقات عملية مع الولايات المتحدة تستند إلى الاحترام المتبادل.

رغم هذا التوتر الذي جاء بعد إعلان الولايات المتحدة مجدد عن متانة التحالف بين ضفتي الأطلسي التي تراجع عنها ترامب بعد توجيه انتقادات للناتو الذي قال إنه عفا عليه الزمن وأراد أن يقيم علاقات طبيعية مع روسيا على غرار أوباما الذي أقام علاقات طبيعية مع إيران، لكن كرر بنس بحزم المطالب الأمريكية بالتزام مالي أكبر من شركائها في حلف شمال الأطلسي، داعيا إلى تخصيص 2 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي لديها للنفقات العسكرية خصوصا من أكبر حليفين يقصد ألمانيا وفرنسا.

أعلن لافروف عن هدنة بين الانفصاليين الموالين لموسكو والجيش الأوكراني في شرق أوكرانيا بعد اتفاق بين أوكرانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا خلال قمة ميونخ.

وتأتي زيارة وزير الخارجية تيلرسون إلى آسيا معززة بزيادة تاريخية في نفقات وزارة الدفاع قيمتها 54 مليار دولار لتبلغ 600 مليار دولار 3.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أي ثلاثة أضعاف نفقات الصين ثاني قوة عسكرية في العالم، نسبة إلى خفض ميزانية وزارة الخارجية ووكالة حماية البيئة وخفض نفقات المساعدة الدولية وخفض دعم الكثير من برامج الأمم المتحدة.

ويعد تيلرسون خططا للبدء في مواجهة سلوك بوتين الشائن خصوصا وأنه شخصية لا تبالي بنسج القصص حوله، وبجولة آسيوية انطلقت من اليابان ثم كوريا ثم الصين لمناقشة تهديدات كوريا الشمالية وأسلوب التعامل مع الصين، ولم يمكن المراسلين من مرافقته على الطائرة نفسها، وهو على غرار هنري كيسنجر قبل أربعة عقود قام برحلة مكوكية في الشرق الأوسط استهلها بالصين، بعدما رفضت الولايات المتحدة تسوية صينية لأزمة كوريا الشمالية لاستئناف المفاوضات الدولية مع كوريا الشمالية.

سيرتب تيرلرسون زيارة رئيس الصين الولايات المتحدة والالتقاء بترامب بعدما أغضب ترامب الصين عند تحدثه إلى تساي إنجوين رئيسة تايوان اعتبرت الصين أن ترامب لم يحترم المعادلة الدبلوماسية صين واحدة التي وجهت العلاقات عبر المضيق منذ عام 1992، بعدها تساءل ترامب لماذا نلتزم بسياسة صين واحدة ما لم تكن الصين مستعدة للتعامل في مجال التجارة، بل إن انسحاب ترامب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي كان مفيدا لصالح الصين من خلال تقليص نفوذ الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي.

العلاقة مع روسيا من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية، نجد أن موسكو وواشنطن تتبادلان الاتهامات بانتهاك معاهدة 1987 وقعها ريغان وغورباتشوف وتنص على حظر الصواريخ متوسطة المدى، بعد كلمة ألقاها نائب قائد الهيئة المشتركة لقادة القوات الأمريكية أمام الكونغرس إن روسيا نشرت منظومة صواريخ كروز قادرة على ضرب أوربا الغربية، فيما يشكل انتهاكا لروح وأحرف معاهدة 1987 مشككا إلى عودة موسكو للالتزام بتلك المعاهدة، بينما روسيا اعتبرت الناتو هو الذي اقترب من الحدود الروسية.

في المقابل تعتبر موسكو أن النظام الغربي الذي ثار ضده هشا، غير أن موسكو في المقابل لا تملك القدرة على تحقيق مستوى رغبتها في لعب دور قيادي عالمي بعدما بحث بوتين عن شراكة عالمية بأفق القياصرة ولكنه فشل، وإذا ما انتهى الوضع بنظام دولي معدل يركز على التنمية وليس على الأمن عندها ستهمش روسيا من جديد، لأن أتباع سياسة روسية خارجية على المدى الطويل في صورة قوة عظمى أمر غير مستدام على الإطلاق بالنسبة لروسيا، بالتأكيد أن قيادة العالم تحتاج إلى قيم حقيقية لا تظهر في الدب الروسي وإنما يظهر في تعاملاته شراهة النفوذ والقوة وليس بمعنى القوة الناعمة التي تتعامل بها الصين أي التأثير في الدول الأخرى إيجابيا، حتى مساومة روسيا في صفقة أميركية وجعل حل الأزمة الأوكرانية أحد أدوات المساومة ضد الإرهاب العالمي ستفشل، لذلك إذا لم يلتزم ترامب بالوفاء باتفاق مينسك 2015 بشأن أوكرانيا يساعد على عزل ميركل المتشددة ضد روسيا، لذلك هناك خبراء روس يحذرون من فشل التطبيع مع ترامب وتراجع شعبية بوتين.

لذلك تترك أميركا بوتين يعزز نفوذ بلاده جنوبا ويحاول تدارك التصدعات غربا ما يعني أن بوتين يسبح في فضائه السوفياتي، وترى أميركا بأن إيران تواصل السيطرة على المنطقة عبر البعد الشيعي لحرائق الإرهاب بالمال الإيراني والحطب عربي، حتى أصبح القتال في سوريا مصدر الدخل الوحيد تقريبا للشيعة الذين ينتمون إلى عائلات وأحياء فقيرة وراتب المقاتل في سوريا يراوح بين 500 و1200 دولار شهريا وبتعميم نموذج حزب الله في المنطقة، وروسيا تمويل التطرف وتقوي نظام الأسد وتؤزم مشكلة اللاجئين، خصوصا وأن موسكو تستعمل الفيتو للمرة السابعة وهي عملية مخزية خصوصا عندما تبدأ دول في خلق الأعذار لدول أخرى تقتل شعوبها.

بل إن بغدانوف صرح بقوله لم نكن نعتقد أن تدخلنا سيطول والآن أصبح انسحابنا مشكلة بقاؤنا مشكلة، ليس فقط روسيا بل حتى تركيا التي في مأزق ولم تغفر لأوربا ولأمريكا تخليهما عن مساندتها في سوريا وتركها وحدها في الميدان تواجه روسيا وإيران، لكن ماذا عن لعبة الأمم في بورصة منبج التي هي مفتاح بورصة الرقة ودير الزور، وهناك قوات لأمريكا ولروسيا ولتركيا لم تحسم أمرها لكن اكتفت تركيا تهديد الناتو بشراء منظومة إس 400 من روسيا وأعلنت عن تقدم مباحثاتها مع روسيا، وستتجه تركيا إلى تشكيل جيش العشائر وإشراكه في تحرير الرقة ودير الزور، وهناك دعم تركي للمعارضة السورية لتشكيل الجيش الوطني.

لذلك نجد أن روسيا المأزومة اتخذت من إيران ضمانة في آستانة التي وجد ممثلو الفصائل ضمانة إيران ينهي مسار آستانة، رغم أن موسكو ودمشق ضمتا ملفات الحل السياسي للإيحاء بنجاح آستانة 3، وحاولت موسكو تتمسك بهدنة الوعر لإنهاء الوجود الإيراني في المنطقة، رغم ذلك لم تثق المعارضة بموسكو نتيجة متغيرات دولية، خصوصا بعد تفجيران يهزان العاصمة السورية والقتلى بالعشرات أحدهما كان يستهدف مبنى قصر العدل القديم وهناك علامات استفهام حول قدرة المنفذين على خرق الطوق الأمني.

ما جعل النظام السوري يستهدف مناطق خاضعة لسيطرة الجيش السوري الحر في إدلب، والمعارضة تتهم موسكو بالتصعيد نتيجة فشلها في الاستعاضة عن جنيف بالاستانة، حتى أصبح هناك تضارب في المعلومات حول استمرار المؤتمر أو انتهائه وفي مايو 2017 جولة مقبلة، رغم أن أميركا حاولت طمأنة النواة الصلبة الداعمة للمعارضة السورية إزاء مواقفها من سوريا والتعاون مع موسكو.

ليس هناك فقط تخلي أوربا عن تركيا بل كذلك هناك علاقة متوترة بين تركيا وإيران بسبب أن تركيا تنفذ أولوياتها بالتعاون مع السعودية التي يهمها محاصرة المشروع الإيراني وتحاول تركيا في نفس الوقت الضغط على روسيا ضد مشاركة إيران، ما جعل السفير التركي ينتقد تحذير الإيرانيين من السفر لتركيا.

كذلك هناك ضغط مصر على جماعة الإخوان المسلمين بعدما حشد بلمختار المتطرفين ضد حفتر المدعوم من مصر بعد غزوة الموانئ النفطية، فداعش تعجل في رفع راياته السوداء على بلدة رأس لانوف فتسبب في غضب القيادي الجزائري في تنظيم القاعدة، بعدما أقنع بلمختيار الظواهري بضرورة مشاركة الدواعش في حروب القاعدة في أفريقيا والاستعانة بإمكانيات الإخوان.

وأحرق مجهولون مقر قناة النبأ التلفزيونية الخاصة المحسوبة على جماعة الإخوان، والتي يمتلكها عبد الحكيم بلحاج الزعيم السابق لتنظيم الجماعة الليبية المقاتلة مما أدى إلى تعليق القناة وقطعه، وهناك اتهام من أعضاء مجلس النواب الليبي وبشكل خاص العقيد المسماري للحكومة القطرية والتركية بدعم القوات التي سيطرت مؤخرا على موانئ النفط في منطقة الهلال النفطي.

والقاهرة وموسكو تنفيان وجود أي قوات روسية على الأراضي المصرية، على إثر استعادة الجيش الوطني الليبي ميناءي رأس لانوف والسدرة، وهي خطوة سبقت من قبل أميركا تغازل حفتر من أجل منع وصول روسيا إلى ليبيا، وسبق أن حذر لافروف في حديث تلفزيوني من تدخل المجتمع الدولي في ليبيا من دون تفويض مجلس الأمن الدولي، وكذلك تريد مصر تفويت الفرصة على رؤية تونسية وجزائرية وأوربية التي ترى وجوب إشراك الإخوان ومن معهم في السلطة رغم أنه إجماع وطني ليبي لكن أولويات مصر تختلف، ولهذا السبب زار حفتر روسيا في وقت سابق.

يبدو أن أولوية مصر التي تتعارض مع المجتمع الأوربي والجزائري والتونسي جعلت السعودية تحاول التزام الحياد وفي نفس الوقت لديها أولوية هي الأخرى مع تركيا رغم أن السعودية حاولت ضبط العلاقة الخليجية وتوحيد موقفها ما بين دولة الإمارات ودولة قطر اللتان تضعان أولوية تماسك دول الخليج دون التدخل في الشأن العربي وهو ما لم يرضي الموقف المصري من اتخاذ السعودية موقفا محايدا تجاه أولويتها التي تتعارض مع مواقفها الإقليمية والدولية خصوصا وأن السعودية دولة ذات مكانة إسلامية ويجب أن تتصف بالواقعية السياسية بدلا من المثالية السياسية.

والسعودية تفرق بين الجماعات المسلحة والجماعات غير المسلحة من جماعة الإخوان المسلمين، وروسيا في حالة غرق وأن على مصر مواجهة الجماعات المسلحة التي تقلقها في سيناء سواء كانت من أي جماعة، ولن تلقى صدى إلا بسياسات عربية-عربية مشتركة، خصوصا وأن العراق يرغب في أن تكون السعودية جزءا من عمليات إعادة إعمار المناطق المحررة، وتحاول المباحثات التي تجري بين الجانبين تركز على بناء الثقة.

واقترحت الرياض على بغداد تشكيل لجنة مشتركة لتعزيز العلاقات خصوصا بعد إجبار إيران على الخروج من العالم العربي أي أن المفتاح في المنطقة وليس خارجها.

خصوصا بعد زيارة ولي ولي العهد محمد بن سلمان إلى واشنطن التقى فيها ترامب بعد فترة تباعد وجهات النظر في العديد من الملفات لكن الزيارة أعادت الأمور إلى مسارها الصحيح خصوصا حول التحركات الإيرانية بالمنطقة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق