موريتانيا والعلاقة مع الجوار .. “للواقعيين فقط”

هناك شيآن يهددان العالم الفوضى والنظام – حسب فولتير – بهذا المعنى يكون التوازن وإدارة الانتظام – وليس النظام – هو التحدي؛ تتنازع السياسات الخارجية للدول – كوحدات دولية – مجموعة من النظريات : الواقعية، والمثالية الليبرالية، الراديكالية، والبنائية … ، وهي النظريات الأكثر شيوعا وإتباعا على سبيل المثال ،وهي رؤى ونظريات قد لا تصلح إحداها لتفسير وتوجيه السلوك الخارجي للدولة دون أخرى، ومع ذلك قد يلجأ منظرو السياسة الخارجية لبلد ما أو منفذوها لتغليب نظرية أو منهجية على حساب أخري في وقت من الأوقات أو في قضية من القضايا.

هذا المدخل النظري الهدف منه مساعدتنا كمراقبين أو مختصين للتفكير حول ما هي النظرية أو المنهجية الأنسب التي يجب أن تسود نظرتنا الخارجية في موريتانيا في هذه الظرفية التي تتميز بتحديات خطرة تجاوزت الأمن لتأثر في السياسة، ولنكون أكثر وضوحا تجب الإشارة إلى أن موضوع الإرهاب في منطقتنا امتد أثره وتطور من تحدى مجمع على خطورته وضرورة التصدي له، إلى موضوع مثير للجدل بل وللاختلاف ليس حول الخطورة المبدئية له وإنما اختلافا وصل حد الشقاق حول رؤية المعالجة وكيفية التصدي.

ليس مكمن الخطر هنا – بالطبع – في اختلاف المقاربات بين دول الساحل، وإنما يتلخص مكمن الخطر في تأثر العلاقات السياسية بين هذه الدول، في وقت الحاجة فيه ماثلة إلى توجيه وتوحيد هذه الدول مقاربتها وزيادة التنسيق لضمان الفعالية في معالجة هذه الظاهرة – كما أجمع عليه أغلب المهتمين – والتي لها انعكاسات خطيرة على امن هذه الدول بل ووحدتها السياسية واستقرارها في المدى المنظور.

فإذن لا خلاف على:

1/ الخطر الكلي للإرهاب على أمن واستقرار منطقة الساحل والصحراء والمنطقة المغاربية عموما بل والعالم.

2/ ضرورة التنسيق الفعلي بين هذه الفضاءات.

3/ ضرورة بناء مواقف ومعالجات موحدة أو متقاربة قدر الإمكان.

4/ تحديد دور ومسؤولية القوى الدولية والتي تتقاطع مصالحها مع مصالح دول المنطقة في محاربة الإرهاب.

 وعليه ورغم الوضوح النظري – على الأقل – لهذه القضية فسأحاول الخروج منها كمسألة كلية لمعالجة مسألة جزئية تمثل أحد تداعيات هذه القضية ، تتعلق بتأثير ملف الإرهاب على علاقات دول المنطقة ببعضها ، وبشكل أدق وأكثر تخصيصا ظلال هذا الملف على العلاقة الموريتانية مع بعض دول الجوار – فقد كنت كغيري من مراقبي الشأن العام الوطني كتبت محاولا فهم تقاعس البعض عن تقديم المساعدة والمساندة لموريتانيا في عمليتها الأخيرة ضد الإرهاب، مستنكرا بنفس القدر بل ومتسائلا عن المغزى وراء الدور الذي لعبته بعض القوى والأوساط الإعلامية والسياسية داخليا وخارجيا، ورغم مشروعية البحث والتنقيب لبناء فهم أكثر مصداقية لمواقف بعض دول الجوار الشقيقة، إلا أننا حاولنا أن نقرأ بشيء من الاعتدال فصول هذه الجزئية؛ وما يدفعنا إلى إثارة هذا الموضوع هو ما تابعناه من ردود الفعل محليا والذي تجاوزت فيه بعض الجهات والأقلام حدود اللباقة بل والمنطقية مما يؤثر على المصلحة الموريتانية.

فبعض الجهات حاولت تبني نفس الخطيئة الإعلامية في الرد والهجوم وبعض الجهات حاولت -عن قصد أو عدمه ربما- زيادة الشرخ مما عنى بوادر أزمة في العلاقات الموريتانية مع تلك الدول وهو ما نرفضه كمواطنين نعرف مصالحنا الوطنية وأهمية العلاقة بين موريتانيا وجوارها ألمغاربي كما الإفريقي والأوروبي وكمراقبين ندعو إلى منهجية أكثر عقلانية وتوازنا تعرف كيف تنمي العلاقات وتحفظ المصالح المشتركة بين موريتانيا وجوارها نابذين كل المواقف المتشنجة والمتوترة والتي تصب غالبا في حسابات سياسية أضيق من أن تمثل المصالح العليا لبلد له التزاماته وعلاقاته مع دول الجوار و العالم .

في معرض هذا التنبيه ننبه على الحقائق التالية – وهي للواقعين فقط-

1) من مصلحة موريتانيا أن تكون لها علاقات حسن جوار مع جيرانها جميعا.

2) من مصلحة موريتانيا أن تفهم مخاوف الدول الأخرى وتتعامل معها بصورة واقعية

3) يجب أن يكون من ثوابت سياستنا الخارجية الجنوح للسلم والتعاون والتقارب ما لم يكن هناك عدوانا ومسا بالسيادة الوطنية.

4) على الدبلوماسية الموريتانية أن تدرك أحجام وتفاوت الدول وخصوصا دول الجوار التي لها ثقلها ووزنها

5) تدهور العلاقة بين موريتانيا وهذه الدول يؤدي إلى فتح المجال أمام قوى خارجية غامضة -نصر على وجودها- ولأطراف في الساحة السياسية الموريتانية لصب مزيد من الزيت على النار.

6) من حقنا أن تكون لنا علاقاتنا مع من نريد وبالطريقة التي نريد لكن من واجبنا ألا نغفل عن الدور الذي تلعبه المصالح الاقتصادية والتجارية كمحدد للعلاقة بين فرنسا وبعض تلك الدول ففي آخر الصفقات بين فرنسا ومؤسسة اقتصادية واحدة كانت قيمة الصفقة 998 مليون أورو اي ما يقارب مليار أورو. لا أدري إلى أي حد فرنسا “صوفية” وديمقراطية؟ بمعنى آخر لا أدري إلى أي حد هي مهتمة بأمن مواطنيها وبموريتانيا على حساب مصالحها المالية مع بعض الدول في المنطقة؟

يبقى مما لاشك فيه –وكما أوصينا من قبل- ضرورة السعي لتقوية العلاقات الثنائية على أساس الأخوة والجوار والاتفاقيات والمصالح. وتبديد مخاوف الجوار سواء بالنسبة لحرب موريتانيا على الإرهاب، وجهود التنسيق مع الدول الكبرى، أو للموقف المبدئي لموريتانيا من قضايا المنطقة، والدفع بهذه الدول لتكون شريكا اقتصاديا حقيقيا لموريتانيا، وتبنى جولات من الحوار بين الرسمين الموريتانيين والرسميين في هذه الدول، وكذا بين أطراف الدبلوماسية الموازية لتدارس كل ما يقلق هذه البلدان والعودة بالعلاقات إلى وضعها الطبيعي والممتاز الذي فيه خيرها جميعا.

وفي الأخير أهيب بكل النخب والقوى الوطنية بأن لا نخوض المعركة الخطأ، فمعركتنا الحقيقية هي السعي الدائم لتطوير رؤيتنا للبناء الوطني داخليا، والعمل جاهدين على صياغة سياستنا الخارجية وخطابنا الدبلوماسي بشكل أكثر انفتاحا وأجلب للمصالح وأدرأ للمخاطر.

سعد بن عبد الله بن بيه

كاتب ودبلوماسي موريتاني

نقلاً عن صحراء ميديا

الوسم : موريتانيا

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق