معضلة الدروز: كيف اكتسبت الأقليات الدينية تأثيراً في سورية؟

طيلة الحرب الأهلية المندلعة في سورية، استطاع الأسد فيها الحفاظ على ولاء مختلف الأقليات الدينية في البلاد (المسيحيين، العلويين، الشيعة). وتفضّل هذه المجموعات سلطوية الأسد على مستقبل مجهول يُهيمِن عليه المتطرفون السنة.

الدروز، أقلية وحيدة بدأت تنأى بنفسها عن نظام الأسد، وهي أقلية تُصنَّف ضمن الفرق الباطنية الإسلامية، وتعيش على الحدود السورية مع الأردن وفلسطين. وتتزايد معارضتها للنظام إضافة إلى عدائها الشديد للجماعات الإسلامية المتطرفة.

ورغم أنّ حجم هذه الأقلية صغير، لكنها تبقى مؤثرة من خلالها وضعها الفريد، إذ يبلغ عددها حول العالم قرابة مليونين، وفي سورية وحدها قرابة 700 ألف شخص. ويمكن أن تغير مساعدتها للحلف الدولي بقيادة الولايات المتحدة نتائج الحرب الأهلية في سورية، والمعركة الجارية ضدّ تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

تاريخياً، كان من الصعب تحديد ولاء الدروز في سورية، إذ يميل أفراد هذه الأقلية لعدم إظهار توجهاتهم السياسية، والاحتفاظ بالحالة الخصوصية بهم وفق فقههم اللاهوتي الذي ينصّ على مبدأ التقية وإخفاء المعتقدات الدينية الخاصة بهم خشية اتهامهم بإحداث البدع.

وككثير من السوريين الآخرين القاطنين في مناطق سيطرة النظام، فإنّ العديد من الدروز يخشون التحدث علناً ضدّ الأسد. ومع ذلك، وفي الآونة الأخيرة، لجأ عدد من الزعماء الدينيين الدروز إلى وسائل التواصل الاجتماعي لبثّ مشاعر مناهضة للنظام، كجزء من سلسلة متصلة من الإجراءات الحازمة. فبعد أنّ قدم شيوخ الدروز دعماً كبيراً للأسد فيما مضى، فإنّه يتقدمون اليوم بجملة مطالب صارمة وإنذارات له.

وأهمّ تظلمات الدروز أنّ الأسد لم يقدم لهم ما يكفي من الأسلحة للدفاع عن أنفسهم ضدّ هجمات داعش والقاعدة وجبهة النصرة. إذ ومنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضدّ النظام في عام 2011، قدمت الحكومة السورية الأسلحة للقوات الموالية للأسد فقط، وفي هذه الحالة كانت تلك الأسلحة موجهة للميليشيات الدرزية الموالية للنظام.

ومع تكثّف الهجمات، طالب المزيد من الدروز وخاصة الزعماء الدينيين المعروفين بـ “الأجاويد”، بالأسلحة لأنفسهم، مدعين أنّ الميليشيات الموالية للنظام لم تقم بواجباتها المطلوبة منها. وخلال جنازة لمقاتلين دروز في 17 آب/أغسطس الفائت، قدّم زعيم الأجاويد كلمة طالب فيها بالأسلحة الثقيلة. قائلاً: “إن لم يستطع الأسد تقديم هذه الأسلحة، فإنّ أفراد المجتمع قادرون على الحصول عليها بشكل مستقل”. وقد أكّد بيانه هذا الانقسام المتنامي بين المؤسسة الدينية الدرزية والنظام السوري.

وفي عرض آخر لتأكيد الذات، طالب الدروز إقالة أكبر مسؤول أمن في محافظتهم “وفيق ناصر”. حيث بدأت هذه الحملة في شهر نيسان/إبريل الفائت، بعد أن قام ضباط حكوميون بقياد “ناصر” بالقبض على عدد من الشيوخ الدروز البارزين نتيجة رفضهم المشاركة في احتفال إلزامي لإعادة انتخاب الأسد. وبعد فترة وجيزة من اعتقالهم، أظهرت تسجيلات على الإنترنت، عدداً من الأجاويد المسلحين، وهم يرفعون العلم الدرزي، ويطلقون النار في الهواء، مطالبين بإقالة “وفيق ناصر”، ضمن حالة من الغضب تذكرنا ببدايات الثورة السورية. وفي تأكيد على التضامن الطائفي، انشق عدد من الميليشيات الدرزية المدعومة من النظام وانضموا إلى حملة الأجاويد ضدّ النظام، دون أن تسفر تلك الحملة عن إقالة “ناصر”، وهو أدى إلى توتير العلاقات بين الطرفين.

لقد ظهر الأجاويد كتنظيم سياسي وعسكري يمكن له أن يؤدي أدواراً مهمة في الحرب الأهلية الدائرة في سورية. وعليه، فقد زادت هذه التوترات بشكل كبير خلال العرض الجنائزي الحاصل في آب/أغسطس، حيث طالب الأجاويد بأن تكون السويداء خالية من رموز النظام والمتحدثين باسمه. وقد أظهرت التسجيلات المعروضة على الإنترنت تلك الجنازة الحاشدة التي امتلئ بها المعلب، شبه خالية من أعلام النظام، سوى أعداد قليلة جداً منها، مقابل تفوق كبير للافتات الدروز الملونة، وقد لاحظ النظام ذلك.

فيما أرسل الأسد في 2 أيلول/سبتمبر اثنين من الشخصيات الدرزية البارزة الموالية له، وهما الوزير اللبناني السابق وئام وهاب، والعميد عصام زهر الدين، لنقل رسالة إلى القادة الدروز مفادها: “الدولة تطالبكم بولائكم لها، كم تطالبونها بحقوقكم”، نقلاً عن وئام وهاب كما أظهرته تلك التسجيلات.

ورغم ذلك، برز بعض الأجاويد ككيان سياسي وعسكري مستقل، يمكن لهم أن يلعبوا دوراً بارزاً في الحرب الدائرة في السورية، والتصدي للمتطرفين الإسلاميين الذين يعتبرون تهديداً وجودياً لهم. وخلافاً لتنظيمات الجيش الحر وغيرهم من المجموعات المسلحة فإنّ الدروز كانوا يرغبون في مواجهة داعش والقاعدة قبل مواجهة النظام. ما يؤهلهم لأن يكونوا حلفاء –بشكل طبيعي- لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة.

وباعتبارهم الصوت المستقل الوحيد، فإنّ الدروز قادرون على تحديد مسارات المنطقة الجنوبية من سورية، إذ يقدم الأجاويد لنظام الأسد خياراً معقداً، فإمّا تلبية مطالبهم بالمزيد من الأسلحة مع خطورة تعزيز نزعة استقلالهم على نحو متزايد. وإمّا التراجع من خلال رهان النظام على أن الدروز سيفضلون الأسد في النهاية على أي بديل آخر.

فالأسد لا يمكن له أن يتحمل خسارة الدروز، إذ تعتبر منطقة وجودهم (السويداء) منطقة عزل استراتيجي تمكنه من الدفاع عن مناطق جنوب دمشق في مواجهة المتمردين عليه في جنوبها.

لكن ما لم يكن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على استعداد لتغيير حسابات الأسد من خلال دعم التحالف للدروز، فإنّ الأسد سيظلّ متمسكاً بمساره ذاته، فيما يبقى الدروز عالقين بين نظام استبدادي يحتاجونه على مضض ومتطرفين إسلاميين يخشون منهم.

فراس مقصد

ترجمة: عبد القادر نعناع

 للاطلاع على النص الأصلي، انظر:

Firas Maksad, “The Druze Dilemma: How the Religious Minority Gained Influence in Syria”, 8 October 2014, Foreign Affairs: http://www.foreignaffairs.com/articles/142173/firas-maksad/the-druze-dilemma.

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق