من عاصفة الحزم إلى قمة الحسم بين أمريكا والسعودية لإعادة الاستقرار إلى المنطقة

النظام في الشرق الأوسط يتفكك، والدولة الحديثة بدأت تتآكل، نتيجة سقوط نظام ما بعد الحرب الباردة، ما جعل أمريكا قوة عظمى فاترة الهمة، خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية التي انطلقت منها عام 2008، وبدأ العالم يعترف بمعالم منطقة تعدد الأقطاب.

لذلك اتجه أوباما إلى أن يسير نحو استراتيجية ما بين الواقعية والمثالية، وأعلن عن استراتيجية أمنية لا تعتمد فقط على القوة العسكرية، وبدأ يأخذ أوباما من واقعية كيسنجر، في أن يمنح العون في آن واحد لكلا الجانبين في الانقسام المتسع بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط، الذي يتجه نحو تأجيج الصراع، وكأن أوباما يشاهد عرضا مسرحيا للجيوسياسيين في الشرق الأوسط يتصارعون فيما بينهم، وكأنه يستمتع بالقتل والدمار المتواصل، خلقت فوضى في المنطقة وبيئة مناسبة لنمو الإرهاب.

وفي إطار سعي أوباما للترويج للاتفاق النووي مع إيران، لتحقيق نمط السلام من خلال المفاوضات، الذي سبق أوباما رؤساء أمريكيون بتطبيق نفس النمط، ولكن المتابعين لتلك الأنماط، يرفضون تشبيه نمط أوباما بأنماط كيندي ونيكسون وريغان.

لأن كيندي حينما تفاوض مع الاتحاد السوفيتي بعد أن حجر على كوبا، مما أجبر خروشوف على قبول المفاوضات، واتجه إلى حظر المواقع النووية في جزيرة الكاريبي، كما أبرم نيكسون تقاربا مع الصين، وتطبيعا العلاقات، بعدما قررت الصين وقف تصدير ثورتها.

وكذلك أقدم ريغان على التقارب مع الاتحاد السوفيتي، بعد أن نجح في إقناعهم بأن ليس في مقدورهم ابتزاز أوربا بصواريخ (إس إس 20)، لكن أوباما لم يتمكن من وقف تصدير إيران لثورتها، ووقف دعم وكلائها في المنطقة، بل أعلن المرشد الأعلى بأن إيران لن تتوقف عن دعم حلفائها ووكلائها في المنطقة بعد الاتفاق النووي مع الغرب.

زيارة الملك سلمان لواشنطن هي تاريخية، بعد امتناعه عن حضور قمة كامب ديفيد، ما يسمى في العرف الدبلوماسي بأنه غياب احتجاجي على مواقف أوباما تجاه المنطقة، بادرت إيران على لسان المرشد الأعلى بأن إيران ستدعم الأسد أعقبه في اليوم التالي في نفس يوم اللقاء بين الملك سلمان والرئيس أوباما، أعلن بوتين عن تصعيد وتهديد خطير للموقف في سوريا خصوصا عندما فرض بشار الأسد على مستقبل سوريا واعتبر أن بشار الأسد وافق على انتخابات برلمانية مبكرة لتشكيل حكومة ائتلافية من أجل حرف مسيرة اللقاء بين الزعيمين، ما يعني أن روسيا  قد تخرج من المعادلة ولن يحسم الوضع في سوريا سوى الحسم على الأرض من خلال زيادة الصراع.

تدرك روسيا وإيران موقف السعودية من تصريح وزير الخارجية السعودي في موسكو، بأن لا مكان لنظام الأسد في الحكومة الانتقالية، وهو موقف نهائي، لا يمكن الرجوع عنه، اعتبره المحللون السياسيون بأنه تحدٍّ لروسيا في عقر دارها، وحتى الآن لم تقرر روسيا الانخراط في محاربة داعش، ولديها خطان متناقضان ظاهريا لكنهما يخدمان بعضهما، لكن روسيا ليست لديها روافع إيجابية على الأرض، وهي لا زالت رهينة هذه التصورات، وهو ما تدركه السعودية والولايات المتحدة، لذلك هما لن يعولا كثيرا على روسيا وسيحسم الصراع في سوريا على الأرض.

سبق اللقاء بين الزعيمين، تطمينات من الولايات المتحدة، عندما صرح بن روديس مستشار الأمن القومي لأوباما، بأن الولايات المتحدة ستقف أمام دعم إيران للمليشيات، والتصدي للمشروع الإيراني في المنطقة، بكافة القدرات الجوية والبرية والبحرية، كما صرح روديس بأن المعارضة السورية لا تريد الأسد، فيما صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن الزيارة محورية وتشاورية، وتنقلها إلى أفق جديد، تساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وتعزيز الشراكة بين البلدين.

هي قمة سعودية أميركية بمنطلقات جديدة، لا تخضع لأوهام التطمين، لأن التطورات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية، وما تشهدها من تعقيدات على خلفية الاتفاق النووي الإيراني، التي ستكون محور اللقاء، من أجل أن تكون القمة الأميركية السعودية حاسمة بالنسبة إلى عدة ملفات في المنطقة، وفي مقدمتها الملفان اليمني والسوري، اللذان لا يمكن التطرق لهما دون التطرق إلى التدخل الإيراني وضرورة مواجهته.

السعودية كانت متوجسة من تلكؤ واشنطن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فيما يتعلق بمدى جديتها في تسليح قوات المعارضة لنظام بشار الأسد، أي أنها كانت تكتفي بإدارة الأزمة بدلا من معالجتها، وترى السعودية أن داعش ظاهرة، سببها السياسات الطائفية التي تمارسها إيران ووكلائها في المنطقة، مما أفرز ظاهرة داعش وغيرها من مليشيات ارهابية وجهادية، فالمواجهة تكون للسبب قبل الظاهرة، بل تعتبر السعودية  أن بوش سلم العراق لإيران، وأوباما سلم سوريا لإيران.

لكن بعدما أثبتت السعودية بأنها حليف في المنطقة، لديها القدرة على إقامة التحالفات الإقليمية والعربية والإسلامية لمواجهة التحديات، أي أن الولايات المتحدة أمام قائد خليجي عربي، أثبت بشكل عملي قدرته على جمع القوى الفاعلة في المنطقة، خلف هدف حماية الأمن والاستقرار، ومواجهة الأطماع الخارجية، ونجاحه في مواجهة إيران في اليمن من أجل استرداد الشرعية وفق القرار الأممي 2216 تحت البند السابع.

ولديه مشروع قادر على مناهضة فكرة التطرف الطائفي، وفكرة المليشيات التي تدعمها إيران في المنطقة، وتستبدلها بمفهوم الدولة الوطنية، وهي ترى وجود قوات على الأرض في سوريا مثل القوات في اليمن، لمحاربة جميع المليشيات في سوريا، لاستعادة سوريا سيادتها من دون نظام بشار الأسد.

لذلك فإن واشنطن ستحتاج إلى حليف قوي وصلب في المنطقة، يخفف عنها الأعباء نيابة عنها في حماية المنطقة، باستخدام القدرات الذاتية، وتقليل التعويل على الصداقات الدولية، التي تتوافق مع استراتيجية أوباما في تخفيف حدة التركيز على الجانب الأمني، أو بتركيز درع صاروخية أميركية في المنطقة الخليجية الذي يكلف الخزانة الأميركية أو يشغلها عن أولوياتها في آسيا.

وبالفعل صرح أوباما للصحفيين وإلى جواره الملك سلمان، بأن واشنطن ستناقش أهمية تطبيق الاتفاق النووي مع إيران بفاعلية، لضمان ألا تملك إيران سلاحا نوويا، إلى جانب التصدي لأنشطتها التي تزعزع استقرار المنطقة، بينما في سوريا، قال أوباما يمكننا السماح بعملية انتقال سياسي في سوريا، تضع نهاية المطاف حدا للصراع المروع هناك.

الزيارة أكدت على أن البلدين شريكان استراتيجيان بشكل وثيق رغم الخلافات بينهما، وما زالت السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، وساعد التزامها بضخ النفط رغم تراجع أسعاره مؤخرا على استمرار تعافي الاقتصاد الأمريكي، خصوصا بعدما ضمن أوباما انتصارا سياسيا بعدد كاف من الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لتمرير الاتفاق النووي مع إيران.

وقبل الزيارة حذرت واشنطن موسكو من عمليات عسكرية في سوريا، وأكدت لها بأن أعمالا كهذه تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وإلى نتائج عكسية، خصوصا بعدما أكد الناطق الرسمي باسم الرئاسة الأميركية جوش ارنست، عندما قال نحن قلقون من المعلومات التي تفيد أن روسيا نشرت طاقما عسكريا وطائرات في سوريا، ونتابع هذه المعلومات عن كثب.

وقدمت إدارة أوباما مساعدات لدول الخليج سبق أن وعدت بها في قمة كامب ديفيد في مايو 2015، في تحقيق تكامل بين أنظمتها المضادة للصواريخ الذاتية الدفع، وتعزيز أمن الشبكات الإلكترونية والأمن البحري.

وبيع فرقاطتين وقيمتها أكثر من مليار دولار، التي تمثل حجر الزاوية لبرنامج تحديث الأسطول البحري السعودي، وستشمل الصفقات زوارق حربية أصغر حجما، ومعدات مضادة للغواصات، كما أن هناك صفقات بقيمة 1.9 مليار دولار لشراء عشر طائرات هليكوبتر (إم إتش 60 آر)، تستخدم في العمليات الحربية المضادة للغواصات، ومهام أخرى.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق