ما وراء التكهنات الإيرانية بـ “خروج قطر من مجلس التعاون والاتجاه نحو الجمهورية الإسلامية” (1)

بالرغم من العقيدة الإيرانية الصريحة والراسخة، التي تسوقها بشكل يومي في وسائل إعلامها حول” اضطلاع قطر في دعم الجماعات الإرهابية في دول الثورات العربية”2، وفي سياق من الرهانات الإيرانية على الخلافات القطرية مع بيتها الخليجي، إلا أن براغماتية السياسة الإيرانية، لم تمنعها من التنسيق والانفتاح السياسي والاقتصادي على قطر،  منذ الزيارة التي قام بها وزير خارجية قطر إلى إيران في أواخر فبراير 2014، وانتهاءًبتوقيع الدوحة قبل أمس 6/7/ 2014، على اتفاقية إنشاء منطقة إقتصادية حرة مشتركة مع إيران، حيث اعتبرت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) “أن تعزيز التعاون مع قطر، سيلعب دوراً محورياً في تحقيق نمو مستدام بالسوق الإيرانية”، بينما رأت صحيفة طهران تايمز، ” أن الاتفاق سيمكن التجار الإيرانيين من إقامة مستودعات ومنشآت خاصة بمنتجاتهم على الأراضي القطرية”.

لقد جاءت إتفاقية إنشاء منطقة إقتصادية حرة مع إيران، في سياق العديد من الزيارت المسبقة والتنسيق السياسي الإيراني – القطري خلال العام الماضي، فالاتفاقية جاءت تتويجاً للعديد من الفعاليات والنشاطات الإقتصادية المتبادلة، التي أوصلت التبادل التجاري بين إيران وقطر إلى أكثر من 114 مليون دولار العام الماضي، واستوردت الدوحة ما قيميته 96،6 مليون دولار من المنتجات غير النفطية من طهران.

وفي معادلة إيرانية مزدوجة المنافع على الصعيدين السياسي والإقتصادي، سواء لجهة تقليص الدور السياسي المركزي للمملكة العربية السعودية في محيطها الإقليمي والخليجي، أو لجهة الضغط على الدور المركزي الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة في محيطها الإقليمي والخليجي أيضاً.

 وعليه يأتي السلوك السياسي القطري، في إطار تأكيد مصداقية التكهنات الإيرانية، التي أطلقها العديد من المسؤولين والمفكرين الاستراتيجيين الإيرانيين، الذين توقعوا منذ بداية العام 2014، ميل قطر وتوجهها إلى إيران في المستقبل، وإلى سعيها في زيادة حجم التعاون الإقتصادي.

 تولي إيران في علاقتها مع قطر، أهمية للانفتاح الاقتصادي، أكثر من الانفتاح السياسي، لاسيما وأن الأخير، لم يعد اليوم إلا تحصيلاً حاصلاً، أو منعكساً لماهية العلاقات الاقتصادية، التي أصبحت ناظماً فعلياً لسير العلاقات السياسية، التي أصبح الاقتصاد موجهاً لها، بما يتناسب وبنية النظام الدولي، القائم على التنافس والتواطؤ الاقتصادي، في رسم خارطة التجاذبات السياسية.

وعلى قاعدة توازن الخسائر، ترى قطر في توجهها نحو إيران، أنها ستوجه ضربة للدور السياسي السعودي في إقليمها، لاسيما وأن الأخيرة استطاعت أن تسحب البساط من قطر، في العديد من الملفات الإقليمية، وأن تعيد قوتها المركزية في الخليج والمنطقة العربية، وهو ما تأكد من خلال الرهانات السعودية على الحالة المصرية، التي انتهت لصالحها.

وعلى قاعدة توازن الخسائر أيضاً، تدرك قطر أبعاد اتفاقية إنشاء منطقة إقتصادية حرة مشتركة مع إيران، ومدى تأثير ذلك على الإمارات، كقوة إقتصادية، أثبتت قدرتها كشريك سياسي واقتصادي داعم إلى جانب الدور السعودي في الحالة المصرية.

بالنسبة لإيران، فإنها لا تعوّل على علاقاتها السياسية والاقتصادية مع قطر، إلا على قدرتها في إخراج قطر – ومن يتبعها مستقبلاً – من البيت الخليجي، كمقدمة لاحتواء كامل الخليج العربي.

ففي دراسة نشرها ” المركز الإيراني لدراسات السلام (مركز بين المللي مطالعات صلح) في 28/2/ 2014، بعنوان “الخلافات الإقليمية السعودية القطرية، ومستقبل العلاقات”، يقول الباحث الاستراتيجي الإيراني حسن هاني زاده: “يبدو أن قطر ستتجه نحو الجمهورية الإسلامية، ومن الممكن أن تخرج من مجلس تعاون الخليج (الفارسي)”3. وهو ما ترى فيه إيران مدخلاً لاحتواء كامل الخليج العربي، ولعل عبارة ” مجلس تعاون الخليج الفارسي”، أمضى دليل على ذلك.

أما قطر، فإنها تبحث عن أي دور يعيدها إلى واجهة المشهد السياسي، وذلك في أن تضع لنفسها موطئ قدم، في أي من الملفات العربية أو الإقليمية، لاستعادة ما خسرته في سياساتها، المرتكزة على تهديد الدور المركزي للمملكة العربية السعودية، التي اشتغلت على كبح الرغبة الجموحة لقطر في استفادتها من الثورات العربية 2011.

لقد استطاعت قطر أن توظف موجة الثورات العربية أفضل توظيف؛ فأصبحت القائد والرائد والممول والراعي الرسمي لها، فكانت مع الحدث أينما كان، متجاوزة في ذلك جميع الأدوار العربية، فتحولت الدوحة إلى عاصمة سياسية خليجية وإقليمية جديدة، قافزة في ذلك مفهوم أمنها القومي العربي والخليجي القائم على التلاحم الجغرافي، والتهديد المشترك.

 لذلك، يأتي الانفتاح القطري على إيران، محاولة جديدة للعب أي دور سياسي، يمكنها من تصفية حساباتها داخل البيت الخليجي، الذي لم يعد – حسب تصورات النخب الحاكمة في قطر-بيتها الآمن، وهو ما دفعها للتنسيق مع إيران، الدولة التي تعتبرها دول الخليج، الخطر الداهم والأهم على أمن الخليج العربي.

نهاية، لقد أدى الاندفاع القطري لاستغلال الثورات العربية خارج التنسيق السعودي؛ إلى الارتباك الملحوظ في السياسة القطرية، منذ إيغالها بدعم الثورات العربية بطريقة “ميكيافيلية”، حاولت من خلالها الاستئثار بما اعتقدت أنه مقدمة لزعامتها العربية والإقليمية.

حال ذلك دون وضوح رؤية حقيقة سواء للسياسة القطرية، أو الثورات العربية، بل وتحولت هذه الثورات إلى مكسر عصا، وتصفية حسابات للتجاذبات السياسية بين قطر ومحيطها الخليجي والإقليمي؛ قبل أن تتلقفها القوى الفاعلة في إطار موازين القوى الدولية.

لقد خسر الرهان القطري على الثورات العربية، التي وإن استطاعت أن تقفز بدعمها المالي فوق قدرات دول إقليميية ودولية، متناسية في ذلك أهمية البعد الجيو – سياسي المتمثل في محيطها الجغرافي، وهو مالم تدركه السياسية القطرية بعد.

السؤال الأهم: هل تدرك قطر إلى أين تتجه الآن، ولماذا لم تستفد بعد من سلوكها السياسي الذي أفقدها جميع ملفاتها في المنطقة، لاسيما وأن إشكالية التوجه نحو إيران، لن تتوقف تداعياته عند قطر وحسب، بقدر ما يتجاوز أمنها العربي والخليجي، وعلاقاتها مع الجوار ككتلة واحدة.

 ومن هذه النقطة بالذات، يمكننا ملاحظة الرهانات الإيرانية الأخيرة، التي تتأسس في مجملها على الاستفادة من الصدع القطري داخل البيت الخليجي.

الصدع ذاته، الذي تراهن عليه إيران في قدرة قطر على جر دول خليجية أخرى؛ في إطار ما أسمته إيران” بدايه الحرب السياسية الواضحة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي”.

د. محمد خالد الشاكر

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

هوامش:_________________________

1- حسن هاني زاده، الخلافات الإقليمية السعودية القطرية، ومستقبل العلاقات”، مركز بين مللي مطالعات صلح (طهران: المركز الدولي لدراسات السلام) 28/2/2014.

2- سعيد سبحاني، “تداعيات الخلاف بين السعودية وقطر”، مجلة رسالت (الرسالة)، 20/3/2014.

3- المرجع ذاته.

الوسم : إيرانقطر

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق