ما هي البدائل التي تطلبها فرنسا في سورية؟

باريس كما غيرها من العواصم الغربية تشعر بالعجز، وهي دول تعودت على معالجة الأزمات الدولية وخصوصا أزمات الشرق الأوسط بأن تتولاها الولايات المتحدة وعادة ما تكون الدول الغربية مجرد دول مؤيدة وقد تشارك تحت المظلة الأمريكية، ولكن بعد الأزمة المالية العالمية وخصوصا بعد تولي أوباما الرئاسة بدأت أمريكا تطالب الدول الغربية بتحمل مسؤولياتها، وطالبتها بزيادة ميزانياتها في الناتو بدلا من الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

التراجع الأميركي وغياب أي رغبة أميركية بالانخراط بشكل أكبر في الحرب في سوريا، بدأت روسيا تشعر بالعجز والتورط، ما جعل موسكو ترد على فشل تعاونها مع واشنطن باللجوء إلى الخيار الإيراني، خصوصا بعد مرور أسبوعين على إعلان موسكو وواشنطن وقفا لإطلاق النار في سوريا، يبدو أن رئيس النظام السوري بشار الأسد وحلفاءه الروس والإيرانيين، قد بدأوا حملة لتحقيق نصر حاسم في أرض المعركة قضت على أي أمل في الحل الدبلوماسي.

جاءت الغارة الجوية التي استهدفت قافلة مساعدات إنسانية في ريف حلب الغربي في سوريا ضربة قاضية تصب في مصلحة الولايات المتحدة وإيران التي حملت روسيا المسؤولية، التي لا تريد أي تعاون في سوريا مع روسيا، ولكنها كانت تجاريها في الفترة الماضية من أجل إقناع المجتمع الدولي أن الولايات المتحدة تقوم بواجباتها.

 لذلك نجد أن روسيا المتورطة تطالب بتحقيق أممي حول هذه الغارة على المساعدات الإنسانية والتي راح ضحيتها أربعة أشخاص وهي متأكدة من براءتها، لكن من قام بهذه الضربة، كل التحليلات تثبت أن المصلحة الوحيدة تصب في أن الجانب الإيراني هو الذي سيخسر من هذا التعاون الروسي الأمريكي، وبالفعل نجحت إيران وحققت لأمريكا مطالبها في توريط الجانب الروسي، الذي سيحتاج إيران في المرحلة المقبلة.

 تبدأ مرحلة جديدة كما تريد الولايات المتحدة من تصادم سعودي روسي في سوريا، وهي تعطي الآن الضوء الأخضر لدول الخليج بتسليم صواريخ مضادة للدروع وقد تكون أيضا للطائرات من أجل تأجيل تحرير معركة حلب التي بدأت حشود برية لدعم الهجمات على حلب.

 الولايات المتحدة كما في تصريح مسؤول أميركي بأن الدول الحليفة للمعارضة تعتقد أن السبيل الأمثل لإقناع الروس بالتراجع، وهو ما أفلح في أفغانستان قبل نحو 30 عاما، هو تحييد قوتهم الجوية بتزويد المقاتلين بأنظمة الدفاع الجوي المحمولة، لكن بحسب هذا المسؤول يقول أننا حاولنا أن نقنع تلك الدول بأن التعامل الآن ليس مع الاتحاد السوفيتي وإنما مع زعيم روسي يريد إعادة بناء القوة الروسية ومن غير المرجح أن يتراجع.

 أي بحسب تلك التصريحات فإن أميركا تريد تحطيم آمال بوتين في إعادة بناء روسيا في سوريا، لذلك هي ترفض أي تعاون مع روسيا في سوريا، وهذا التعاون يحقق طموحاته والمستفيد الوحيد من هذا الصراع هي إيران التي تتوافق مع إستراتيجية أوباما الجديدة، والتي تصطدم مع حلفاء تقليديين مثل السعودية، ولا مانع لديها أيضا من تدمير الجميع يتقاتلون بعضهم بعضا في سوريا لإضعاف اقتصاداتهم جميعا الذي يصب في النهاية لصالح أمن إسرائيل.

كما نجد إيران تتبجح في ظل تلك الظروف، خصوصا بعد انهيار الهدنة وانهيار التعاون الروسي الأميركي، حيث قالت طهران بأنه لا يمكن تنفيذ أي قرارات بشأن سوريا من دون مشاركتنا، والمشكلة الأكبر أن المليشيات المشاركة في تحرير حلب هي مليشيات عربية عراقية ولبنانية ومرتزقة من أماكن مختلفة، من أجل أن تصطدم السعودية مع تلك الدول العربية من أجل ضمان تفكيكها، خصوصا وأنها تراهن على تفكيك الجامعة العربية وحتى منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية وفشلت في إقامة منظمة موازية.

وبعد الهزائم والخسائر التي منيت بها المليشيات الشيعية في سوريا التي حيدت الجانب الإيراني، بينما الآن ارتفعت الروح المعنوية لتلك المليشيات، وعودة العجرفة الإيرانية من جديد.

 حيث نجد أن زعيم مليشيا النجباء العراقية الشيعية أكرم الكعبي بعد وصوله إلى مطار حلب ثم ذهابه مع وفد مرافق له إلى مواقع مقاتليه في ريف حلب للإشراف على ما سمته معركة التحرير، وتجول الكعبي بين مقاتليه وسط أهازيج، وهتافات دينية، فيما أطلع على الخرائط والخطط التي وضعت للمعركة، بعدها صرح الكعبي بقوله نحن نحارب ضد احتلال واستكبار عالمي مدعوم من دول وهابية وتكفيرية ومن مجاميع تكفيرية، وبدأ يردد حلب ترابها من سمار زنود أيدينا، حلب شيعية وتريد اليوم أهلها.

هذه التصريحات تكشف النوايا الإيرانية في تصعيد القتال ضد السعودية بشكل خاص وأن الحرب هي حرب طائفية ومذهبية من أجل التشكيك في توجهات السعودية التي تدافع عن وحدة الشعب السوري بكافة مكوناته، ومن جانب آخر يكشف حقيقة نوايا إيران تفريغ مدن سوريا وبخاصة حلب من سكانها وتحويلها إلى مدن شيعية لتحمي ظهر دمشق من المعارضة القادمين من الشمال التي تحميهم تركيا وهي بداية لتقسيم سوريا.

وتدرك السعودية ليس كل الفصائل الشيعية العراقية وحتى اللبنانية تشارك في قتال المعارضة بل هي فصائل منشقة مثل فصيل النمر العراقي الذي هو عبارة عن كتيبة تضم نحو ألفين و700 مقاتل، وهم نتاج انشقاقات في عدة فصائل شيعية كبرى معروفة، انشقت عن منظمة بدر بزعامة هادي العامري، وقسما آخر انشق عن عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي وقسما آخر انشق عن كتائب حزب الله وهذه الانشقاقات ليست في الجانب العقدي بينما في جانب أولويات القتال، حيث جميعها تكن العداء للسعودية.

حيث أعلنت وسائل إيرانية بمقتل ما لا يقل عن أربعة عسكريين إيرانيين في سوريا مع القائد العسكري لعصائب أهل الحق العراقية في مدينة حلب المحاصرة محمد باقر سليماني.

وفي نفس الوقت تريد إيران إرباك العلاقة بين السعودية والعراق بسبب مشاركة مليشيات عراقية في سوريا ضد المعارضة التي تدعمها خصوصا بعدما نجحت إيران عبر مليشياتها في العراق من طلب تغيير السفير السعودي السبهان، لكن السعودية لم ترد على مثل تلك المطالب، لأنها تدرك أن تلك المطالب إيرانية وليست عراقية، وأن العراق يمر بأزمة مثل الأزمة السورية، والحكومة مرتهنة لإيران على غرار بشار الأسد الذي لم يعد يمتلك أي قرار، فقراره مرهون لروسيا بعدما كان مرهون لإيران، لكن بعد انهيار التعاون الروسي الأميركي عادت إيران إلى سوريا بعدما استعانت روسيا المتورطة بإيران.

بدأ العالم يوجه اتهاماته لروسيا بأن ما يرتكبه في سوريا يعتبر جرائم حرب، لكن من يحاسب روسيا، كما أن رئيس مؤتمر ميونخ للأمن قال ما يحدث في سوريا عار على أوربا، وهي جرأة لم يتفوه بمثلها أمين عام الجامعة العربية أبو الغيط، حتى الناتو اعتبر أن الهجوم على حلب انتهاك للقانون الدولي، واعتبرت ميركل أن العنف الوحشي غير مقبول.

 تعتبر السعودية أن هذه التصريحات العالمية هي أوراق رغم أنها لا تمتلك قوة حقيقة مثل القوة الأميركية بعدما رفض البيت الأبيض مطالب الكونغرس بعقوبات على الأسد وترك الأزمة للرئيس المقبل.

تركيز أوباما منصب على تحرير الموصل، لذلك هو لا يريد إثارة إيران في مثل هذا التوقيت، وتتركها أيضا للسعودية في سوريا، مثلما تترك روسيا أيضا للمعارضة المدعومة سعوديا وخليجيا، لكنها أوراق تستخدمها السعودية في مواجهة إيران من أجل إجبارها على التراجع والخروج من المنطقة العربية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق