ما هي الأهداف الاستراتيجية وراء القيادات ذات الأيادي المرتعشة حول الملف السوري؟

من يتابع الصراع المتعدد المحاور منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، تفرغ الغرب في تمتين وحدة الاتحاد الأوربي وتمدده على حساب روسيا مستثمرا الانهيار الذي تعاني منه روسيا، لكن برز إلى السطح صراعات تاريخية كامنة تمثلت في نظريتي صراع الحضارات لهنتنغتون ونهاية التاريخ لفوكوياما التي على إثرها بدأ الصراع التاريخي ما بين الغرب والخوف من الإسلام (إسلامفوبيا) خوفا من انتشار الإسلام وخوفا من الأسلمة التي تمارسها الحركات الراديكالية، فلم يجد الغرب سوى ضرب الإسلام بعضه ببعض كما يعتقدون من خلال استثمار الخلاف المذهبي وتحويله إلى خلاف طائفي التي مولته الحرب الضروس ( ضرب المسلمون بعضهم ببعض لأن الدين لا يمكن ضرب بعضه ببعض) وتحويل الشرق الأوسط إلى بيئة حاضنة لتفريخ الإرهاب لكن لم يتوقع الغرب أن الإرهاب سيطالهم جميعا ويمتد حتى الولايات المتحدة، قد يعتقد البعض أنه نجح في تهييج الشعبيون لكنه تهييج سيكون وقتي إلى حين يعود الرشد بل سيجد مناهضة عالمية وأكبر مثال على ذلك المواجهة التي تلقاها ترامب بعد منع مواطني سبع دول من دخول الولايات المتحدة لم يوافق القضاء على تلك الخطوة، بل وقف الشعب الأمريكي بكافة أطيافه ضد الممارسات العنصرية حتى ولو كانت تتدثر برداء الإرهاب.

ارتكاب القيادات ذات الأيادي المرتعشة (القيادة الأمريكية في عهد أوباما بالتعاون مع ديفيد كامرون رئيس وزراء بريطانيا) في الملف السوري لتحقيق أهداف استراتيجية أولها وقف الاحتكاك الروسي الغربي في شرق أوربا بعد احتلال روسيا شبه جزيرة القرم في ربيع عام 2014 والسماح لها بدور رئيسي في سوريا بدأ بعدما تمكن بوتين من وقف الضربات الجوية لنظام بشار الأسد بعد تجاوزه الخطوط الحمراء عندما استخدم الكيماوي ضد شعبه واستبدلها بوتين بإفراغ سوريا من السلاح الكيماوي وهي خدمة لأمن إسرائيل.

كما أن الولايات المتحدة قلقة من النمو الصيني الذي كان 2 في المائة عام 1980 من الاقتصاد العالمي أصبح أكثر من 13 في المائة عام 2015 بعدما كان الاقتصاد الصيني يحتل المركز السادس عام 2003 بناتج محلي 1.4 تريليون دولار بعد الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، بينما أصبحت اليوم يحتل المركز الثاني بعد الولايات المتحدة، وإذا ما واصلت الصين نموها فستصبح في المركز الأول في خلال عقدين من الزمن، رغم ذلك سمحت الصين لروسيا كرأس حربة في مشاغبة ومشاغلة الغرب بدعم صيني بأن تواصل مواجهة الغرب في الشرق الأوسط وهو ما يفتح لها طريق المجال الاقتصادي دون تورطها في أي صراع عسكري.

لم تعد روسيا دبا ثقيل الحركة بل تحولت إلى ثعلب سريع الحركة ويسعى بوتين إلى حرب باردة كاذبة خصوصا بعدما أرسل بوتين حاملة طائراته اليتيمة، لكن بدأ النسر الأمريكي يجدد شبابه، ليس فقط النسر الأمريكي بل حتى الثنائي البريطاني الذي بدأ يطالب الناتو زيادة التسليح لمواجهة التحديات الروسية، وزاد ترامب الإنفاق الدفاعي 54 مليار دولار عن عام 2016 ليرتفع إلى 603 مليارات دولار.

بعد هذا التحول الإنفاقي للدفاع سواء الأمريكي أو الأوربي أعلن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين بأن الزيادة مسألة داخلية ما لم تخل بميزان القوى الاستراتيجي القائم، لكن ترامب أضاف من على ظهر حاملة الطائرات الجديدة جيرالد فورد في نيوبورت نيوز بولاية فرجينيا أنه يريد أن يكون لدى الجيش الأمريكي أروع العتاد في العالم ويزيد القدرات العسكرية للولايات المتحدة بالمزيد من السفن والطائرات الحربية لإظهار القوة الأميركية في الأراضي البعيدة للتعويض عما أسماه استنزافا للقوات المسلحة، وأنه يتطلع إلى زيادة عدد حاملات الطائرات لدى البحرية الأميركية ليصل إلى 12 حاملة حاليا تمتلك القوات البحرية الأمريكية 10 حاملات طائرات، وأضاف ترامب أننا سنمنح جيشنا الأدوات التي يحتاجها لمنع الحرب، وإذا تطلب الأمر خوض الحرب وفعل شيء واحد فقط الفوز.

دخل العالم سباق تسلح حيث بدأت روسيا إعادة تأهيل لقواتها وقواعدها العسكرية السابقة حتى التي تخلت عنها سابقا في القطب الشمالي عبر عنه رئيس سوفياتي سابق ميخائيل غورباتشوف في مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي بأن العالم يشارف بشكل خطير على منطقة الخطر، خصوصا بعدما أعلنت السويد التي لم تشهد نزاعا على أراضيها منذ أكثر من قرنين وليست عضوا في الناتو وليست لها حدود مشتركة برية مع روسيا لكن البلدين قريبان من بحر البلطيق، وتمتلك موسكو قاعدة بحرية في بالتييسك في جيب كالينيغراد بعد توغل غواصة لم تعرف هويتها أرخبيل ستوكهولم في خريف 2014، والوضع الأمني واقع جديد ضمن أشكال عروض القوة الروسية التي طالما تم التقليل من شأنها، لكنها مستعدة لاستخدام العنف في سبيل مصالحها ولا تتوفر اليوم للسويد الوقوف على الحياد في نزاع يندلع في المنطقة.

 حيث تقترب السويد من جارتها فنلندا التي تتقاسم مع روسيا حدودا برية طولها 1340 كيلو متر وفي عام 2016 وقع كل من البلدين مع الولايات المتحدة اتفاق تعاون عسكري ويفكر كل من البلدين في احتمال الانضمام إلى الناتو، لكن روسيا زادت من تحذيراتها لردعهما من خلال انتهاك المجال الجوي وتسيير رحلات طيران من دون إرسال.

حيث تندد موسكو من تعزيز قوة الحلف في دول البلطيق وبولندا، وبدأت هناك اتصالات بين قيادة موسكو والناتو لأول مرة منذ عام 2014 بعد احتلال موسكو شبه جزير القرم، خصوصا بعدما عهدت رئيسة وزراء بريطانيا إلى مهمة للأسطول الملكي البريطاني في البحر الأسود لإظهار القوة الفعالة للأسد البريطاني رغم تراجع قوة بريطانيا أمام الدب الروسي الذي تحول إلى ثعلب نشط، إذ أعلن شيغو أن روسيا أكملت طوقها الراداري المضاد للهجمات النووية، كما أن 99 في المائة من قوات صواريخها الاستراتيجية في حالة استعداد قتالي، ولا زالت روسيا تعتقد أن القيادات ذات الأيادي المرتعشة لن تستطيع أن تملي إرادتها على الدب الروسي، خصوصا وأن النفوذ الجيوسياسي الذي مفتاحه التعاون الاقتصادي يحاول الدب الروسي الحضور في مقابل الساحل الأوربي في البحر المتوسط في ليبيا وهو الذي ألهب المشهد بين روسيا وبريطانيا في الوقت الحاضر.

شكل الفيتو الروسي السابع في 28/2/2017 ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو إلى فرض عقوبات على النظام السوري بتهمة اللجوء إلى استعمال السلاح الكيمائي الذي كان باستطاعة أوباما القيام بضربات جوية للنظام السوري وإنهاء الأزمة السورية وإبعاد الدب السوري عن منطقة الشرق الأوسط، رغم ذلك يمثل القرار صفعة موجعة لجنيف 4 ما يعني أن الانتقال السياسي بعيد الاحتمال وبقاء الأسد حتمي ما لم تكن هناك مفاجآت، ولكن مثل تلك المفاجآت لن تبرز في القترة المقبلة، ويصبح أمل المجتمع الدولي الوحيد أن يتوقف القتال والقضاء على الإرهاب الذي تسبب في امتداده إلى دول العالم وتسبب في نزوح لاجئين إلى أنحاء العالم.

 وتستمر صورة غير واضحة لمستقبل سوريا يظهر هذا من اجتماع دي مستورا على انفراد مع رئيس وفد المعارضة التي تسمى منصة الرياض نصر الحريري وتهديده إن لم تقبل المعارضة بتقديم التنازلات فسوف يحدث لإدلب ما حدث لحلب بالتوازي حيث أسقطت موسكو منذ جنيف 1 من النص أي إشارة صريحة إلى الأسد من ضمن هذه العملية والخيار الوحيد الذي أمام المعارضة هو صياغة الدستور الجديد يجب أن تشمل كل أطياف الشعب السوري، بما يعني أن النظام شريك أساسي في هذا، إلى أن تتوافق الدول الإقليمية والدولية في التوصل إلى حلول توافقية، يتزامن هذا مع ضغط أمريكي على تركيا مقابل دعم كردي، وفي نفس الوقت تضغط تركيا على الولايات المتحدة بأن تتعاون مع موسكو في الرقة الذي تعتبره أمريكا خطا أحمرا.

حيث تتواجد القوات الأمريكية في شمال منبج، حيث استخدمت تركيا قوات درع الفرات في مقاتلة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا للسيطرة على منبج التي تقع في الريف الشمالي الشرقي من حلب، رغم ذلك لم تتدخل القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة بين الطرفين حتى لا تغضب تركيا ولا الأكراد ووقفت على الحياد.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق