هل النفط جدير بأن يجبر روسيا على دفع ثمن جيوسياسي في سورية؟

هل النفط جدير بأن يجبر روسيا على دفع ثمن جيوسياسي في سوريا؟

وصلت احتياطيات السعودية في أصول خارج البلاد إلى 733 مليار دولار ما يمكن السعودية الاعتماد على هذه الأصول لسنوات قادمة دون التعرض لأزمات أو هزات اقتصادية بل هي فرصة لها في التحرر من نقمة التبعية المطلقة لريع النفط.

مثل تلك الاحتياطيات لا تملكها لا موسكو ولا إيران مثلهما مثل منتجي النفط الصخري في أميركا الشمالية، ولكن تلك السياسة لا تتعارض مع السياسة الأميركية، لأن الولايات المتحدة متجهة نحو إعادة هيكلة إنتاج نفطها  الصخري الذي يهدد البيئة رغم إقرار الشيوخ الأمريكي مشروع خط أنابيب كيستون القادم من كندا في تحد لأوباما .

 في ظل وفرة الإنتاج ورخصه يجعل الولايات المتحدة غير قلقة على إنتاج نفطها الصخري تماشيا مع التقدم الملموس التي أحرزته محادثات التجارة العالمية حول اتفاقية السلع البيئية ما تسمى بالسلع الخضراء مثل السلع التي تركز على كفاءة الطاقة والمفضلة بيئيا مثل معدات الطاقة المتجددة.

 كانت الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي ال28 والصين في مجموعة أل 14 التي تهدف إلى تجارة عالمية في السلع البيئية من أجل الوصول إلى تعريفات تصل إلى الصفر، انضمت مؤخرا إلى تلك المجموعة تركيا وبيرو وشيلي.

ترى السعودية أن انخفاض الأسعار سيؤدي إلى هبوط الإنتاج لبعض المنتجين، رغم أن منظمة أوبك مستعدة لأي اجتماع مع المنتجين خارج أوبك لبحث حلول لإعادة التوازن إلى السوق وإنهاء الخلل في ميزان العرض والطلب، لأن السوق تشهد فائضا بنحو 1.5 مليون برميل يوميا، بسبب أن المنظمة ترى أنه لو خفضت إنتاجها لاضطرت إلى الخفض مرارا وتخسر زبائنها لمنتجين آخرين يرفضون تخفيض الإنتاج من خارج أوبك.

سياسة السعودية النفطية سياسة تكنوقراطية لا تعتمد على وجهات نظر أشخاص بل ترتكز على العوامل الاقتصادية والسوقية، وهي تدافع عن مصالحها في الحفاظ على حصتها السوقية، ولا تريد تكرار سيناريو الثمانينات عندما تبنت سياسة الدفاع عن الأسعار وخفضت إنتاجها حتى فقدت جزءا كبيرا من حصتها السوقية، وفي الأخير انهارت الأسعار، وبذلك فقدت الحصة السوقية والأسعار في آن واحد، وهو ما يجعل السعودية اليوم ترفض التفريط في حصتها السوقية، وترفض أن تلعب دور المنتج المرجح حتى انخفض إنتاجها من 10 ملايين برميل في عام 1980 إلى 2.5 مليون برميل عام 1985 بينما ظلت الأسعار عند 10 دولار، واستقر السعر ما بين نوفمبر عام 1996 ونهاية عام 1998 عند 11 دولار حتى انتشلت الصين الصناعة النفطية من هوة التراجع ما بين عامي 2001و2007 عندما تضاعفت واردات الصين من النفط ثلاث مرات.

تظل أوبك المنتج المرجح في سوق النفط العالمية يمكن أن تعود لخفض الإنتاج بعد نهاية الأزمة أو نهاية الفائض والتزام كافة الأطراف المنتجين من خارج أوبك.

 سياسة الإنتاج التي تنتهجها أوبك ليست موجهة ضد روسيا وإيران أو النفط الصخري في الولايات المتحدة.

هناك دول ترى أن السعودية ترفض خفض الإنتاج، وأنها توظف أسعار النفط كقوة ناعمة لإخضاع نظم سياسية لأجندتها، تزامن انخفاض أسعار النفط مع ارتفاع الدولار يزيد أوجاع سوق النفط، وتزايد المخزونات الأمريكية لتصل إلى 407 ملايين برميل في أعلى مستوى منذ بدأت الحكومة الأمريكية تسجيل البيانات عام 1982.

 هناك دعوات أوربية مستثمرة فرصة انخفاض أسعار النفط لإنشاء اتحاد دولي للطاقة لمواجهة اضطرابات الأسواق، فيما تقود الجزائر اتجاها معاكسا حراكا أفريقيا من أجل بعث منظمة أفريقية للبلدان المصدرة للنفط توازي منظمة أوبك التاريخية.

انخفضت العملة الإيرانية 70 في المائة منذ العقوبات الغربية على إيران بسبب الملف النووي عام 2012، بينما انخفضت العملة الروسية الروبل 42 في المائة عام 2014 وانخفض العملة مجددا منذ بداية العام الجديد 2015 نحو 12 في المائة نتيجة إجراءات اتخذتها موسكو في تحويل جزء من العملة الروسية إلى الدولار كعملة احتياطية.

النفط يضغط حتى على أسعار الغاز العالمية، إذ تشير التقديرات الأولية إلى أن أسعار عقود الغاز الروسي إلى ألمانيا ستتراوح في حدود 8.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية في الربع الثاني من عام 2015 و6.7 دولار لكل مليون وحدة حرارية في الربع الثالث على افتراض أن أسعار الغاز الفورية عند سبعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وخام برنت عند 50 دولار للبرميل، فأصبحت أسعار الغاز هي الأخرى تحت ضغوط متزايدة، أي أقل من مستوياتها التي كانت عليها في مثل نفس الفترة في يناير من عام 2014 وهي نفس الدول المتضررة من انخفاض أسعار النفط روسيا وإيران تعاني أيضا من انخفاض أسعار الغاز.

السعودية تدرك أن أسعار النفط ستظل متقلبة في الأجل المتوسط خصوصا مع زيادة الإنتاج النفطي في كندا والنرويج، كما أن دول داخل أوبك مثل العراق تسعى حثيثا إلى رفع إنتاجها إلى أربعة ملايين برميل يوميا، ما يعني أن تخمة الأسواق ستواصل إبقاء السوق تحت الضغط.

من حق السعودية إذا ما كان النفط جديرا بأن يتحول إلى حل في سوريا خصوصا مع روسيا التي تنظر إلى الأسد باعتباره أحد المصدات الرئيسية بالنسبة لمصالح روسيا في المنطقة، رغم أنها لن تسمح بأن تؤثر الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة على أجندتها الاقتصادية.

لكن ليس لدى السعودية مانع في التفاوض مع موسكو لخلق معادلة جديدة لا يكون الأسد ضمن أطرافها في سوريا بسبب أن السعودية تتمتع بنفوذ شامل نتيجة اعتمادها على أصولها، ولديها مساحة للمناورة مع روسيا وإيران اللتين تعانيان من آثار انخفاض أسعار النفط وانخفاض عملتيهما مما يجبر روسيا وإيران على دفع ثمن جيوسياسي في سوريا بشكل خاص.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق