من يشعل فتيل الأزمة في سورية؟

يبدو أن التراشق الأمريكي – الروسي في مجلس الأمن بعد قتل التحالف 90 جنديا سوريا بأنه قد فتح باب إمكانية رد روسيا بفعل انتقامي على أمريكا وارد، لكن من يتابع التوتر الذي ساد اجتماع مجموعة دعم سوريا بفعل عودة العنف في سوريا التي عقدت على هامش أعمال الدورة ال71 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 20/9/2016، وتبادل التهم فيما بينهما حول من اخترق الهدنة، ومطالبة لافروف بإعادة النظر في المجموعات الإرهابية، بينما كيري اعتبر لافروف يعيش في كوكب آخر، مقابل تلك التجاذبات بين الجانبين دعا دي مستورا إلى اجتماع لمجموعة دعم روسيا لمناقشة العملية السياسية الانتقالية في سوريا، والأمم المتحدة تدير الأزمات ولكن لن تحل أزمات من دون دعم الدول الكبرى.

رأس كل من كيري ولافروف اجتماعا لمجموعة دعم سوريا التي تضم 23 بلدا لأحياء الهدنة في سوريا، وجميع المشاركين أعلنوا دعمهم لاتفاق وقف النار رغم الخروقات التي وقعت من الجانبين الحكومي والمعارضة، حيث تصر روسيا على ضرب مجموعات في المعارضة كأحرار الشام باعتبارها مجموعة إرهابية وغيرها، بينما لا زالت الولايات المتحدة في مأزق تبحث عن مخارج لمأزقها، ولا زالت تستخدم مصطلحات مثل أنها تأمل وتتمنى وهكذا، أي أن الولايات المتحدة لا زالت خارج السياق لصالح روسيا حتى إشعار آخر، لذلك لا يزال المجال الجوي الروسي يشمل كل المحافظات السورية، والأمريكي يلتزم الشمال والشرق حيث عينه على تحرير الموصل الذي يعزز وجوده في العراق وعدم ترك العراق ساحة مفتوحة لروسيا ولا لإيران، لكنها تنسق مع تركيا، وفي نفس الوقت تنسق بين بغداد وأربيل استعدادا لتحرير الموصل قد يكون قريبا قبل رحيل أوباما.

 أربكت أمريكا أوراق المنطقة خصوصا بالضغط على الموقف السعودي الذي يرفض التنازل في سوريا لصالح أي دور إيراني، وهو ما يفسر ترك البيت الأبيض أن يمرر الكونغرس ومجلس النواب الأمريكي قانون الإرهاب من أجل أن يحاكم دولة مثل السعودية ومقاضاتها لصالح عوائل المتضررين من أحداث 11 سبتمبر، فيما يمنع أوباما  تمرير مشروع دعمه الجمهوريون وحتى بعض الديمقراطيين لمحاسبة النظام السوري الذي ارتكب جرائم ضد شعبه.

كثير من المحللين يشككون في إمكانية أن تقدم موسكو على قصف القافلة الإنسانية، بسبب أن روسيا فهمت الرسالة بأن البنتاغون لن يوافق على أن تستغل روسيا فترة انتهاء أوباما وكيري، ويمكن أن يتساهلا في سوريا، لذلك يعتبر البعض أن الضربة جاءت بأن البنتاغون يرفض استغلال مثل تلك التسهيلات التي يقدمانها كل من أوباما وكيري، ما يعني أن الأزمة السورية لا زالت في مأزق حتى مجئ الرئاسة الجديدة في البيت الأبيض.

بينما نجد أن النظام السوري وإيران بعد التطورات الأخيرة التي حدثت في سوريا يريان أنها لا تصب في صالحهما خصوصا وأن إيران لم تدعم هذه الهدنة، كما وأن تركيا بدأت تغض روسيا النظر عنها في شمال سوريا، وبدأت تصرح أنقرة أن لا مكان للأسد في المرحلة الانتقالية توافقا مع المواقف السعودية، وصرحت بأنها ستدخل منبج، بل تطلب تمديد مهام قواتها في سوريا والعراق، وكذلك روسيا بدأت تأخذ في حسبانها مراعاة مواقف السعودية في سوريا لصالح المعارضة وبشكل خاص في مطالب السعودية في تحييد الدور الإيراني في سوريا الذي تعتبره تدخلا في شأن الدول العربية.

لذلك فإن اتفاق وقف النار لم يكن في صالحهما بل كان يصب في صالح المعارضة الذي يمكن أن يعيد ترتيب صفوف المعارضة أثناء فترة تلك الهدنة، كما أن النظام السوري وإيران منزعجان من الجانب الروسي الذي بدأت مواقفه تتآكل لصالح جهات أخرى في سوريا على حسابهما.

فضرب القافلة الإنسانية أتت لإشعال فتيل الأزمة في سوريا وأدت إلى مزيد من خلط الأوراق، وفي نفس الوقت منع وصول تلك المواد الإغاثية للمحاصرين التي تقوي من شوكتهم ضد النظام السوري، والتي يعتبرها النظام السوري الورقة القوية التي يستخدمها في محاربة المعارضة الذي يتبع سياسة التجويع، والضغط عليهم من أجل ممارسة تغيير ديموغرافي لإبعاد المعارضة عن المناطق التي تهدد النظام السوري، ويقيم منطقة متصلة بحزب الله في لبنان لحماية ظهره، وكثير من المتابعين يعتبرون مثل تلك الخطوات هي بداية لتقسيم سوريا.

استهداف قافلة إغاثة إنسانية هي بمثابة هجوم وحشي يرقى لجريمة حرب تضاف إلى جرائم النظام السوري الذي تدعمه إيران وحزب الله، وهو بالفعل ما دفع الأمم المتحدة إلى تعليق إيصال المساعدات، وهي الأمنية التي كان يتمناها النظام السوري، وهو ما يبرر إعلان النظام السوري انهيار الهدنة مما وضع المعارضة السورية أمام أحادية الخيار العسكري وستتجه إلى فك حصار حلب وتحرير حماه بالكامل.

جريمة قصف القافلة تمثل إعلانا عن حرق كل الحلول ومتابعة خيار القتل والتدمير الذي تفضله إيران التي تدعم النظام السوري بغطاء روسي وعجز المجتمع الدولي وغيابه عن تحمل المسؤولية أمام حرب إجرامية منذ خمس سنوات.

فأصبحت سوريا بين أمريكا التي تضغط على السعودية من أجل تسوية بينها وبين إيران في سوريا والمنطقة، فيما ترفض السعودية مثل تلك المطالب، ما جعلها تقدم على تشكيل تحالفات عربية وإسلامية وعسكرية لمنع التدخل الإيراني في المنطقة العربية، وبين روسيا التي تحاول تكرار تجربة غروزني في سوريا مستفيدة من الخلاف الأمريكي السعودي، والذي يعجز عن تأمين غطاء جوي لكل الجبهات، لذلك يلجأ إلى قصف المدنيين ليشكل ضغطا على البيئة الحاضنة للثورة، ما يعني أن سوريا بحاجة إلى إعادة بناء استراتيجيات جديدة، وإعادة بناء تحالفات.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق