نظام طهران يضيق الخناق على الحريات

وصل الظلم والحرمان، والحد من الحريات العامة في الشارع الإيراني جراء السياسات التعسفية للنظام إلى درجة لم يعد بعد بإمكان الشباب المغلوب على أمرهم أن يستمروا بالحياة في وطنهم، فقرر الكثير منهم الفرار وترك الوطن. وتكملة لهذه السياسات التعسفية من قبل السلطات في الجمهورية الإسلامية، هددت السلطة القضائية المدعومة من قبل المرشد علي خامنئي الحكومة الحالية على لسان النائب الأول والوزير السابق للمخابرات الإيرانية في حكومة أحمدي نجاد، غلامحسين محسني أژه­اي، عندما أرسل الأخير رسالة لوزير الاتصالات وأمهله فيها شهراً واحد من أجل تنفيذ حظر تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي مثل الواتس أب والفايبر والتانغو، وشدد محسني أژه­ای أنه في حال عدم تنفيذ هذه الأوامر خلال الفترة المحددة والتي لا تتجاوز الشهر الواحد، سوف تتخذ السلطة القضائية كافة الإجراءات اللازمة في ذلك.

واستناداً لتقرير وكالة أنباء “ميزان” التابعة للسلطة القضائية الإيرانية بتاريخ 20/9/2014، فإن النائب الأول للسلطة القضائية بعث رسالة لوزارة الاتصالات، وأشار فيها إلى “الانتشار الواسع للمواضيع المهمة التي تتحدث عن مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام خميني في الأسابيع الماضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل الواتس أب والفايبر والتانغو”. وجاء في هذا التقرير أن “محسني أژه­اي كان قد أمهل وزارة الاتصالات ثلاثة أشهر لتقوم الوزارة بواجبها تجاه الإهانات المتكررة لمؤسس الجمهورية الإسلامية، إلا أن وزير الاتصالات وزملائه لم يفعلوا أي شيء يذكر، فأمهل النائب الأول وزارة الاتصالات شهراً إضافياً لحظر الواتس أب والفايبر والتانغو”. كما جاء في هذه الرسالة تحذير في غاية من الأهمية، يتحدث عن الانتشار الواسع جداً لأنواع الجرائم الأخلاقية والشرف التي تهدد العفة والأخلاق الإسلامية والأمن العام للجمهورية الإسلامية في إيران. والمثير في الموضوع هو أن النكت المضحكة ذات الطابع السياسي عن مؤسس الجمهورية الإسلامية الذي يعتبر من مقدسات النظام، لاسيما الأفلام والصور للعلاقات الجنسية غير المشروعةبين الأفراد التي تنتقل بكل أريحية ودون أية حواجز تذكر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قد أخافت صناع القرار في النظام من أن هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة والمنتشرة على نطاق واسع في إيران قد تهدد استمرارية النظام، ومقبوليته لدى المجتمع.

وعلى ضوء هذه الإشكاليات التي تعاني منها الجمهورية الإسلامية، والتي من الممكن أن نضعها في السياقين التاليين: أولاً: السياق الاجتماعي، فإن الانتشار الواسع لهذه الجرائم الاجتماعية التي تحدث عنها التقرير الصادر عن السلطة القضائية، والذي عنونها بالجرائم الأخلاقية وجرائم الشرف والعفة التي تهدد الأمن العام للجمهورية الإسلامية، فما هو إلا دليل قاطع على أن سياسات النظام الحاكم في طهران سياسات فاشلة بامتياز، ولا تتماشى مع روح المجتمع الفارسي ثقافياً. بيد أن قادة الحرس الثوري يرون أن هذه الجرائم التي تحدثت عنها السلطة القضائية هي من أعمال أعداء الإسلام. حيث اعتقل أحد عشر مواطناً من المشتبه بهم في مدينة شيراز على يد الحرس الثوري، واعترفوا أنهم قد غرر بهم. ومن جانب أخر، استناداً للإحصائيات الرسمية، فإن ادعاءات هؤلاء القادة الأمنيين والعسكريين الذين يمسكون بمفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لم تعد مقبولة، بل باطلة جملة وتفصيلاً. بحيث تشير الاحصائيات الرسمية إلى أن الأسباب الحقيقية وراء التفكك الأسري والفساد الأخلاقي والسرقة والتزوير والنزاعات اليومية والإدمان وغيرها من الجرائم الاجتماعية الأخرى المستشرية في إيران، والتي باتت مرتفعة جداً لا علاقة لها بأعداء الإسلام -الجمهورية الإيرانية الإسلامية، إنما نتيجة لتراكم السياسات الخاطئة من قبل النظام الحاكم في طهران.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، يطلعنا وزير العدل في الجمهورية الإسلامية مصطفى بور محمدي على أنه يوجد 14 مليون ملف طلاق في المحاكم الإيرانية، وهذا يعني 28 مليون مواطن إيراني يعاني وبشكل حقيقي من الآثار المترتبة من الحالة الاجتماعية على حياته اليومية. وبما أن العائلة هي البنية الأساسية للمجتمع، فإذن، المجتمع الإيراني من حيث الأساس يعاني من أزمات نفسية. وفي هذا الخصوص يؤكد الوزير على أن 50% من حالات الطلاق سببها الإدمان المنتشر في المجتمع الإيراني، والأنكى في هذا الموضوع تصريح نائب محافظ مدينة طهران هدايت الله جمالي بور في الشهر الماضي على أنه تم انتشال 4000 مدمن من شوارع طهران فقط!!

ومن هنا، تأتي أهمية الاقتصاد في مقدمة السياسات للدول المتقدمة للنهوض بالمجتمع والدولة، والتي تأخرت إيران كثيراً في هذا المجال مقارنة بجيرانها في الخليج العربي الذين قطعوا أشواطاً كبيرة، حتى بات الشباب الإيراني يفضل العيش في هذه الدول، ودولة الإمارات العربية المتحدة خير دليل على ذلك. حيث تعد الجالية الإيراني بمئات الآلاف فيها، ومعظمهم من الشباب والشابات الراغبين في العيش الكريم الذي وجدوه في هذه الدولة الكريمة على مواطنيها والأجانب في آن واحد.

ثانياً: السياق الاقتصادي، وكما أسلفنا سابقاً، أنه بسبب التخبط المستمر في تبني السياسات الاقتصادية، وغير المدروسة من قبل الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في طهران. تشير الاحصائيات المستقلة لعام 2013، إلى أن التضخم الاقتصادي وصل إلى 47% وبنسبة نمو اقتصادي -5.4% تحت الصفر ليصل عدد العاطلين عن العمل إلى 7 مليون شخص، في حال يؤكد نائب وزير الدولة للشؤون الاجتماعية والثقافية رضا محبوبي في أحدث تصريح له بتاريخ 17/9/2014، قائلاً: “إن لدينا -جمهورية إيران الإسلامية-حالياً 9 مليون مواطن لا يمتلكون السكن، و3.5 مليون عاطل عن العمل، 1.5 مليون مدمن على المخدرات، و2.5 مليون أرملة”. كما أن التصريحات التالية لمسؤولي النظام تبين حجم المشكلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومنها:

·  تصريح مساعد اللشؤون الاستراتيجية للقضاء الإيراني محمد باقر ذو القدر بتاريخ 9/1/2013، على أنه يدخل سنوياً السجون الإيرانية 600 ألف سجين، وحدد قائلاً، “إن هذه النسبة نتيجة الجرائم المختلفة كـ السرقة والتزوير والقتل ..”.

·   تصريح الجنرال “حسن بتولي” رئيس الشرطة الإيرانية “نيروى انتظامى ناجا” بتاريخ 24/12/2011، حيث قال: “لدينا سنوياً 13 مليون ملف في القضاء” وهذا يعني في حال أخذنا حد أدنى لكل ملف من ثلاثة أشخاص، هذا يعني 39 مليون من المواطنين الإيرانيين يدخلون المحاكم الإيرانية سنوياً. وكذلك قال، “إنه يوجد لدى القضاء 20 ألف ملف لعمليات التزوير للوثائق والمستندات” وهذا يعني أيضاً إذا حددنا كل ثلاثة أشخاص لملف واحد هذا يعني 60 ألف حالة تزوير سنوياً في إيران. وأكد الجنرال حسن بتولي إن 60% من الذين يدخلون السجون الإيرانية، يدخلونها للمرة الأولى.

·  تصريح نائب وزير القضاء (العدل) الإيراني “غلام رضا سعيدي” حيث قال بتاريخ 24/11/2011، “إن هنالك 20 مليون مواطن إيراني هم عرضة للأخطار الاجتماعية ويعيشون تحت خط الفقر وبحاجة ماسة للمساعدات العاجلة”.

وبناءً على هذه العينات من تصريحات مسؤولي النظام وغيرها الكثير، نستشف أن الدولة الإيرانية فعلاً تعاني. فالمشروع الذي جاء به حسن روحاني والذي سمي بـ “منشور حقوق المواطنة”، والذي لم ينجز بعد على الرغم من إقراره قبل عام، إلا أنه يعكس حقيقة الإشكاليات الموجودة بين الدولة الإيرانية والمجتمع التي لم تنظم بعد بشكلها المطلوب والطبيعي لسير العلاقات بين الدولة والمواطن من جهة، وبين السلطات الثلاث فيما بينها من جهة ثانية.

فهذه الإشكاليات التي سمتها السلطة القضائية، بـ” الجرائم الأخلاقية والشرف والعفة التي تهدد الأمن العام لجمهورية إيران الإسلامية”، هي نتيجة طبيعية للسياسات التعسفية بحق شرائح المجتمع الإيراني المتنوعة في العرق والدين والمسلك، والتي طالب الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الأخير عن حقوق الإنسان في إيران الرئيس حسن روحاني بالعمل على الوعود التي قطعها في تحقيق العدالة والمساواة بحق الشعوب والأديان في جغرافية إيران، والتي لم تتحقق بعد. وعليه انتقد بان كي مون الانتهاكات التعسفية الواسعة التي مازالت تطال الشعوب والأقليات العرقية والدينية في جمهورية إيران الإسلامية.

وبالتالي، يأتي حظر وسائل التواصل الاجتماعي في نفس السياق المعتمد منذ ثلاثة عقود في إيران، فكلما تعرف المواطن على الحقائق المغيبة التي سعى النظام جاهداً على إخفاءها في الفترات الماضية، كلما ضعف موقع النظام في المجتمع الإيراني.

جمال عبيدي

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق