هل اتخذت السعودية قرار المواجهة الاستراتيجبة مع إيران؟

يقال أن عبد الله بن سبأ اليهودي أراد أن يقوم في الإسلام بذات الدور الذي قام به سلفه شاؤول في النصرانية، فشجع هو وأتباعه الخروج على عثمان بن عفان رضي الله عنه، واستتبعوا الغلو في آل البيت، وزعموا التشيع لهم، ثم غالوا في علي رضي الله عنه، وادعوا له العصمة له، ثم النبوة، حتى وصل بهم غلوهم إلى خلع صفات الربوبية عليه وعلى زوجه وولديه لبذر بذور الخلاف بين المسلمين وسقوها بالأكاذيب والشائعات.

لم يكتفوا بذلك، بل غذوا تلك الأكاذيب بالضغائن والأحقاد، وأوقعوا الخصومة بين المسلمين، وهم أول من تخلى عن علي وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما، وخانوهم أعظم خيانة، حتى قتل الحسن بن علي رضي الله عنه ظلما وعدوانا بسبب تخلي من زعموا التشيع له، ولكن جعلوا يوم مقتله مناحة ولطم وبكاء وإحياء للضغائن وسب الصحابة.

نشأت الدولة الصفوية التي حافظت على هذا الميراث، وشيعت سنة إيران بالقوة، واستمر حكمها خلال الفترة 1501-1785، وكانت العلاقة مع الدولة العثمانية بين مد وجزر، وكانت الحروب بينهم باستمرار حتى انهزم الصفويين أمام العثمانيين في معركة جالديران سنة 1514 مما دفع الشاه إسماعيل الصفوي الاستعانة بالبرتغاليين ضد العثمانيين.

يتكرر التاريخ اليوم تحت غطاء تصدير الثورة الخمينية للمنطقة بأسرها ومحاصرة السعودية بشكل خاص، حتى أتى غزو العراق من قبل الولايات المتحدة ولم تقدم خدمات لوجستية للولايات المتحدة في هذا الغزو من أي دولة من دول المنطقة سوى إيران.

 كافأت الولايات المتحدة إيران على تلك الخدمة بالسماح لإيران بالدخول إلى العراق بعد تسريح الجيش العراقي من قبل بول بريمر وهو تحالف خفي بين الجانبين على العرب والمسلمين مثلما تحالفت الدولة الصفوية مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية مما سمح بنشوء التطرف لمحاربة الجميع.

حققت إيران تقدما إستراتيجيا في العراق، بعدما خاضت قواتها والمليشيات التابعة لها معارك واسعة النطاق في عمق الجغرافيا السنية العراقية شمال بغداد تحت غطاء محاربة داعش وبدعم مباشر ومفتوح من الولايات المتحدة.

بدأت إيران تشكيل قوات الباسيج في العراق وفي سوريا وهي تقاتل المعارضة السورية ب42 لواء و38 كتيبة مكونة من مقاتلين طائفيين من إيرانيين وأفغان ولبنانيين وعراقيين.

 تزامن هذا التقدم مع تصريحات صادمة من الهمداني رئيس الحرس الثوري والباسيج بقوله أصبحت القوة الإيرانية القوة الضاربة الأكثر في العراق ولبنان وسوريا، تتزامن أيضا مع تصريحات أخرى صادرة من يونسي مستشار روحاني قائلا بأن بلاده أصبحت إمبراطورية عاصمتها بغداد كما كانت عبر التاريخ وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت في الماضي.

وفي إشارة للتواجد العسكري في العراق قال يونسي أن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة أن كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية، وقال سنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية.

 تعزيزا لتلك الإستراتيجية التي أعلنت عنها إيران بعد أن كانت تتمدد تحت أغطية عديدة في الفترة الماضية تم انتخاب يزدي المتشدد رئيسا لمجلس الخبراء في إيران خلفا لرفسنجاني القريب من السعودية.

حتى تضمن الولايات المتحدة تحقيق تقدما في المفاوضات النووية مع إيران تصدر عنها تصريحات متناقضة تسترضي فيها السعودية وفي نفس الوقت تفتح الباب مشرعا أمام استكمال النفوذ الإيراني لمجرد التوقيع على الاتفاقية النووية بين الجانبين من أجل ضمان أمن إسرائيل، مثل تصريح ديمبسي الذي قال بأن الولايات المتحدة لا تضمن حماية المعارضة السورية رغم أنها تقوم بتدريبها.

تحقيق إيران تقدما إستراتيجيا في العراق يؤدي إلى تصدع الجبهة التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة داعش، ولكن الولايات المتحدة ليست في عجلة من أمرها في ردم هذه الفجوة رغم إدعائها الخوف على سنة العراق من الحرب الطائفية التي تقودها إيران خصوصا وأن إدارة أوباما راحلة.

هناك تحركات سعودية سريعة خصوصا بعد تمدد طهران المتزايد من خلال وكلائها الحوثيين في اليمن، لأن إيران تريد انتصارا طائفيا على الإرهاب والتحالف في العراق وعلى الدولة في اليمن، أي أن إيران تمارس فن اضطهاد الأقليات للأكثريات الذي يخلق فوضى وحروب طائفية لزعزعة أمن السعودية ودول الخليج من كل حدب وصوب.

هناك انقسام في الإدارة الأمريكية حول التعامل مع إيران خصوصا بعد تحذير 47 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إيران من أي اتفاق نووي مع الرئيس باراك أوباما قد يستمر فقط ما دام أوباما في المنصب في تدخل حزبي غير معتاد في السياسة الخارجية من شأنه أن يقوض محادثات دولية حساسة مع طهران باعتبار أن الكونغرس هو من يملك رفع العقوبات عن إيران.

أعرب بايدن نائب الرئيس الأمريكي بلهجة شديدة في بيان وزع عن أنه على مدى 36 عاما قضاها في الكونغرس لم يشهد قط مثل هذه البادرة، ويعتبر مثل تلك البادرة تقويض لسلطة أوباما، لكن وزير خارجية إيران جواد ظريف رفض تلك الرسالة من الجمهوريين واعتبرها خدعة دعائية.

تعتقد السعودية أن غزو أمريكيا للعراق عام 2003 مكن إيران من الهيمنة على العراق بالتحالف مع بعض المكونات الشيعية في العراق، وترى السعودية أن تنظيم داعش وفر فرصة تاريخية ثانية لإيران للتدخل الشامل والعلني في العراق وسوريا كما لم يحدث منذ قرون.

تعتبر السعودية مصر والباكستان وتركيا دول في قلب الإستراتيجية السعودية لمواجهة التمدد الإيراني، باعتبار أن الباكستان وتركيا دولتين إقليميتين منافستين لإيران رغم أنها لا تشعر السعودية  بارتياح كامل للعمل مع الأتراك.

بينما مصر هي جزء من الأمن العربي التي بدأت تشارك السعودية في كل الجهود التي تقف أمام النفوذ الإيراني في المنطقة تمثلت في زيارة سعد الحريري للسيسي من أجل التنسيق بين لبنان والدول العربية في تلك المرحلة المهمة من تاريخ المنطقة، والتي ترفض فيها مصر كل التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية من قبل كافة الأطراف، مما يفرض ضرورة التكاتف عربيا وطرح الحلول العربية لمنع التدخلات الإقليمية.

وفي لقاء لوزير الداخلية اللبناني أكد بأن إيران تشاكس ولن تنجح معتبرا أن العباءة السعودية قادرة على تحقيق التوازن المطلوب.

السعودية قادرة على تطويق إيران مثلما تعتقد إيران أنها قادرة على تطويق السعودية، ويمكن أن توفر رادعا حاسما لإيران في أي مواجهة مستقبلية محتملة، وسبق أن شاركت قوات باكستانية عقب الثورة الخمينية عام 1979، وشاركت كذلك بقوات خلال حرب الخليج الثانية لحماية الحدود السعودية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق