هل السعودية في عجلة من أمرها في رفع أسعار البترول وسط توترات جيوسياسية؟

هل السعودية في عجلة من أمرها في رفع أسعار البترول وسط توترات جيوسياسية؟

يعترف مستهلكي النفط بأن السعودية أدارت أزمة خام النفط بشكل جيد بما يحفظ مصالح الأعضاء، وأثبتت السعودية أن أوبك منظمة حيوية لم تمت كما يدعي أو يتمنى البعض.

 رفضت السعودية أن تقوم بدور المنتج المتأرجح، ورفضت تحميل خفض الإنتاج على منظمة أوبك إذا لم تشارك الدول المنتجة من خارجه، وترى أن إجراء تخفيضات على سقف الإنتاج تجربة ثبت فشلها في الثمانينات من القرن الماضي ولن تكرر السعودية الخطأ مرة أخرى.

السعودية ملتزمة بالإسهام في تحقيق التوازن في سوق النفط العالمية، لأنها تعتبر استقرار الأسواق ركيزة أساسية لسياساتها النفطية.

رغم التوترات الجيوسياسية في ليبيا والعراق خصوصا بعدما أضرم داعش النار في آبار نفطية لصد تقدم مسلحين شيعة وجنود عراقيين، وفي ليبيا أدى تدهور الأوضاع الأمنية إلى إغلاق 11 حقلا نفطيا، وكان الإنتاج النفطي في ليبيا في مارس 400 ألف برميل يوميا دون المستويات البالغة 1.6 مليون برميل قبل الانتفاضة عام 2011، إلا أن وزير البترول السعودي يتوقع استقرار أسعار النفط التي اقتربت من أدنى مستوياتها خلال ست سنوات في يناير.

أي أن السعودية رغم التوترات الجيوسياسية التي ساهمت على إرساء أساس يتيح للأسعار استعادة بعض قوتها المفقودة بجانب ارتفاع عقود النفط الآجلة بفعل المخاوف بشأن تلك التوترات الجيوسياسية.

 السعودية أكبر منتج للنفط في أوبك متمسكة بسياساتها في الدفاع عن حصتها السوقية، بل ألمحت السعودية إلى حالة من الرضا عن التطورات الحالية في سوق النفط، خصوصا بعد استمرار انخفاض الطلب من الدول كثيفة الاستهلاك مثل الصين والدفع باتجاه زيادة الطلب الذي يحدث بخطى أبطأ مما يتوقعه عدد من المحللين الاقتصاديين، بسبب أن الاقتصاد العالمي لم يتعاف بشكل كامل.

تسببت هبوط أسعار النفط أضرار لأعضاء أوبك الصغار، لكنه أضر الاقتصاد الروسي بشدة ما جعل بعض أعضاء أوبك يواصلون ضغوطهم لخفض الإنتاج، وعقد اجتماع طارئ للمنظمة، لكن السعودية رفضت تلك الضغوط، وأصرت بموقفها المتمسك بالحصص الذي زاد من وتيرة الضغوط على صغار المنتجين، وخصوصا إيران وروسيا على إثر تلك السياسة التي تتبعها السعودية انتقد إيجور سيتشن الرئيس التنفيذي ل روسنفت الروسية أوبك وبشكل خاص السعودية الدولة الكبرى في المنظمة بدعوى زعزعة الاستقرار في سوق النفط.

تتمسك السعودية بسياسة انخفاض أسعار النفط وتعتبر 60 دولار للبرميل مناسب لها ولبقية دول الخليج من أجل أن تحقق عدد من الأجندات السياسية، رغم أنها لم تفصح عن تلك الأجندات السياسية ولكنها تتعلق بمواقف روسيا وإيران اللتان تتدخلان في شؤون المنطقة العربية الذي يهدد الاستقرار ما يفرض على المجتمع الدولي المساهمة في عودة الاستقرار السياسي
إلى ليبيا والعراق حتى يتمكنان من تعويض انخفاض المعروض في سوق النفط العالمية.

هناك ضغوط على روسيا التي تفقد 50 مليار دولار بسبب تراجع عائداتها النفطية، وستنفق الحكومة الروسية أكثر من نصف الصندوق التي تبلغ قيمته حاليا 85 مليار دولار، ما يخفض سريعا المخزونات المالية، يجعلها تفكر في المساهمة في عودة الاستقرار السياسي إلى الشرق الأوسط بشكل خاص في سوريا، وتقيم علاقات متوازنة مع دول الخليج التي تتحكم في سوق النفط العالمي.

 بينما الأجندة الاقتصادية ستقوض تلك السياسة حجم المعروض وفقدان العديد من حقول النفط غير القادرة على المنافسة، خصوصا على المدى القصير والطويل، وخفضا في الإنفاق الرأسمالي على إنتاج النفط الخام والغاز في مناطق عديدة غير قادرة على المنافسة، وبشكل خاص النفط الصخري مما يقلص من المعروض على المدى المتوسط والطويل.

انهارت أسعار النفط من 115 دولار للبرميل في يونيو 2014 إلى نحو 45 دولار قبل أن تستقر عند مستوى 60 دولار مع بداية مارس 2015، وبعيدا عن نظريات التواطؤ والمؤامرة، فإن العالم شهد في الفترة الماضية زيادة في الاستثمارات، ما جعلنا نشهد مستويات إنتاج أعلى من حقول نفط أكثر تكلفة من ناحية التطوير أو التشغيل مثل الحقول الواقعة في المياه العميقة، وحقول القطب الشمالي، وحقول النفط الخام الثقيل في كل من كندا وفنزويلا، وحقول النفط الصخري في الولايات المتحدة التي ساهمت في زيادة الإنتاج بنحو 3 ملايين برميل يوميا في السنوات الثلاث الأخيرة.

شركات المناطق المغمورة تمثل خمس عمليات الإنتاج أو ثلث الحقول غير مربح بعد انخفاض أسعار النفط.

 حرب الاستنزاف النفطية تكتب شهادة وفاة حوض بحر الشمال بعد ذروة إنتاجه بلغت 4.5 مليون برميل يوميا قبل 15 عاما انخفض الإنتاج 2014 إلى 1.42 مليون برميل من معادل النفط يوميا رغم الاستثمارات القياسية.

الخام التقليدي وخصوصا الخليجي أكثر قدرة على استيعاب المتغيرات خصوصا وهي تتمتع بمراكز مالية واحتياطيات جيدة تمكنها من التعامل مع انخفاض أسعار النفط.

تمسك السعودية بحصصها إذا لم تطلب الدول المستهلكة تخفيض واردتها من السعودية، فإن التاريخ كما أكد النعيمي سيثبت صحة قرار المنظمة التي تقودها السعودية لأن انهيار هيكل الأسعار يومئ بميلاد طفرة صناعة نفطية جديدة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق