مفاوضات إيران.. تقوِّض «منع الانتشار»

«وزير الخارجية الفرنسي يقول إن إيران تريد إخطاراً مدته 24 يوماً قبل السماح للمفتشين الدوليين بتفتيش مواقعها النووية، في حال الاشتباه في وجود انتهاك للاتفاق المرتقب مع القوى العالمية بخصوص برنامجها النووي». إنه خبر جاد وحقيقي وليس مزحة من موقع إلكتروني ساخر. التقرير يتزامن مع تصريحات للمرشد الأعلى الإيراني خامنئي قال فيها إن إيران لن تسمح بتفتيش المواقع العسكرية ولن تسمح للمفتشين بالتحدث مع العلماء الإيرانيين. وإذا كانت إيران مصممة على التمسك بهذه المواقف، فيمكن القول إن إدارة أوباما ستتعرض لضغوط قوية وستكون مطالَبة بتقديم اتفاق نهائي يتصف بالجدية ويبدّد التخوفات.

ولنتأمل هنا ما حدث منذ إعلان أوباما عن الاتفاق الإطاري «التاريخي». فمن الواضح أن إيران والإدارة الأميركية الحالية ليس لديهما تفاهم مشترك ولا يتحدثان نفس اللغة. فإيران ترفض عمليات تفتيش في أي زمان أو مكان، والتخفيف المسبق من العقوبات تم التقليل من شأنه على نطاق واسع، كما أنه رغم جهود الرئيس الرامية إلى تهدئة حلفائنا الخليجيين وطمأنتهم، فإن هناك من يهدد بأنه إذا أبقت إيران على بنية تحتية لإنتاج أسلحة نووية وواصلت طريقها نحو اكتساب قدرة نووية، فإن سباق تسلح نووي إقليمي سيكون حتمياً.

وإذا أضفنا إلى ذلك تصرفات إيران الرعناء في المنطقة (تحويل اتجاه السفن، دعم المليشيات في اليمن والعراق)، وتشديد الكونجرس الذي يكاد يصل إلى الإجماع على ضرورة أن يقول كلمته بشأن أي اتفاق مع طهران.. فبوسع المرء أن يرى بوضوح أن الإدارة الحالية تقف موقفاً دفاعياً بشأن هذه القضايا. ثم إن استطلاعات الرأي تعكس عدم ثقة الجمهور في الطريقة التي يتعامل بها أوباما مع إيران.

والواقع أنه حتى إذا استطاع المفاوضون الأميركيون إخفاء الخلافات المتعلقة بعمليات التفتيش، وبالكشف عن الأبعاد العسكرية لبرنامج إيران النووي، وإيجاد حل بخصوص ما ينبغي فعله بالمواد الانشطارية، فإن الإدارة الحالية لم تعد تسعى لتفكيك البنية التحتية النووية لإيران أو منع هذه الأخيرة من الحصول على وضع قوة نووية. ونتيجة لذلك، فإن هدفها المعلن -منع حدوث سباق تسلح نووي- يصبح مستحيلا. بل إن الاتفاق يقرّب أكثر السيناريو الكارثي الذي يخشاه المحافظون والليبراليون معاً: شرق أوسط تعمه الفوضى ويعج بأسلحة الدمار الشامل.

غير أنه بالنسبة للديمقراطيين، الذين يقدّرون الجهود الدولية لحظر الانتشار النووي، سيمثل هذا الأمر فشلا ذريعاً بعد عقود من الجهود الرامية إلى تخليص العالم من الأسلحة النووية. ففي العام الماضي، وجّه 26 من أعضاء مجلس الشيوخ، بينهم 24 ديمقراطياً، وأعضاء المجلس الأكثر ليبرالية، رسالةً إلى مدير «مكتب التسيير والميزانية» يناشدونه فيها تمويل برامج حظر الانتشار النووي. ومما جاء في الرسالة: «لقد قال الرئيس إن الإرهاب النووي هو التهديد الأخطر بالنسبة للأمن العالمي. ثم أعقب هذه الكلمات باستضافة قمة الأمن النووي الأولى في 2010. ولئن كنا نحيي زعامة الرئيس في قيادة جهد دولي يبتغي تعزيز أمن المواد النووية والمشعة، فإننا ما نزال قلقين بشأن المستقبل إذا نحن أبطأنا هذه البرامج». وحاجج محررو الرسالة بأن الحاجة الملحة المتمثلة في «الإبقاء على المواد النووية والمشعة بعيداً عن أيدي الإرهابيين لا تنسجم مع الأولوية القصوى التي أولاها الرئيس، عن صواب، لأمن المواد النووية والمشعة.. ضمن الجهود الرامية إلى تأمين هذه المواد بوتيرة سريعة. إن موجة الأعمال الإرهابية الأخيرة في العراق وباكستان وكينيا تذكّرنا بمدى أهمية الحرص على ألا تضع التنظيمات الإرهابية والدول المارقة أيديها على أكثر الأسلحة والمواد خطورة في العالم». لكن، كيف سيبررون اتفاقاً لا يتيح لإيران طريقاً إلى قنبلة في المستقبل فحسب، وإنما يضمن قيام آخرين بالشيء نفسه أيضاً؟

وعليه، فإن الاتفاق الذي يمكن أن يفضي إليه الاتفاق الإطاري لن يكون اتفاقاً سيئاً فحسب، وإنما سيمثل أسوء نتيجة ممكنة بالنسبة لمناهضي الانتشار النووي. وهذا واقع لن تنجح حتى الخطب والمناورات الرئاسية في التغلب عليه، وقد يشكّل أصعب عقبة أمام مساعي أوباما الرامية لإرضاء إيران.

نقلاً عن الاتحاد

جينفر روبن

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق