مشروع توطين القبائل اللورية والبختيارية في الأحواز: دراسة موجزة

منذ أن وطئت أقدام الفرس أرض الأحواز وهم يسعون إلى طمس الهوية العربية، وبذلوا كل ما في وسعهم من أجل ذلك. ولكي يُضفون الطابع الفارسي على هذه الأرض شرعوا في تغيير التركيبة السكانية عبر استقدام الفرس من المناطق الفارسية المحاذية للأحواز كحل استراتيجي. أخطر مشروع نفذ في هذا الصدد هو مشروع “إسكان العشائر” الذي بموجبه تم نقل مئات آلاف العوائل من القبائل اللورية والبختيارية الرحالة من مناطق سكناها الأصلية خلف جبال زاجروس وتوطينها في الأحواز.

بداية المشروع ودوافعه

بدأت الدولة الفارسية بدراسة المشروع في عام 1927 (1). للوقوف على ما يحتاجه المشروع من إمكانيات وأموال بالإضافة الى الطلب من مؤسسات ودوائر الاحتلال الفارسي في الأحواز بتقديم تقارير مفصلة ودقيقة عن الوضع الاجتماعي، والسياسي والثقافي للشعب الأحوازي.

وفي النهاية قررت الدولة الفارسية بعد تصديق البرلمان على هذا المشروع، الإعلان عن تنفيذه بتاريخ 13 آب 1933 (2). وفي عام 1936 صدر أول مرسوم بعد إقرار المشروع يأمر فيه رضا خان ملك الدولة الفارسية آنذاك بتوطين 4000 عائلة بختيارية من إقليم تشار محال وبختياري خلف جبال زاجروس مع توفير كافة الإمكانيات ومستلزمات العيش والأمن على نفقة الدولة في المناطق الجبلية شمال الأحواز(3).

دوافع المشروع لم تكن خفية بل إنها جاءت كنتيجة طبيعية لما تحلم به الدولة الفارسية طيلة قرون لفرض هيمنتها وإضفاء الطابع الفارسي على الأحواز أرضا وشعبا. وبعد الاحتلال جاءت الفرصة المناسبة للوصول الى هذا الهدف الخبيث للسيطرة على الأحواز بشكل أوسع وأقوى، من خلال تغيير التركيبة السكانية وإحلال المستوطنين الفرس بدل السكان الأصليين العرب.

كان واضحا بالنسبة للدولة الفارسية أن الأحوازيين لن يخضعوا للاحتلال والضيم مهما كانت قوة الطرف الآخر، وتجلى هذا الأمر بثورة 1925 لجنود الأمير خزعل بن جابر آخر حاكم أحوازي بدعم من أبناء القبائل في مناطق المحمرة وعبادان، وانتشار حالة الرفض في صفوف المواطنين الأحوازيين يوما بعد يوم على مستوى المدن والأرياف عموما، مما جعل الدولة الفارسية تشعر بالخطر إزاء بروز هذه الحالة وتطورها بشكل واسع وكبير. ومن هنا بدأ الساسة والمفكرون الفرس بطرح الحلول لهذه المشكلة، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها ضرورة تغيير التركيبة السكانية وإضفاء الطابع الفارسي للأحواز عبر الاستيطان وتغيير أسماء المدن والقرى ونشر الثقافة الفارسية.

وبالفعل صرح وكتب الكثير من الساسة والمفكرين الفرس أمثال احمد كسروي ومحمود أفشار وغيرهم في هذا السياق وكتبت الكثير من البحوث والدراسات والكتب في شتى المجالات التي تشوه وتقلب الحقائق على أرض الأحواز لصالح الفرس، ناهيك عن تقديم توصيات للمواطنين الفرس وتجارهم بضرورة الذهاب للعمل والاستثمار في الأحواز مدعومين بضمانات أمنية ومادية.

لماذا القبائل اللورية والبختيارية؟

وقع الاختيار على توطين القبائل اللورية والبختيارية في شمال الأحواز للأسباب التالية:

  • الجانب الجغرافي: مناطق سكنى هذه القبائل تقع في منطقة تفصلها عن شمال الأحواز سلسلة من جبال تسمي زاجروس وبالتالي هم يعيشون في منطقة محاذية لأرض الأحواز من الناحية الجغرافية وعملية توطينهم في الأحواز تكون غير مكلفة وسهلة نسبيا.
  • الجانب الاجتماعي: القبائل البختيارية واللورية بسبب طبيعتها الاجتماعية، كمجموعة من البشر يعتمدون في حياتهم على المواشي والمراعي، لذا عملية الترحال لإيجاد الظروف والأماكن الملائمة للرعي كانت ملازمة لحياتهم. وعادة ما كانوا يتنقلون في فصل الخريف من كل عام في المناطق الجبلية والوديان القريبة منها في أقصى شمال الأحواز نظرا للشتاء الأقل برودة بالنسبة لمناطق سكناهم خلف جبال زاجروس، ناهيك عن وفرة المياه والمراعي وبذلك يكون توطينهم ذا مردود إيجابي من الناحية الاقتصادية. ونذكر أن هذه القبائل قبل الاحتلال كانت تدخل مناطق الأحواز بإذن من حكامها وتدفع الضرائب في مختلف المراحل الزمنية.
  • الجانب التاريخي: مشروع توطين القبائل البختيارية سبق وأن حدث من قبل بعض خوانين البختياريين (شيوخ قبائل) في عهد الدولة القاجارية بدعم منها، وكان من أبرز هؤلاء الخوانين محمد تقي خان جهار لنك 1830-1841، وحسين قلي خان ايلخاني 1846-1882، مستغلين الأوضاع السياسية غير المستقرة بسبب الخصومات والنزاعات الداخلية على الحكم بين أمراء الأحواز في أواخر عهد إمارة بني كعب (4).

ويقول المستشرق البريطاني سر هنري راولينسون إن في عهد محمد تقي خان (حاكم الاقليم البختيارية) تم توطين بعض القبائل في منطقة رامز في قرى بنيت لهذا السبب خلال تلك الحقبة (5). وأكد الأمر ذاته الكاتب الأمريكي غارثويت نقلا عن المستشرق البريطاني سر اوستن هنري لايارد (6). ويضيف لايارد في رحلته كيف رأى قبيلة جانكي استوطنت في عدد من القري برامز (7). وذكر المستشرق الفرنسي بابن وهوسه عن توطين قبيلة ديناروني في سهل انشان (8). وذكر الرحالة الروسي بارون دوبد أن القبائل البختيارية في عهد محمد تقي خان امتهنت الزراعة للعيش بعدما كانت تهتم بالرعي، أي تم توطينها في مستوطنات وتبعا لذلك غيرت أسلوب حياتها (9).

  • الجانب السياسي: ساهمت بعض الشخصيات البختيارية في الدولة الفارسية وعلى رأسهم جعفر قلي خان سردار بهادر وزير الحرب في عهد رضا شاه، وهو من عوائل الخوانين البختيارية. ساهم بشكل كبير بتنفيذ المشروع، وفي عام 1927 أمر رضا خان بتخصيص ميزانية خاصة لهذا المشروع لبناء القرى والوحدات الاستيطانية لهم (10).

استمرار المشروع في عهد الملالي

بعد انتصار ثورة الشعوب في عام 1979، ووصول الملالي إلى سدة الحكم توقف هذا المشروع بسبب الأوضاع السياسية والأمنية المتوترة نتيجة قمع الملالي لمعارضيهم من الأحزاب الليبرالية واليسارية الفارسية، وأيضا حركات التحرر الوطني التابعة للشعوب المحتلة، والعدوان الفارسي على قطر العراق الشقيق الذي استمر ثمان سنوات.

بعدها أنشأت الدولة الفارسية منظمة شؤون العشائر التي تعنى بتوفير الخدمات وكافة الاحتياجات للعشائر الرحالة، بالإضافة إلى عملية استيطان في مناطق تم تحديدها وأنشئ فرع لهذه المنظمة في الأحواز يرأسه حاليا مستوطن بختياري يدعى “علي رحم كريمي”.

أعيد العمل في هذا المشروع عام 1992 (11). وأدرجت الدولة الفارسية موضوع توطين القبائل اللورية والبختيارية في شمال الأحواز ضمن الخطط التنموية الثانية والثالثة والرابعة والخامسة (الحالية) الخاصة بالدولة.

بعد الانتفاضة المباركة لعام 2005 في الأحواز، التي حدثت عقب انتشار وثيقة سرية من مكتب رئيس الدولة الفارسية آنذاك “محمد خاتمي”، تقضي بضرورة تغيير التركيبة السكانية في الأحواز. كانت الشعارات الواضحة من قبل المواطنين الأحوازيين في المظاهرات السلمية بضرورة رحيل كل المستوطنين. كما نفذت المقاومة الأحوازية وعلى رأسها كتائب الشهيد محي الدين الناصر الذراع العسكري لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز ضربات موجعة لبعض مؤسسات الدولة الفارسية التي تعمل في هذا السياق مثل دائرة التخطيط العامة وبنك سامان الداعم والممول لهذا المخطط الخبيث.

من هنا استشعر المسؤولون والمستوطنون الفرس في الأحواز بالخطر المحدق الذي يهدد وجودهم غير الشرعي. لذا قامت كل مؤسسات الدولة الفارسية بالأخص المخابرات بالعمل على تقديم تقارير وأبحاث لمواجهة التحديات في الأحواز، وتقرر أن تكون عملية الاستيطان وتغيير التركيبة السكانية الحل لمواجهة هذا التحدي. وعلى هذا الأساس في المنتصف من شهر مارس لعام 2009، قرر المجرم خامنئي تدشين مشروع لتوطين القبائل اللورية والبختيارية ترعاه “مؤسسة بركت(بركة) ” التي يترأسها خامنئي، وبهذا قد أشرف هو بنفسه على هذا المخطط، وبموجبه تم تنفيذ 424 مشروعا تنمويا وعمرانيا يشمل مد طرق المواصلات وانشاء المدارس والمراكز الصحية وشبكه الكهرباء والمياه والمجاري والاتصالات بكلفة 246 مليار تومان (246مليون دولار)، 90 مليار تومان (90 مليون دولار) قدمتها مؤسسة بركت(بركة) (12). وتقرر تنفيذ المشاريع ضمن مدة زمنية قدرت بسنتين ونصف. عدد المستوطنات المخصصة لهذا الأمر 100 مستوطنة، 13 منها تختارها الدولة الفارسية و87 تختارها القبائل (13). وتلتزم الدولة الفارسية بتقديم قروض مالية تقدر بثلاثين مليون تومان (ثلاثين الف دولار) معفية من الفوائد لكل عائلة لبناء الوحدات الاستيطانية (14). ساهم في تنفيذ هذه المشاريع عدد من مؤسسات الدولة الفارسية في الأحواز وهي: دائرة الكهرباء، دائرة المياه والمجاري، دائرة شؤون العشائر، دائرة الاتصالات، دائرة الصحة، دائرة التعليم والتربية، دائرة الدعوة الاسلامية، دائرة الاوقاف، منظمة خميني للإغاثة، دائرة الزراعة، دائرة الموارد الطبيعية، الشرطة، ودائرة الآثار والسياحة (15).

حجم وأماكن انتشار القبائل البختيارية واللورية في شمال الأحواز

تشير بعض الكتب والتقارير للدولة الفارسية والمستشرقين الغربيين الى أن القبائل اللورية والبختيارية سكنت في البداية في منطقة أرجان ورامز وفي الصالحية وتستر والقنيطرة والمناطق الجبلية، ولكن بعد احتلال الأحواز قامت هذه القبائل بدعم من الدولة الفارسية ببناء تجمعات استيطانية تطورت لاحقا لتصبح مدن وقرى.

أكبر التجمعات الاستيطانية التي أصبحت مدن هي مسجد سليمان وايذه ( ايذج) ودهدز وانديكا ولالي وسالند وباغ ملك وقلعه تل وحسينية وصيدون وقلعة خواجه وآغاجاري وسردشت وجايزان وهفتكل. وهناك من استوطنوا في مدن عربية مثل رامز ورأس البحر والقنيطرة، وصاروا يمثلون نسبة كبيرة من سكان تلك المدن وبنسبة أقل في مدن تستر والسوس. ومدن أخرى مثل الصالحية وأرجان أصبحت بأكملها من المستوطنين فضلا عن مئات القرى. ومن خلال التدقيق في الإحصاء العام للدولة الفارسية لعام 2006 م يتبين أن عدد المستوطنين الذين جاؤوا الى الأحواز عبر هذا المشروع ويسكنون المناطق المذكورة يراوح مليون ومئة ألف شخص (16).

وفي آخر احصاء لعدد العشائر الرحالة في عموم إيران بعام 2008، تبين أن 179 الفا (17) منهم يعيشون في الأحواز في 500 مستوطنة من المناطق الجبلية (المدن الاستيطانية مسجد سليمان و ايذه (ايذج) ودهدز وانديكا ولالي و سالند و باغ ملك وقلعه تل وحسينية وصيدون وقلعة خواجه واغاجاري وسردشت وجايزان وهفتكل) وتستر والقنيطرة والسوس وارجان ورامز والصالحية ورأس البحر (18). وفي إطار مشروع مؤسسة بركت(بركة) في عام 2014 تم توطين 8000 عائلة من قبائل البختيارية واللورية لحد الآن في أرياف مناطق الصالحية وارجان وتستر والقنيطرة والسوس (19).

كيف واجه الأحوازيون المشروع

لم يدرك الأحوازيون هذا الخطر الحقيقي لوجودهم وأمنهم القومي سابقا، وإنْ حدثت بعض المواجهات فهي لا تعدو كونها ردة فعل عاطفية، وأكثر التنظيمات الأحوازية حتى قبل عقدين إما لم تشر إلى هذا الخطر في برامجها السياسية وبياناتها أو أشارت إليه بصورة خجولة دون طرح الحلول لمواجهة هذا الخطر. وعندما نراجع التاريخ السياسي الأحوازي بعد الاحتلال باستثناء ثورة حيدر الطليل عام 1940 في تستر التي حدثت على خلفية اعتداء القبائل اللورية والبختيارية المدعومة من الدولة الفارسية على القبائل العربية في محاولة لاغتصاب الاراضي الزراعية وبعض العمليات التي قام بها الشهيد حاتم جعلوش (حته) ورفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز ضد المستوطنين الفرس من القبائل اللورية والبختيارية في السوس والقنيطرة والصالحية لا نرى مواجهة حقيقية تذكر.

لكن في العقدين الأخيرين أصبحت أكثر التنظيمات الأحوازية تولي اهتماما كبيرا بهذا الموضوع الخطير، بيد أنها مازالت لم توضح رؤيتها حول كيفية مواجهته. وهو الذي يهدد الأمن القومي الأحوازي على المديين القريب والبعيد؛ والسبب يعود إلى تصور أغلب التنظيمات الأحوازية إن أي عمل لمواجهة هذا الخطر يعتبر عملا إرهابيا من وجهة نظر دول العالم الغربي.

إعداد: لجنة الدراسات والبحوث/ حركة النضال العربي لتحرير الأحواز

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

 

هوامش

1 – سردار بهادر ،خاطرات سردار اسعد، 1378 ص 256

2 – وثيقة رقم 1/6/7 – 291

3 –  وثيقة رقم 6/650/12007

4 – عبدالنبي قیم ،« پانصد ساله  تاریخ خوزستان » ، ص 421- 427

5 – راولينسون ، سفرنامه راولينسون، 1362، ص 148

6 – غارثويت،تاريخ سياسي واجتماعي بختياري ،1373  ،ص 126

7- لايارد،  سيري در قلمرو بختياري وعشاير بومي خوزستان،1371،ص 40

8 – بابن وهوسه، سفرنامه جنوب ايران،1363،ص 67

9 – بارون دوبد، سفرنامه لرستان وخوزستان، 1371، ص 303

10- وثيقة رقم 2/6/7 -291

11 – جريدة مردم سالاري رقم 1573 في تاريخ 31-4-1386

12 – وكالة فارس للانباء ،رقم الخبر8909060848 ، بتاريخ 6-9-89

13 – نفس المصدر

14 – وكالة مهر للانباء بتاريخ 14-10-89 .

15 – وكالة فارس للانباء ،رقم الخبر8909060848 ، بتاريخ 6-9-89

16 – مركز امارايران ، نتايج تفصليلي سرشماري عمومي نفوس ومسكن خوزستان 1385

17 – مركز امار ايران، سرشماري اجتماعي واقتصادي عشاير كوجنده كشور،1387

18 – وكالة مهر للانباء ، 19- 6- 91

19 – موقع خوزنيوز، 24 -4 -93 ، رقم الخبر 66767

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق