مضيق «باب السلام» وأوهام إيران

من الأوهام التي سعت إيران لترويجها إعلامياً في فترات متباعدة، أنها قادرة على إغلاق مضيق باب السلام، وهي التسمية العربية الأصيلة لما يعرف في الخرائط حسب التسمية الفارسية بمضيق «هرمز». بينما العالم بأكمله يعرف أن التلويح الإيراني بإغلاق هذا المضيق الحيوي مجرد استهلاك رخيص واستعراض لفظي لا أكثر، ويدل على احتياج النظام الإيراني للاتكاء على الأوهام، واستثمار بعضها، كما هو الحال مع وهم القدرة على إغلاق مضيق باب السلام.

الهوية العربية لمضيق باب السلام تتأسس على أكثر من دليل، فإلى جانب أن الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران تقع في محيط المضيق، فإن الجزء الصالح منه لإبحار السفن الكبرى يقع داخل المياه الإقليمية العربية على الساحل العُماني، حيث يتصف هذا الجزء بعمق يتيح للسفن العملاقة العبور بسلاسة. أما الجزء المحاذي للساحل الإيراني فغير صالح للملاحة قياساً بالساحل العربي المقابل، وبالتالي لا تمتلك إيران من مضيق باب السلام إلا الاسم الفارسي المتداول.
يسقط الوهم الإيراني حول المقدرة على إغلاق مضيق باب السلام بشكل تلقائي طبقاً للأعراف والقوانين الدولية السائدة التي تعتبر الممرات البحرية مياهاً دولية وجزءاً من أعالي البحار، ولا يمكن لأي دولة تطل على ممر مائي إغلاقه، ولكل السفن حق المرور فيه.
وكانت طهران تظن أن حلفاءها الحوثيين سينفذون تعليماتها بتهديد الملاحة الدولية في مضيق باب المندب، لكن التحالف العربي سارع بتحرير منطقة باب المندب وأصبح الممر آمناً لعبور السفن، وهكذا تتساقط أوهام إيران وأطماعها تباعاً.
وحتى فيما يخص التهديدات الإيرانية القديمة بإغلاق مضيق باب السلام، كان للإمارات دورها المشرِّف الذي ألجم التهديدات الفارسية مبكراً، لاسيما في منتصف الثمانينيات، من خلال فكرة ذكية وطموحة أطلقها آنذاك الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، عندما اقترح تنفيذ مشروع إماراتي عملاق يتمثل في حفر قناة مائية من ساحل رأس الخيمة إلى ساحل الفجيرة لإيجاد ممر مائي يسمح بعبور السفن التجارية من مياه الخليج العربي مباشرة إلى مياه خليج عُمان وبحر العرب دون الحاجة للمرور بمضيق باب السلام، ورغم أن دولة الإمارات أصبحت منذ سنوات في غنى عن استخدام مضيق باب السلام نظراً لامتلاكها أكثر من منفذ بحري على ضفة خليج عُمان وعلى رأسها ميناء الفجيرة، فإن إعادة التذكير بمشروع شق القناة المائية يؤكد إمكانية دولة الإمارات في تقديم البديل الآمن لحماية التجارة العالمية من القرصنة الإيرانية، وفي الوقت ذاته إكساب موقع الإمارات المزيد من المكانة الإقليمية والعالمية إضافة لما تتمتع به من حضور وأهمية إقليمية ودولية.
عندما طرح الشيخ راشد بن سعيد فكرة الممر المائي الجديد، ظلت الفكرة متداولة بشكل محدود ولم يتم الإعلان عنها، لكن الإيرانيين ارتعبوا من طرح الفكرة وأصابهم الجنون، فسارعوا بإرسال الوفود إلى الشيخ راشد لطمأنته ولإقناعه بالعدول عن مشروع القناة الإماراتية المقترحة، والتي كانت ولا تزال قابلة للتنفيذ وإخراس التهديدات الإيرانية إلى الأبد.
إن احتياج طهران لإطلاق التهديدات الفارغة يتعلق بما يعانيه نظام حكم الملالي من حالة ضعف تزداد حدتها وتتراكم استحقاقاتها بوتيرة عالية، ما يجعله يبيع الأوهام للأقليات والشعوب التي يتكون منها المجتمع الإيراني.
وتكاد دورة حياة حكم الملالي تكتمل، وهم يدركون ذلك ويلجؤون لتسويق الأوهام، بغية التخفيف من غضب الشباب الإيراني وتصوير ما يحدث من غليان كصراع تقليدي بين متشددين وإصلاحيين. فهذه الثنائية لم تعد واقعية، لأن الصراع تجاوز دائرة رجال الدين وأصبح يعم الشارع الإيراني منذ سنوات.
وما لم تقله القراءات حول الاتفاق بين إيران والغرب على تجميد المشروع النووي الإيراني، هو أن إيران قبلت نيل امتيازات مالية لترميم شيخوختها، مقابل التخلي عن الطموح النووي.
رحم الله الشيخ راشد بن سعيد صاحب فكرة الممر المائي القابل للدراسة والتنفيذ إذا ما قررت قيادة الإمارات إنجازه.
نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث
بقلم د. سالم حميد

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق