هل أصبح التقارب السعودي-التركي في سورية أمراً واقعاً؟

هناك عدة صحف ومصادر إقليمية وعالمية تحذر من نتائج التقارب والتحالف السعودي-التركي على كثير من الملفات الإقليمية والدولية، كما تعتبر تلك المصادر أن هناك تحولا سعوديا بعد عاصفة الحزم بعدما كانت تبتعد عن دعم الجماعات المناهضة للأسد، وتمتنع عن تمويلها، بسبب أن مجموعات كثيرة منها كانت تتبع جماعة الإخوان المسلمين من جهة، ومن جهة أخرى حتى لا تغضب الولايات المتحدة.

التقارب الجديد يثير حفيظة الولايات المتحدة وروسيا وحتى دول إقليمية عديدة التي لم تقرر حتى الآن إسقاط نظام الأسد، بينما ترى السعودية أن التحالف مع تركيا يعكس مدى الحاجة الملحة بعد نفاذ الصبر تجاه سياسة أوباما المترددة في المنطقة، لأن السعودية ترى أن أوباما تخلى عن التزاماته تجاه المنطقة، وبدأ يركز في التقارب مع إيران، ويفتقد لإستراتيجية متماسكة لإنهاء حكم نظام الأسد الذي يسحق المعارضة لصالح الجماعات الجهادية المتشددة.

 تخطت السعودية مرحلة ما بعد الإخوان، وبدأت مرحلة الضامن والوسيط، ومسك العصا من النصف بين مصر وتركيا، وهي مقاربة جديدة تتطلبها المرحلة، لكنها لا تزال ترفض التعامل مع الإخوان الجهاديين، مما يسمح لها التعامل مع بقية الإخوان غير الجهاديين خصوصا في سوريا.

 ما يؤذن بدخول السعودية مرحلة تحالفات جديدة مع الدولتين، فهي ترسخ تحالفاً سعودياً-مصرياً سياسيا وعسكريا عبر تشكيل القوة العسكرية العربية بدعم دولة الإمارات، في المقابل تسعى السعودية تشكيل تحالف سني بالتحالف مع تركيا وباكستان، وتحضر لاتفاق استراتيجي عسكري غير مسبوق تجاوز سيناريو التحضير والإرادة السياسية.

التحالف السعودي التركي دخل مرحلة جدية في سوريا، يتضح هذا من تصريح أردوغان عندما قال اتفقنا مع السعودية وقطر على ضرورة إنشاء منطقة عازلة في سوريا، بالطبع لا تريد السعودية وتركيا إحراج الولايات المتحدة مع إيران لأنها بصدد توقيع الاتفاقية النووية، لذلك اكتفى أردوغان بأن إنشاء المنطقة العازلة تم بالتفاهم مع السعودية وقطر، وذكر أن الاتفاق لم يتم مناقشته مع واشنطن، بل اكتفى بقوله إن واشنطن وقعت اتفاقية مع تركيا تنص على تسليح وتدريب المعارضة.

هذه التحركات أربكت وأقلقت إيران ووكلاءها في المنطقة، وخصوصا نظام الأسد الذي أتى في سياق رد وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحفي مشترك في دمشق مع نظيره الأرمني على نظيره التركي، الذي طلب الطائرات الأمريكية إلى حماية المعسكرات المخصصة للتدريب، واصفا القيادة التركية بالسفاحين الجدد.

 تزامن هذا الرد مع تأكيد وزير الخارجية الإيراني المساعد حسين عبد اللهيان الذي أتى على هامش اجتماع 42 لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في الكويت، قال إن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي فقط، معتبرا أن إقامة منطقة عازلة وحظر للطيران تكرار للأخطاء السابقة.

المعطيات الجديدة في الواقع الإقليمي فرضت على السعودية إدارة ملف الإخوان الذي قسم دول المنطقة، فأبلغت السعودية أردوغان أنها تدعم السيسي كرئيس، ومن جانبها ضغطت على السيسي أن تعيد المحكمة المصرية قرارها حول اعتبار حركة حماس حركة إرهابية، واتجهت إلى ضبط العلاقة ما بين قطر ودولة الإمارات من أجل الحفاظ على تماسك دول الخليج وتنسيق مواقفها تجاه العديد من التحديات والملفات الإقليمية والأمنية.

التفاهمات التي قادتها السعودية ساهمت في إعادة إنتاج توازنات جديدة بالمشهد الإقليمي، وأصبحت العلاقات تنمو مع تركيا حول المسارين السوري والعراقي، كما رسخت السعودية علاقتها مع دولة مصر وانتقلت من التنسيق العسكري إلى التعاون الاستراتيجي.

 بذلك تكون السعودية قد تجاوزت عقدة ملف الإخوان، وحققت تحالفات مع جميع الأطراف المتصارعة بعيدا عن الاصطفاف مع طرف ضد طرف لإعادة ترتيب أرواق المنطقة، التي ضربتها الفوضى على حدود السعودية حتى أصبحت محاطة بحزام من نار.

 كان لزاما على السعودية أن تبادر إلى إطفاء هذه النيران عبر تشكيل تحالفات متعددة، خصوصا بعد انسحاب أمريكا من المنطقة، ولعبها على وتر التوازنات ما بين المذهبين، من أجل تحقيق توازن استراتيجي، بينما ساهمت هذه الاستراتيجية في تقسيم المنطقة بل وفي تفتيتها، فقط من أجل تحقيق اتفاقية نووية تاريخية مع إيران، حتى ولو تم تدمير المنطقة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق