هل أنقذ الاتفاق الروسي أمريكا من عجزها، ومن الحرج أمام الأكراد وإيران؟

ما دار في حلب ليست حربا عسكرية بل هي حرب إبادة حصد أكبر عدد ممكن من المدنيين غير المقاتلين الهدف من الإبادة ترويض المعارضة وترويع المدنيين من أجل الضغط على المعارضة العسكرية بأنهم غير قادرين على حماية المدنيين والدفاع عنهم.

 حيث كشفت حلب عن الوجه الحقيقي لمرتزقة المليشيات الإيرانية التي تجمعت من العراق ومن أفغانستان والباكستان ولبنان بقيادة قاسم سليماني زعيم القدس، بل فضحت حلب النزعة الانتهازية لهذه المليشيات بزعامة قاسم سليماني الذي ينفذ أجندة الحرس الثوري الإيراني بزعامة خامنئي المرشد الأعلى لإيران ومدى استخدامهم الزائف للمصطلحات الإسلامية التي فضحتهم أمام أعين جميع المسلمين سنة وشيعة، وهم لا يقلون عن جرائم داعش المتطرف التي يرتكبها بل هم أكثر عنفا لأنهم يحملون الكراهية والحقد والانتقام والتطهير بجانب ممارسة التغيير الديموغرافي.

 وحققوا جرائمهم بحماية القصف الجوي الروسي، وهي فرصتهم بعدما هزيمتهم قبل أن يستعين بشار الأسد بروسيا، حتى حماية المدنيين وإغاثتهم وإيصال المعونات لم تسمح تلك المليشيات بوصولها إلى المدنيين المحاصرين في الجحيم المستعر في شرق حلب، وقصفت روسيا قافلة الإغاثة التي حصلت على موافقة من الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر الدولي، يذكرنا بقصف الطائرات الألمانية والإيطالية عام 1937 في غرنيكا الإسبانية قافلة إغاثة التي تحولت إلى حرب عالمية ثانية فيما بعد.

معركة حلب فضحت مزاعم الحرب على داعش، بل أوضحت إلى أن ما يدور في منطقة الشرق الأوسط صراع واسع من أجل الهيمنة على الشرق الأوسط ومنطقة البحر البيض المتوسط وما وراءه.

ولكن هل ما يدور هو تقسيم نفوذ بموافقة الولايات المتحدة على إعطاء روسيا نفوذا في منطقة الشرق الأوسط مقابل أن تتوقف عن التحرش بشرق أوربا، وهو ما نستنتجه من عزف أوباما على مقولة اعتبار مشورة الشركاء الروس للوصول إلى حل سياسي، أي أن أوباما سلم المنطقة لروسيا للتصرف بها حتى تنقذها من الحرج مع إيران التي وقعت معها الاتفاق النووي مقابل ترك إيران في التوغل في المنطقة العربية دون الإضرار بالمصالح الأمريكية، ويبدو أن هناك توافق بين الدول الكبرى على المنطقة العربية، بعدما استخدمت روسيا والصين الفيتو على خطة السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى حلب واكتفت بريطانيا وفرنسا بالمواجهة الإعلامية إرضاء للعرب وخصوصا السعودية كان بإمكانها تقديم المساعدات عن طريق الجو.

يبدو أن روسيا لم تقدم على تلك الخطوة لولا أنها حصلت على الضوء الأخضر من الغرب خصوصا وأن روسيا تعاني من انهيار اقتصادي انخفض من 2 تريليون دولار إلى 1.2 تريليون أي ربع الاقتصاد الياباني وثلث الاقتصاد الألماني، رغم أنها تمتلك مقومات عديدة من المساحة والموارد ودعم الصين ثاني أكبر اقتصاد، لكنها ترى في هذه الخطوة هي من أجل الحصول على موطئ قدم واستثمار الفراغ الأمريكي من أجل تنمية اقتصادها.

 لذلك هي حريصة على عدم التورط في المستنقع السوري ما جعلها تسرع في الوصول إلى هذا الاتفاق خصوصا وهي لا تريد الانزلاق إلى توتر مع العالم الإسلامي خصوصا وهي محاطة بدول إسلامية، وفي نفس الوقت تقدم رسالة لدول المنطقة وعلى رأسها السعودية أن إيران لن تتمكن من تنفيذ مخططها المتمثل في تغييرات ديموغرافية في بعض أجزاء سوريا.

 وتعتقد روسيا أن السعودية يمكن أن تقبل برؤية سوريا الروسية أفضل من أن ترى سوريا الإيرانية، وهي الضامن لانسحاب المليشيات الشيعية التابعة لإيران من سوريا وتقدم طمأنة بأن روسيا هي الضامن بعدما أصبحت صاحبة الإرادة في سوريا بأن ينفذ النظام السوري كافة القرارات بعدما وفرت له عبر معركة حلب موقعا قويا على طاولة المفاوضات ومن حقها أن تطالبه بالتنازل متى ما رأت مصلحة استمرار تلك المفاوضات للوصول إلى حل سياسي.

استطاع الرئيس بوتين بعد حسم معركة حلب تجميع أكثر ما يمكن حوله من الغاضبين من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لذلك نجد أن أردوغان كضامن للاتفاق يذكر المعارضة بعدم التخلف عن الانضمام لهذا الاتفاق وعدم وضع العراقيل أمام الاتفاق يمكن أن تعيش المعارضة مجددا بما عاشته في حلب في إشارة إلى الحسم العسكري من جانب روسيا، وهو ما جعل وزير الدفاع الروسي يعلن أن مجموعات تمثل 62 ألف مقاتل وقعت اتفاقا لوقف إطلاق النار باستثناء داعش.

إمساك روسيا بمفاتيح الحل السوري جعل مختلف الأطراف تصغي أليه جيدا بما في ذلك الغرب، وإذا نجح تثبيت وقف إطلاق النار الذي لا يوجد له بديل ستصبح روسيا قوة تعرض إرادتها على الجميع، وهي ترى لن يكون بشار الأسد عقدة في منشار الحل، لذلك نقل عن أندريه كورتل نوف رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية قوله أنه قد تم بحث عدد من أسماء المرشحين المحتملين لخلافة الأسد خلال الاجتماعات الروسية التركية لكنه رفض ذكر أسمائهم.

تمسك روسيا بالملف جعل إيران تبدو وكأنها غائبة أو مرغمة على المشاركة في الحل، حيث تجري روسيا اتصالات مع السعودية ومصر وقطر والأردن والإمارات بهدف تعزيز وقف القتال في سوريا ودعم العملية السياسية للتوصل إلى حل للنزاع.

حيث نجد أن هناك تقارب في المواقف بين السعودية ومصر يتبين ذلك من استقبال سامح شكري وزير الخارجية أحمد الجربا الرئيس السابق للائتلاف استعدادا للمشاركة في مفاوضات أستانة وهو مقرب من السعودية.

هناك ترحيب إقليمي وأميركي بوقف إطلاق النار في سوريا، رغم أن الموقف الأميركي فاترا وهي متحفظة على القرار وهو شيء طبيعي لأنها تشعر بأنها على هامش الملف، لكن صرحت أميركا بأن ما حصل طور إيجابي، وما يحدث تطورا إيجابيا في خطوة تعود إلى نهاية أزمة أنهكت الجميع.

نجحت تركيا في إقناع روسيا في استبعاد الجانب الكردي باعتباره جزء من المعارضة السورية، وما يدل على ذلك هو الغارات الجوية التي شنتها روسيا على مدينة الباب شمالي سوريا دعما لقوات درع الفرات التي تقاتل داعش والأكراد معا، حيث تعتبر تركيا أن وحدات حماية الشعب الفصيل الكردي الأقوى في سوريا تنظيما إرهابيا وجبيت محاربته.

الاتفاق إيذان بفشل المشروع الإيراني وأن عليها أن تلتفت للداخل الإيراني بدلا من العبث بمحيطها.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق