نجم الشِّيعة.. سطوع أم أفول؟

أُقتبس العنوان، في جانب منه، مِن «سطوع نجم الشيعة..الثورة الإيرانية من 1979-1989» للباحث الألماني جرهارد ردكونسلمان، وجانبه الثَّاني مِن مقال للباحث العراقي غالب حسن الشَّابندر «أُفول نجم الشيعة في العالم» (المدى 21/5/ 2015). اعتبر ردكونسلمان قيام الثورة الإيرانية (فبراير 1979) سطوعاً لنجم الشيعة الإمامية، وجعل الإمام علي بن أبي طالب (اغتيل40هـ) محوراً في كتابه، وهذا ما ظهر على غلاف النسخة العربية (سيف ذو الفقار وعبارة: أيا علي)، فيوحي بأنها ثورة علي، وهكذا قدمها مَن هيمن عليها مبكراً من أصحاب العمائم!

خلال ثلاثة وعشرين عاماً، وهو الزمن بين الكتاب والمقال، حدثت حوادث جسام، منها ما أثبت أن الثورة الإيرانية، في ظاهرها، جاءت سطوعاً لنجم الشيعة والتشيع، لكن في التفاصيل تبدو لك آلام شيعية كارثية، لم يتوقف الكتاب عندها، فظهور مرجع شيعي أعلى بحجم آية الله محمد كاظم شريعتمداري (ت 1985) في التلفزيون الإيراني معلناً توبته تحت التهديد، ويحبس في داره وتُمنع الصلاة على جنازته، كان في حقيقته حدثاً كارثياً على الشِّيعة، إلا لدى الذين اعتبروا شريعتمداري عدواً! وماذا سيقولون لو حصل له هذا في ظل حاكم آخر؟ ناهيك عما تعرض له مرجع الأهواز آية الله محمد طاهر الخاقاني (ت 1985)، ثم آية الله منتظري (ت 2009)، الرجل الثاني بعد الخميني في تكريس ولاية الفقيه، ولو كان آية الله الخوئي (ت 1992) داخل إيران لواجه المصير نفسه، يتضح هذا مِن هتافات الثوار ضده وشريعتمداري.

تميز تلك الحوادث بين الشِّيعة، بعلمائها وأتباعها، والثورة الإيرانية، فكيف تصح تسميتها ثورة شيعية؟ وكأن إيران قبلها كانت على مذهب آخر، وليس ملوكها ووزرائها وجيشها من الشيعة كافة، وكأن ما ذكرنا من العلماء المنكوبين ليسوا مراجع الشيعة! وهل اعتبرت الانقلابات التي قام بها «الإخوان المسلمون» في أكثر مِن بلد سُنية مثلاً؟ فلابد من التفريق بين التحرك السياسي والمذهب.

لا يُنكر أن أحداثاً كبيرة تزامنت مع الثورة الإيرانية خدمت سطوع نجم الإسلام السياسي عامةً، وأشاعت التدين، بعيداً عن الاعتدال، لكن للثورة حصتها الكبرى، على الوجهين عند خصومها من الجماعات السلفية وعند مؤيديها مِن القوى الشيعية، فارتفع منسوب الطائفية بدوافع سياسية هائلة.

من مظاهر السطوع، حسب المؤلف، علو شأن شيعة لبنان بوجود «حزب الله»، لكن ما هو الثمن الذي يدفعه شيعة لبنان، وقد صار انتماؤهم اللبناني مرتهناً؟ ولهذا أعلن العديد من العلماء اللبنانيين، ومن الأسر العريقة، بلبنان وفي التشيع، أنهم ليسوا أتباع نظام آخر، إنما لبنانيون أولا وأخيراً، وآخر ما تحدث به الفقيه محمد مهدي شمس الدين(ت 2001): «الوصايا» التي خص بها شيعة العالم، محذراً من تلاعب الأحزاب بهم.

يتساءل الشابندر في مقاله، وهو أحد النشطاء السابقين في الإسلام السياسي الشيعي، راداً على من يرى ما يحدث سطوعاً لنجم الشيعة: كم يتيم شيعي ومعوق على خط الممانعة، كما يسمونه، من العراق إلى سوريا إلى لبنان؟ وكم عائلة شيعية فقدت معينها الواحد؟ وأي اقتصاد سينهض بما يسمى الهلال الشيعي؟ ماذا ينتظر شيعة سوريا ولبنان بعد العزلة الدولية؟ إلى متى نهتف بانتصار الدم على السيف، ولم يحصل هذا يوماً ولا لحظة في بحر التاريخ الشيعي؟

يجري جدل بين القائلين بالسطوع والقائلين بالأفول، كلٌ يراه حسب قدرته على قراءة المشهد، هناك من يرى قنبلة إيران النووية مجداً شيعياً، بينما هناك من الوسط الشيعي العلمائي من يراها كارثة على الشيعة في تجييش العالم ضدهم حتى صار في الإعلام العالمي كل شيعي إيراني بلا تمييز.

فمصالح الدول والثورات لا يهمها المذهب إذا لم تحركه بيدها.

ألم تتسبب دمشق، التي ربطت مصيرها بطهران، في قتل آلاف الشيعة العراقيين (2004-2007)، بتسهيلها وتدريبها الإرهابيين وإدخالهم العراق؟ ويرى المثقفون الشيعة اللبنانيون أن اغتيال علماء مثل حسين مروة ومهدي عامل (1987) وغيرهما، من قبل جهة شيعية، معروف ارتباطها، أُفول للشيعة بيد الشيعة الحزبية.

لا يُقاس، مثلما وضح الشابندر، سطوع نجم الشيعة بوجود رئيس وزراء بالعراق، وحزب مسلح بلبنان، وقنبلة نووية إيرانية..

إنما العبرة بالخسائر التي حلت وستحل على الشيعة، والتفريق بينهم وبين أوطانهم، لكن من حق أحزاب الإسلام السياسي الشيعي أن ترى الانكسارات انتصارات، فقد ربطت مصائرها، وتريد ربط مصائر الشيعة كافة، بالقنبلة الإيرانية، فكانت مبايعتهم لها مبايعة مالك بن هُبيرة (ت 65ه) للمروانيين «على ما أحببنا وكرهنا» (النجوم الزاهرة).

نقلاً عن الاتحاد

بقلم: رشيد الخيّون

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق