مجلس قيادة الثورة بوابة عودة خميني لهرم السلطة وتأهيل النظام في إيران

بعد ما أعلن الحفيد حسن أحمد خميني، عن عزمه الترشح لمجلس خبراء القيادة، أربك جناحيّ النظام الإيراني -­الإصلاحي والمتشدد- وحوَّلهم بين مؤيد ومعارض. وتفيد القراءة الأولية لهذا الإعلان عن ظهور ثلاثة اتجاهات في الشارع السياسي الإيراني، من الممكن حصرها على النحو التالي:

الاتجاه الأول، ينبني على قدسية شخصية روح الله خميني مؤسس جمهورية إيران الإسلامية وخاصة عند الفئة المتوسطة، وتأثيرها في نفوس هذه الشريحة الواسعة -التي تُشكِّل السواد الأعظم- من الإيرانيين -أي الفئة الموالیة للنظام-، الذين لا ينتمون أصلاً لأي توجه سياسي -إذا صح التعبير- الأصولي المتشىدد والتيار الإصلاحي المعتدل، فهؤلاء فرحون بمجيئه -أي سيد أحمد خميني- لمجلس خبراء القيادة هذا أولاً. وأما الاتجاه الثاني، فيتمثّل في الأصوليين والمتشددين والذين عُرِفُوا مؤخراً بـ “دلواپسان” ومعنى هذا المصطلح باللغة العربية “القلقون”، وتداول هذا المصطلح في الشارع الإيراني بعد الاتفاق النووي، عندما عبّر هؤلاء المتشددون عن خوفهم من سير المفاوضات التي كانت مع الولايات المتحدة الأمريكية، بل ذهب بعضهم أبعد من هذا وقالوا عن الاتفاق النووي إنه يشبه اتفاقية “تركمانجاي” الشهيرة بين الروس من جهة والفرس في عهد فتحعلي شاه من جهة ثانية، والتي على إثرها فقدت إيران في تلك المرحلة من تاريخها بعض المناطق التي كانت سياسياً تخضع لسلطان الفرس. وأما الإتجاه الثالث: ممثلاً بالمعتدلين والإصلاحيين بقيادة هاشمي رفسنجاني، ويسعى هؤلاء بألّا يُحسَب حفيد الخميني على تيار معين، لعل يمكنهم من تمرير مشروعهم الرامي لإقصاء المتشددين الذين يمسكون بالسلطة منذ مجيء الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، والذي كان مدعوماً بقوة من قبل الحرس الثوري قبل أن ينقلب عليهم في نهاية المتطاف.

أمّا حقيقة ترشيح حفيد الخميني: يأتي هذا الأمر نتيجة للصراع الدائر في أروقة النظام في طهران، وكذلك ضمن مشروع كبير يشكل حسن خميني الجزء البسيط منه، ومُسيّر بكل تأكيد. حيث تشير المعطيات إلى أنّ هذا المشروع هو من هندسة هاشمي رفسنجاني، والذي يهدف من خلاله إلى الأمرين التاليين:

أولاً: إزاحة التيار المتشدد رويداً رويداً، إذا ما أعتبرنا أنّ منصب المرشد -الولي الفقيه- يأتي من بوابة مجلس خبراء القيادة.

ثانياً: يهدف هاشمي رفسنجاني إلى تأهيل نظام الملالي الذي فقد الكثير من بريقه في السنوات الأخيرة بسبب السياسات المتبعة من قبل المتشددين.

ولفهم هذا الصراع لابد أن نطّلع ولو بشكل جزئي على الأمور التالية:

أولاً، أهمية مجلس خبراء القيادة في نظام طهران:

یعتبر مجلس خبراء القيادة في إيران من الهئيات السياسية المهمة في نظام جمهورية إيران الإسلامية، والذي يتشكل من 86 عضواً عهد إليهم الدستور: مهمة تعيين، ومراقبة، وعزل المرشد -أي الولي الفقيه-. إذ حدد الدستور هذه المهمة من خلال المواد التالية:

المادة 107: حدد الدستور الإيراني أن مهمة تعيين المرشد من قبل الخبراء الذين ينتخبون من قبل الشعب (راجع المادة 91 من الدستور الإيراني)، حيث نصت هذه المادة على الشكل التالي: بعد المرجع والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية، ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية سماحة آية الله الإمام خميني الذي اعترفت الأكثرية الساحقة بمرجعيته وقيادته، تُوكَل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من قبل الشعب.

وعلى ضوء هذه المادة يتشاور الخبراء بشأن كافة الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين الـ 5 و 109 من الدستور، لذا، في حال شخَّص هؤلاء الخبراء فرداً منهم باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، وكذلك المسائل السياسية والاجتماعية، ولاسيما حيازته تأييد الرأي العام فسوف ينتخبونه للقيادة، وإلا فسينتخبون أحدهم ويعلنونه قائداً.

المادة 108: القانون المتعلق بعدد الخبراء والشروط اللازم توفرها فيهم، وكيفية انتخابهم والنظام الداخلي لجلساتهم بالنسبة للدورة الأولى، يجب إعداده بواسطة الفقهاء الأعضاء في أول مجلس لصيانة الدستور، ويصادق عليه بأكثرية أصواتهم. وفي النهاية يصادق قائد الثورة عليه. وبعد ذلك فإن أي تغيير أو إعادة نظر في هذا القانون -والموافقة على سائر المقررات المتعلقة بواجبات الخبراء- يكون ضمن صلاحيات مجلس الخبراء.

وعليه، أعطى الدستور لمجلس خبراء القيادة الإشراف على عمل القائد وذلك من خلال دراسة قراراته وفقاً للمادة الـ ­110 من الدستور الإيراني وتقيمها. كما جاء في الدستور الإيراني أيضاً، في حال وجد هؤلاء الخبراء أية إبهام في عمل القائد يقوم المجلس بمخاطبة القائد والاستفسار عن ذلك الإبهام.

المادة 111: عند عجز القائد عن أداء وظائفه القانونية أو فقده أحد الشروط المذكورة في المادة الـ 5 والمادة الـ 109 من الدستور أو علم فقدانه لبعضها منذ البدء، فإنه يُعزَل عن منصبه، ويعود تشخيص هذا الأمر إلى مجلس الخبراء المذكور في المادة الـ 108 من الدستور. وفي حالة وفاة القائد أو استقالته أو عزله، فإن الخبراء مكلفون بالقيام بأسرع وقت بتعيين القائد الجديد وإعلان ذلك.

ويتكون مجلس خبراء القيادة من هيئة رئاسية، وأمانة عامة، وهيئة تحقيق، وست لجان متخصصة، وهي كالتالي:

  • لجنة التحقيق، والقصد هنا التأكد من إجراء المادة الدستورية رقم 111، فهذه المادة لمراقبة واستمرارية الوضع الخاص بالمرشد (راجع المادة 5 و109 من الدستور).
  • لجنة اللوائح، تقوم هذه اللجنة بدراسة وتشريع القوانين الخاصة بالمجلس، راجع المادة رقم 108 من الدستور.
  • لجنة الأمانه العامة، تنظر في الشروط وسمات المرشد وكافة الأشخاص الذين قد تُطرح أسماءهم لتولي هذا المنصب، وكذلك تقديم النتائج لهئية رئاسة المجلس ضمن تقرير سري للغاية، لا يدخل أبداً في عملية التصويت التي يشرف عليها المجلس في اختيار المرشد المفترض، وقد يطّلع عليها المرشد عند الضرورة.
  • اللجنة الأمنية، والتي تعمل على التحقّق من الطرق المتبعة للحفاظ على الولي الفقيه -أي المرشد-، وكذلك التحقيق والتعريف عن فكرة الحكومة الإسلامية وفكرة الولي الفقيه.
  • اللجنة السياسية والإجتماعية، والتي تعمل على نشر القضايا السياسية والإجتماعية الخاصة بوظائف أعضاء المجلس.
  • اللجنة المالية والإدارية للمجلس.

 

ثانياً، دور الحرس الثوري وعلاقته بمجلس خبراء القيادة:

تأتي أهمية دور الحرس الثوري في جمهورية إيران الإسلامية وعلاقته بمجلس خبراء القيادة، من خلال: أولاً، حراسة الثورة الإيرانية ومكتسباتها والتي قامت في عام 1979، ومازالت مستمرة ليومنا هذا. ثانياً، العلاقة العضوية -إذا صح التعبير- بين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية (المؤسسة الدينية) ومؤسسة الحرس الثوري العملاقة ذات الأبعاد العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية والثقافية الممتدة خارج الحدود الإيرانية. ثالثاً، يتمّ تعيين المرشد -أي الولي الفقيه- من قبل مجلس خبراء القيادة، أو يُختار من بين أعضاء هذا المجلس. كما أنّ هذه العلاقة -بين الحرس الثوري والمرشد- مبنية على استراتيجية ذات أهداف معينة ومحددة، تسعى المؤسسة الدينية وعلى رأسها الولي الفقيه إلى تنفيذها، وقد رُسِمت منذ ثلاثة عقود، وكان هدفها الرئيس أن تحكم إيران الشيعية يوماً ما العالم الإسلامي -أو بالأحري العالم العربي-، وكُلِّف لتنفيذ هذه الاستراتيجية “فيلق القدس” الجناح الدولي للحرس الثوري، وسخّر له العديد من القنوات المالية والبشرية والإعلامية.

ومن جانب آخر، فإن اتساع دور ونفوذ الحرس الثوري في السياسة الداخلية والخارجية لإيران، أعطاه المشروعية شبه التامة لصناعة القرار السياسي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى درجة أن يصرح “علي سعيدي” ممثل المرشد في الحرس الثوري قبيل الانتخابات الرئاسية الماضية، والتي فاز من خلالها حسن روحاني بمنصب رئاسة الجمهورية، قائلاً: “إن هندسة الانتخابات بشكل منطقي ومعقول من قبل الحرس الثوري وظيفة جوهرية”. كما إن هذا المنطق للقادة في الحرس الثوري ومؤسساتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية العملاقة ينطبق كلياً على اختيار الخليفة المحتمل للمرشد الحالي على خامنئي، بحيث إن العلاقة -كما ذكرنا سابقاً- هي علاقة تكاملية ذات أهداف معينة ومحددة داخلياً وخارجياً.

 

ثالثاً: الخليفة الأمثل للمرشد علي خامنئي

بما أن الشخصية التي تعتلي سدة ولاية الفقيه -المرشد الأعلى- سوف يتم تعينها من قبل مجلس خبراء القيادة أو يتم أختيارها من بين أعضاء المجلس. إذاً، لابد من توافر الشروط التالية وهي: أولاً، إيراني الأصل والنسب. ثانياً، من “السادات” أي -هاشمي النسب- بمعنى يجب أن يكون من بيت الرسول محمد. ثالثاً، مؤمناً بنظرية ولاية الفقيه. كما أنّ الواقع السياسي والهرمي لحكم الملالي وطبيعته في طهران تختلف عن غيرها من الأنظمة المتعارف عليها في العالم، ففي نوعية الأنظمة المتداولة في العالم تكون القاعدة الشعبية غالباً هي المؤثرة في صناعة القرار السياسي، إنما في إيران فهي العكس تماماً، حيث تُسيّر الجماهير من قبل هرم السلطة -أي الولي الفقيه-. لذا، فإن الاعتبارات الآنفة الذكر في اختيار خليفة المرشد مهمة جداً.

وعليه، من الممكن أن ننظر في شخصيتين قد تكونان الخيار الأمثل لخليفة المرشد في إيران؛ هما:

أولاً: آية الله سيد محمود هاشمي شاهرودي، وأهمية هذا الشخص كونه من الفقهاء في مجلس خبراء القيادة ونائباً للرئيس، وكذلك عضواً في مجمع المدرسين لحوزة قم، وعضواً في مجلس تشخيص مصلحة النظام، كما أن المرشد علي خامنئي عيّنه رئيساً لأهم المؤسسات الشيعية والتي تعرف بـ “دائرة المعارف لمذهب أهل البيت”. وهو كذلك رئيس سابق للقضاء الإيراني لعشرة أعوام، ورئيس حالي للجنة العليا لحل الخلاف بين السلطات الثلاث. وبالإضافة للمناصب سابقة الذكر، يعتبر سيد محمود شاهرودي من أكثر الفقهاء الإيرانيين علماً ومعرفة في أصول الدين والدنيا، كما أنه من “المراجع العظام” حسب مفهوم الفكر الشيعي، ولاسيما أن شاهرودي كان أستاذاً للمرشد علي خامنئي، وهو من مواليد مدينة النجف العراقية، مما لهذا الأمر أثر في أبعاد انتخابه كـ “ولي لأمر المسلمين”.

ثانياً: آية الله سيد حسن خميني، تأتي أهميته كونه حفيد روح الله خميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث إن حظوظه في انتخابه لمجلس خبراء القيادة وارد وبقوة جداً. كما أن سيد حسن خميني يعتبر حالياً من المدرسين الكبار في حوزة قم العلمية، ولديه علاقة جيدة مع كافة المراجع الشيعية في إيران وخارجها. ولسيد حسن خميني مكانة اجتماعية وسياسية أفضل بكثير عن الشخصيات الدينية التي تمّ تداولها لخليفة المرشد الحالي سيد علي خامنئي، في السابق وفي المستقبل. ويعتبر رجل دين معتدلاً، وسياسياً محسوباً على التيار الإصلاحي في إيران، ومقرباً من هاشمي رفسنجاني الذي يقود حملة إصلاح وتأهيل النظام. وفي حال قرر مجلس خبراء القيادة (مجلس خبرگان) انتخاب سيد حسن حفيد الخميني خليفة للمرشد الحالي، فإن مجلس الخبراء قد يضمن استمرارية نظام ولي الفقيه لفترة أطول، كون سيد حسن خميني شاباً في الـ 43 من العمر.

 

رابعاً: دور هاشمي رفسنجاني في تأهيل نظام الملالي واستمراريته

إنّ المتابع للشأن الإيراني مطّلع على أنّ هاشمي رفسنجاني يعتبر أهم الشخصيات القيادية في نظام ملالي طهران، منذ أن اعتلى هؤلاء الحكم في عام 1979 ميلادي. كما أنّ القارئ الكريم مطّلع أيضاً على السياسات المتبعة من قبل الساسة في إيران، والتي أوصلت البلاد والعباد إلى حالة مأساوية يرثى لها داخلياً وخارجياً. وعليه، اختلف رفسنجاني في السنوات الماضية مع المرشد علي خامنئي والحرس الثوري، لاسيما مع الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد على إدارة القضايا الرئيسة للبلاد.

من ناحية أخرى، حاول رفسنجاني وخاصة في السنوات القليلة الماضية أن ينقذ البلاد التي كانت ومازالت على وشك الإنهيار، من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لاسيما الانفتاح الجزئي على الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة، وكذلك على دول الجوار وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. إلا أنه فشل ولم يتمكن فعلاً من فعل أي شيء، وذلك لضعف التيار الإصلاحي في المطبخ السياسي الإيراني، خاصة بعد أحداث 2009.

لكن في واقع الأمر، لم يفقد رفسنجاني الأمل بعد، لأنه يدرك تماماً أنّ التغيير الذي سعى من أجله لن يأتي إلا من خلال تغيير هرم السلطة في طهران والمتمثل بشخص المرشد علي خامنئي. لذا، سعى رفسنجاني لتحقيق أحد الأمرين لإصلاح نظام ملالي طهران وتأهيله: أولاً، إعادة طرح فكرة موضوع إيجاد لجنة مشتركة من أعضاء مجلس خبراء القيادة، لقيادة البلاد. فإعادة طرحها في الأيام الماضية والتي أججت الصراعات البينية، تعتبر ضربة موجعة لمكانة المرشد -­أي الولي الفقيه- في المجتمع الإيراني. ثانياً: الدفع بترشيح حفيد الخميني سيد حسن، لمجلس خبراء القيادة، فهذا يعني إعادة حقبة الخميني لكنها معتدلة لهرم السلطة وبالضرورة صعود التيار المعتدل والذي يعتبر هاشمي رفسنجاني الواجهة الحقيقية له.

إنما، يبقى السؤال الأهم، هل فعلاً يستطيع رفسنجاني أن يتقلب على التيار الأصولي المتشىدد والمتحالف مع مؤسسة الحرس الثوري العسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية العملاقة أم أنه وهم ليس إلا؟

جمال عبيدي

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق