متاجرة إيران بدماء الحجاج

اقتربت قوات التحالف العربي من تحقيق أمل تحرير اليمن بعدما بدأت المساحات التي دنّسها الحوثيون في اليمن تنكمش لمصلحته، خاصة وأن الأرض اليمنية بدأت تضيق بالحوثيين الذين لم يتبق في أيديهم غير العاصمة التاريخية صنعاء وأجزاء من مأرب، وحتى هذه الأجزاء التي تمت محاصرتهم بها، لايزال التحالف يحرز فيها تقدماً متواصلاً رغم قلة سرعته التي نتجت عن الألغام التي زرعوها، إضافة لحرص التحالف على أرواح المدنيين الذين اتخذهم الحوثيون دروعاً بشرية.

ومع اقتراب قوات التحالف من إحراز النصر المحتوم، جاء اتصال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للتشاور حول الموضوع السوري، وذلك قبل يومين من إلقائه خطاباً أمام الأمم المتحدة بهذا الخصوص، وقد جاء الاتصال بمبادرة من روسيا كما أورد الكرملين ما يعني أن الروس يدركون أهمية دور التحالف العربي في حلّ الأزمة السورية التي بدأت تتخذ منحنيات جديدة.

إيران التي تعتبر نفسها لاعباً أساسياً في المنطقة، وتعتقد بأنه لا مشكلة يمكن حلحلتها دون مشاركتها أو الرجوع إليها، وجدت في اقتراب التحالف العربي من تحرير الأرض اليمنية كارثة حقيقية ستحل بها، فهزيمة الحوثيين في اليمن تعني هزيمة إيران، لأن الحوثيين يمثلونها في المنطقة، ويحاربون عنها بالوكالة، وينفّذون كامل مخططاتها، بينما استشارة الرئيس الروسي الذي تعتبره حليفها الأول الذي تتوقع منه نصرتها ظالمة أو مظلومة، مثّل اعترافاً واضحاً بقوة وقدرات التحالف العربي الذي يواجهها بكل حزم واقتدار، خاصة بعدما أفلحت معارك اليمن في تعرية تهديداتها الجوفاء، وأبانتها كنمر من ورق، فمشاكل اليمن وسوريا ما كانت ستكون لولا التدخل الإيراني المباشر وغير المباشر، والطائفية التي حاولت نشرها في المنطقة هي السبب الرئيس الذي استغله الإرهابيون لتدمير المنطقة.

اتصال الرئيس الروسي جاء معلناً تركيزه على محاولة البحث عن حل للوضع في سوريا وحصول تنسيق دولي فعال من أجل التصدي لتنظيم داعش، وهو ما يعني أن اعتماد روسيا على إيران وحدها غير كاف، وأن روسيا أدركت تمام الإدراك بأنه لا حل جذري في سوريا بغير تدخّل التحالف العربي الذي يعدّ من أكثر المعنيين بالأزمة وتداعياتها، والأكثر حرصاً على عودة الأمور إلى نصابها الصحيح.

وما أن أعلن وزير الصحة السعودي المهندس خالد الفالح عن حادث تدافع مشعر منى وارتفاع عدد الوفيات إلى 769 حالة، والجرحى 934، حتى رأى الملالي في الحادثة فرصة للتشفّي وتنفيس الغيظ المكتوم جراء ما تجرعوه عبر تابعيهم في اليمن، وأيضاً جراء لجوء حليفهم للتحالف الذي يواجههم في اليمن، فبدأوا بإصدار الأقوال والبيانات غير المسؤولة التي حاولت إيران من خلالها أن تروّج لقصور سعودي تسبب في هذا الحادث، فقد دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى فتح تحقيق حول هذا التدافع الذي سبب الحادث المأساوي.

السعودية وعلى لسان وزير خارجيتها عادل الجبير وأمام نظيره الأميركي جون كيري في نيويورك، رفضت هذا الصلف الإيراني، وقال الجبير (أعتقد أنه أفضل للإيرانيين أن لا يستغلوا سياسياً مأساة طالت أناساً كانوا يقومون بالشعائر الدينية المقدسة” وقد جاء التصريح تأكيداً لما أعلنه الجبير مسبقاً خلال اجتماعه بمديري وقادة القطاعات الأمنية المشاركة في أعمال حج هذا العام بالسعودية.

وبالرغم من أن المملكة وفور وقوع الحادث وعلى لسان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، أعلنت بأن الأمر يحظى بالاهتمام والمتابعة الشخصية للملك الذي أمر بفتح تحقيق حول الأسباب ومحاسبة المقصّرين لو ثبت قصور، إلا أن إيران ظلّت تختلق القصص الخيالية حول كيفية حدوث ما حدث، وتطالب بفتح تحقيق متجاهلة ما أعلنته المملكة قبلاً عن فتح تحقيق.

ومع أن المملكة العربية السعودية قد أنفقت طائل الأموال في الأعوام السابقة لتوسعة الحرم، وعمل كل ما يمكن عمله لراحة ضيوف الرحمن، إلا أن حادثتي سقوط الرافعة وتدافع منى تناولهما الإعلام الإيراني بطريقة مريبة حاول عبرها نسف جهود المملكة الكبيرة الظاهرة للعيان، وهذه ليست المرة الأولى التي تستغل فيها إيران حادثاً مأسوياً لخدمة مآربها السياسية الخبيثة، فقد سبق لها في أكثر من موقف القيام بالمتاجرة في الأحداث والموتى، وقد فعلتها في العراق وسوريا وفلسطين وأفغانستان ولبنان وفرنسا وغيرها من مواقع تدخلها المدمر في كل مكان.

وفي السنوات السابقة سجّلت إيران تاريخاً أسوداً في مواسم الحج التي كانت تدسّ فيها عناصرها بين الحجيج للقيام بتظاهرات ومحاولات لإثارة شغب يفسد على الحجاج التمتّع بما توفره لهم السعودية من خدمات، وهددت في أكثر من مرة عبر منسوبيها بالقيام بأعمال شغب في الأراضي المقدسة.

لتحالف العربي دون شك أضحى شوكة في خاصرة الأوهام الإيرانية، فقد حدّ من نفوذها في اليمن، ولم يخف مخططاته بالمضي في تطهير كامل الأرض العربية من جرثومة الطائفية التي تروجها إيران كبضاعة بدا كسادها واضحاً في المنطقة بعدما عانت الكثير من ويلاتها.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق