هل اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل يعطي إيران ذريعة جديدة … وكيف تعاملت معها السعودية؟

تنظر السعودية إلى أن جبهات الصراع في اليمن والعراق ولبنان وسوريا وليبيا وإسرائيل واحدة، بل إنها ترى أهمية توحيد الجبهة الداخلية يجب أن يسبق جبهة فلسطين، مثلما وحد صلاح الدين الأيوبي الجبهة الداخلية قبل تحرير القدس عام 583ه 1187م.

كانت دمشق محورا هاما يخص جبهة المسلمين التي حكمها نور الدين زنكي، وأراد نور الدين استبقاء الاستيلاء على مصر قبل أن يستولي عليها الصليبيين، لكن كما توقع نور الدين زنكي سبقه الصليبيون في الاستيلاء على مصر قبل أن يستعين الخليفة العبيدي بنور الدين زنكي، فبعث له جيشا تحت قيادة أسد الدين شيركوه وصلاح الدين، لكن آثر الصليبيون الانسحاب والرجوع للقدس عندها تم قتل الوزير شاور السعدي الذي يستعين بنور الدين مرة ويتحالف مع الصليبيين ضد نور الدين، بعدها تم تحرير القدس على يد صلاح الدين.

هناك فرق بين رهانات خاسرة لإيران ورهانات مدروسة وثابتة للسعودية، خصوصا وأن السعودية لا ترى تحرير القدس بالشعارات والعنتريات والمزايدات، استطاع الصهيوفارسي توقيت إعلان ترمب القدس عاصمة لفلسطين رغم أنها تحت إسرائيل منذ عام 1967، لكن التوقيت هو لمجرد تخفيف الضغط عن إيران.

من يدرس التاريخ ويطلع عليه يجد عمق العلاقات التاريخية بينهما ولا زالت، فقبل موت شمعون بيريس قال بان يهود العالم مدينون بحياتهم وتاريخهم لكورش ملك الفرس الذي أعادهم لفلسطين بعد السبي البابلي على يد نبوخذنصر ملك بابل والذي استمر زهاء خمسة قرون، والآن يريد اليهود رد الجميل للحرس الثوري الإيراني بعد أزمة الرهائن قام النجل الأصغر لآية الله العظمى أبو القاسم كاشاني بزيارة إسرائيل لمناقشة مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري ضد البرنامج النووي العراقي في أوزيراك عام 1980 الذي ضربته إسرائيل.

توقيت إعلان القدس عاصمة لإسرائيل التي هي تحصيل حاصل ولن تغير شيئا في الواقع بسبب أن فلسطين محتلة من قبل إسرائيل، لكن كان هدفها إحراج السعودية وضرب علاقتها مع أمريكا التي بدأت أمريكا تحاصر إيران وتقدم أدلة على تزويد طهران للحوثيين بصواريخ بالستية، وطالبت المجتمع الدولي بمواجهة التهديدات الإيرانية، خصوصا بعدما فشلت استراتيجية أوباما التعويل على الحمائم في إيران لتغيير سلوك إيران، لكن رئاسة ترمب وجدت أن المزايدة الإيرانية بلغت الرئيس حسن روحاني نفسه ما يؤكد أن فكرة الحمائم والصقور الإيرانية غير قائمة وأن المشهد مجرد توزيع أدوار.

وهناك جلسة استماع في مجلس الشيوخ لوضع استراتيجية ضد إيران، وبدأت السعودية التي تقود تحالفا إسلاميا لتحرير اليمن من أذرع إيران، حتى موسكو التي تعول عليها إيران علقت العمل بدبلوماسيها في صنعاء ونقلهم للرياض لممارسة مهامهم من الرياض بدلا عن صنعاء.

موقف الرياض تجاه القدس لم يتغير الذي تجسد في خطاب الملك سلمان في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى حيث أكد على أهمية استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة بما في ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك مصر التي خاضت أربع حروب وقدمت آلاف الشهداء.

ويختلف موقف إيران عن الرياض ومصر التي تظهر بمظهر المناصر للقضية الفلسطينية لكن مناصرتها مدفوعة بحافز أيديولوجي دوغمائي لتمرير مشروعها القومي وتثبيت هيمنتها التي بدأت الدبلوماسية السعودية تزعزعها وهي في حالة هلع من خسارة مكاسبها التي تمكنت من تحقيقها خلال الفترة الماضية.

عداوة إيران وأذرعها للسعودية يحكمها جذر سياسي وعقائدي أيديولوجي غائر في العمق، وتلعب إيران وكذلك العديد من الجماعات الإسلامية الذين يتحفظون على علاقة السعودية الخاصة والمميزة بأميركا ويحاولون تمرير ما تسمى باتفاقية القرن بعد إعلان ترمب القدس عاصمة إسرائيل رغم أن الملك سلمان أعلن موقف السعودية الثابت من قمة مجلس الشورى وليست السعودية مطالبة أن تنساق خلف مشروع إيران وتركيا، بل لديها سياسات ثابتة لا يمكن أن تزايد عليها أي دولة، وترى أن مشروع الحرس الثوري الإيراني لا يقل خطرا عن المشروع الإسرائيلي بل هما مشروعان يلتقيان مع بعضهما رغم الصراع الظاهري بينهما عند اختلاف المصالح.

إن الإسلاميين جميعهم لا يحملون عداء سياسيا لأميركا وإن كانت إيران تحمل شعارات الموت لأمريكا الموت لإسرائيل ما هي إلا شعارات خداعية للشعوب وللعامة لتمرير مشاريعها، فيما هي تتمنى إقامة علاقات متينة مع أمريكا، بل إن الإخوان المسلمون تربطهم علاقة متينة ووثيقة بل وثابتة منذ زمن الحرب الباردة مع أمريكا، وهناك تعاون استخباراتي لمواجهة المد الشيوعي وحتى بعد نهاية الحرب الباردة لا زال الإخوان يقيمون تعاون استخباراتي وهي التي دعمتهم في انتخابات ما بعد ثورة يناير، وتعتبرهم ورقة لمواجهة الحركات الجهادية الأخرى التي تجد أن الدول العربية غير قادرة على مواجهتهم، والغريب أن بعض الباحثين يسمي حركة جهيمان حركة ثورية ليبرالية مناضلة، رغم أن حركة جهيمان حركة متطرفة اتجهت إلى العنف الدموي واحتلت الحرم الشريف مثلما اتجه الحوثيون إلى إرسال صواريخ بالستية إلى مكة المكرمة.

إيران منذ قرون تستخدم عناصر عربية في مد نفوذها والتوسع هو يتكرر اليوم في عودة الشهية الفارسية القديمة والإيرانية الحديثة التي تمثلها ولاية الفقيه والحرس الثوري الإيراني بوسائلها الجديدة عبر حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن ومليشيات كثيرة في العراق وسوريا وبمنطلقات أيديولوجية مذهبية وحرب الاستكبار ونصرة المستضعفين وتحرير فلسطين منطلقات ثلاثة تعتمد عليها إيران في تنفيذ مشروعها التوسعي عبر عناصر عربية.

بالطبع بعدما وجدت إيران أن هذه المنطلقات بدأت تتهاوى وان الصحيح هو الاندماج في المواطنة لتصحيح أخطاء الماضي، وأن إيران تلعب بأمن المنطقة العربية، وأن نموذجها ليس المثالي بل هو يهدف لتعزيز هيمنتها المغموسة بأوهام كهنوتية لا حدود لها، وتستخدم العرب مجرد أدوات وبيع سلعتها للسذج فقط.

لن تقوم إيران بأي عمل يزعج إسرائيل، فلم تجد سوى استثمار إعلان ترمب القدس عاصمة لإسرائيل هي والصهيونية العالمية والترويج لصفقة القرن برعاية سعودية، وإن كان هي بالفعل أجندة موجودة، لكن كيف سوقت إيران وأتباعها والمغررين أو الحاقدين على السعودية لأسباب كثيرة قد تكون انتقامية بأنها برعاية سعودية وموافقة مصرية وأردنية وإجبار عباس على قبولها التي هي في قمة المهزلة التي ينساق العرب نحوها، والأغرب أن ينساق نحوها كبار الكتاب العرب فقط بسبب أن السعودية تقف أمام الطموح الإمبراطوري التوسعي الإيراني بعدما فقد الأثواب والأقنعة التي كان يتدثر بها.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق