مستقبل دول الخليج العربي

من الجنون جداً أن يستمر الإماراتي والقطري والكويتي والبحريني والعُماني في تحديث دولهم وتمدينها ورص جبال الثروة بعضها فوق بعض، من غير أن يبنوا جيوشاً عظيمة تحمي هذه المكتسبات الوطنية وتذود عنها.

من غير المعقول أن تنمو شجرة الاقتصاد وتتعاظم بشكل سنوي في هذه الدول من غير أن يكون لها معادل عسكري يوفر لها أسباب البقاء والحياة.

لكن في المقابل من غير المنطقي أن تبني دولة مثل الإمارات جيشاً قوياً من مئات الآلاف من الرجال ومئات الطائرات المقاتلة وآلاف القطع العسكرية، لهذه الغاية. ومن المستحيل أن توازن قطر، بشعبها قليل العدد، بين ثورتها الاقتصادية والقدرة على حماية هذه الثورة! الكويت والبحرين غير قادرتين كذلك على فعل ذلك. السعودية وحدها من بين دول الخليج التي تستطيع أن تبني قوة عسكرية تعادل بنية ثرواتها.

لهذا، وبناء على السبب البدهي أعلاه، والسبب الاستراتيجي اللاحق، فإن بناء جيش خليجي كبير تابع لدول الخليج الست أضحى أمراً ملحاً وضرورة كبرى وليس خياراً خاضعاً لحسابات «الصفاء» بين الإخوة قادة دول مجلس التعاون الخليجي.

بدهياً، فإن وجود جيش خليجي أول في قطر، وثانٍ في الإمارات، وثالث في الكويت، ورابع في السعودية، وقاعدة بحرية ضخمة في عُمان، وقاعدة جوية كبيرة في البحرين، سيؤمِّن جداراً عالياً يحمي المكتسبات الخليجية الحالية، ويضمن مستقبلاً آمناً للتطلعات الاقتصادية وأماني البناء والتحديث والتمدين.

الإمارات ليست كسويسرا المحايدة، وقطر ليست كسنغافورة البعيدة عن تهديد جيرانها، فدول هذه المنطقة تعيش تحت تهديد دائم، يجعلها خاضعة باستمرار للوصاية الخارجية في ظل غياب الجيش المحلي الحامي، وهو ما لا يؤثر فقط في حسابات إنماء الثروة، بل يتعدى ذلك إلى ارتهان القرار السياسي الخليجي لمصالح «الوصي»، عربياً كان أم أجنبياً.

بدهي أن تبني وتحمي في الوقت نفسه، أما من الناحية الاستراتيجية فإن صوت دول الخليج مجتمعة بشكل عام وصوت السعودية منفردة على وجه الخصوص سيحظى بثقل ثالث، إضافة إلى الثقلين المالي والديني، وهو ما سيسهم في حل كثير من المشكلات العالقة في المنطقة، فالقوة في أحايين كثيرة تعد جهاز ردع؛ لنشوء كثير من القضايا الموجهة.

لو قدر للجيوش المتوزعة في دول الخليج، نظرياً في هذه المقالة، أن تتشكل قبل 10 أعوام، لما تجرأت إيران على التوغل في العراق بهذا الاستسهال الغريب، ولخضعت القوى اليمنية للرغبة الخليجية في إيجاد حل شامل ودائم يحمي اليمنيين أولاً، ويحمي جيرانهم ثانياً. لو كان الخليجيون يمتلكون ترسانة عسكرية ضاربة، لما زايدت تركيا على استقرارهم من خلال تبني مجموعة من المؤمنين بزعامة تركيا التاريخية للدول الإسلامية، ولأجبروا الرئيس الأميركي باراك أوباما على تبني قضيتهم في المسألة النووية الإيرانية.

الجيش الخليجي الموحد سيبني اقتصاداً قوياً وموحداً لدول الخليج، والاقتصاد كما هو معروف هو الركيزة الأساس لأية وحدة إقليمية، فالحصان الاقتصادي يجر العربة السياسية، ولا يصح العكس، ومن ثم فإن الوحدة الخليجية ستقوم بشكل أوتوماتيكي على مستوى النظرية والتطبيق من غير أن يحتاج الخليجيون إلى إصدار «فرمانات سياسية» ترسم وحدة معلقة في الهواء، قابلة للكسر والهدم في أي وقت، وبأوهن الأسباب وأقلها موضوعية.

اتحد الخليجيون قبل أكثر من ٣٠ عاماً بسبب خطر إقليمي معين، وظلوا يلوكون هذه الوحدة في أغانيهم الوطنية ومحافلهم الأدبية، لكنهم لم يتجاوزوا أبداً مرحلة البدايات، ولم يبنوا واقعاً وحدوياً متيناً يحميهم من التقلبات السياسية الداخلية لدول المجلس، لسبب بسيط وجوهري، هو أن هذه الوحدة الخليجية قامت على طارئ أمني خارجي لم يلبث أن زال تاركاً وراءه قالب وحدة فارغاً، لا يتناسب إلا مع جسم هذا الطارئ الأمني.

واليوم، كما حدث الأسبوع الماضي في قمة الدوحة، يعود الخليجيون من جديد إلى «الوحدة السياسية» في مواجهة الخطر الداعشي الجديد. سيبنون قالباً وحدوياً يتناسب مع جسم «داعش»، ثم يعودون من جديد إلى مشكلاتهم الوحدوية بعدما يزول هذا التنظيم، تاركاً خلفه قالب وحدة فارغاً لا يعمل في الأجواء الصحية.

الوحدة الحقيقية هي وحدة الاقتصاد المشترك، الذي يحميه الجيش الخليجي القوي وتعززه الإرادة السياسية الواحدة، أما ما عدا ذلك فسيظل مجرد أغنيات تلفزيونية واجتماعات سنوية مشبعة برائحة البخور ومتزينة بـ«المشالح» الملونة والضحكات ذات القوالب المصنوعة سلفاً.

عبدالله ناصر العتيبي

نقلا عن الحياة اللندنية

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق