ماوراء التحذيرات السعودية للمالكي: الخروج من دبلوماسية الأبواب المقفلة

في مواجهة مايجري في العراق، وفي سيل غير مسبوق من الاتهامات الإيرانية مؤخراً، لما اسمته ” النظام العربي الرسمي المتصهين”، بوقوفه خلف داعش في العراق.

 إيران، تدرك أن النظام العربي الإقليمي التقليدي- الذي انهار بسبب الانقسام بشأنها- قد انتهى، لذلك  تدرك تماماً، أن نظاماً عربياً جديداً  يتبلور  الآن،  بدءً من قوته الاقتصادية في الخليج العربي، وصولاً إلى مصر، حيث قوته  الإيديولوجية في البحر المتوسط وشمال أفريقيا.

 التركيبة العربية الجديدة من السعودية والإمارات والبحرين، إلى جانب مصر وليبيا،  شكلت ارتداداً واضحاً على النهج الإيراني، الذي استغل على تثوير العامل الطائفي ، توازياً مع دعم حركات الإسلام السياسي المتطرف، التي نجحت إيران من خلالها في صناعة أجيال من التنظيمات المخترقة، بالتوازي مع صناعة التنظيمات الميليشاوية- الطائقية في العراق، منذ فيلق بدر، وحزب الدعوة، وجيش المهدي، وغيرها، وصولاً إلى عصائب أهل الحق، وحزب الله العراقي.

بالرغم من ذلك – و على طريقة صناعة القبول في الإعلام الإيراني- يوجه المسؤولون الإيرانيون، ومعهم المالكي،  الاتهامات للمملكة العربية السعودية، برعايتها لداعش في العراق،  مما دفع  للخروج  من صبرها، الذي جاء على لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل،  الذي تحدث  – قبل أمس الخميس- على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في جدة، عن ضرورة محاربة الإرهاب والتطرف، والدعوة لمناقشة قضايا الخلاف المذهبي الذي يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.

لم يتورع  وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بإرسال إشارات مهمة إلى إيران، من خلال إنذار المالكي وتحذيره بشكل مباشر، بقوله “أن رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته نوري المالكي هو من قام بتأجيج الطائفية في العراق، وأن اتهام المالكي للمملكة برعاية الإرهاب مدعاة للسخرية، و نصيحتي له ألّا يعارض السعودية”.

 قوة التحذير السعودي ودلالاته، جاء من واقع  سياسات المالكي الطائفية، التي اجمعت على فشلها، جميع الأطراف الدولية والإقليمية، والعراقية، بما فيها أعضاء من حكومته. فعلى صعيد الموقف الأمريكي، الذي آثر سياسة الانكفاء أزاء العديد من القضايا الدولية والاقليمية، بسبب ماتكلفته الإدارة الأمريكية  في العراق، أصبح من المستحيل على أمريكا أن تجرب نفسها مرة أخرى في بلد ازداد تعقيداً، بسبب الممارسات الإيرانية التي لعبت على سياسة تفجير الأوضاع وتصعيدها، مماحال دون أية رؤية أمريكية في العراق.

ولعل ماتمخض عنه اجتماع الرئيس الأميركي باراك أوباما مع زعماء الكونغرس لمناقشة الأوضاع في العراق، دليلاً على ” عقدة” أمريكية ، مازالت تراود الساسة الأمريكيين أزاء هذا البلد، حيث تصاعد النقاش بين الأميركيين حول ما يجب أن تفعله واشنطن في العراق، و أشار البيت الأبيض إلى أن الإدارة الأمريكية، ولمواجهة الخطر في العراق،  تقدّم النصح للقيادات العراقية بترك الأجندات الطائفية والالتفاف بحسّ وطني، وهي في ذلك إنما ترسل برسائلها للمالكي وإيران على حد سواء.

يتكشف الموقف الأمريكي أكثر فأكثر، في تصريح”جاي كارني” المتحدث باسم البيت الأبيض، الذي قال وبالحرف” إن  المشكلة في العراق ليست عسكرية”، في الوقت الذي غابت فيه الخيارات العسكرية في أحاديث الرئيس الأمريكي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دمبسي الذي قال: ” إن الأمر ليس بسهولة مشاهدة  فيديو لرتل على ايفون،ثم شن غارة على الفور، فمنذ عام كانت تصرفات الحكومة العراقية على  عكس ما نريد- أي لمّ الشمل- وقد شاهدنا إ قصاء مكونات بعينها ، كما شاهدنا  الفساد،  وكل اشكال الطائفية، وهذا ما أوصلنا إلى العراق على ماهو عليه الآن”،  أما وزير الدفاع الأمريكي  “هيغل”، فقد وجه سيلاً من الانتقادات وألقى باللوم الكثير على المالكي، بسبب تصرفاته السياسية وعدم وفائه بالتزاماته، معتبراُ ” أن هذه الحكومة ، لم تفِ بالتزاماتها لإقامة حكومة وحدة تشمل السنة والأكراد والشيعة”.

ومع ذلك تبدو الإدارة الأميركية مترددة بخصوص فرض حلول في العراق، معتبرة  أن التوافق السياسي واختيار رئيس للحكومة أمر يعود للعراقيين، داعية إيران إلى الكف عن الشأن العراقي، وهو ماجاء على لسان  “جون باينر” رئيس مجلس النواب الأميركي الذي قال : “نحن نتحدث إلى الايرانيين لأنهم  يموّلون ويرعون الإرهاب”، في إشارة من الولايات المتحدة الأمريكية، أن إيران هي التي ترى المجموعات الإرهابية في المنطقة، وهي وراء الحال الذي وصل إليه العراق.

إذاً ، تدرك الدولة الأعظم ، وصاحبة الدراية الأكثر بالشأن العراقي والإيراني، كما جميع المواقف الدولية والإقليمية والعراقية، أن سبب تدهور الوضع في العراق، هو تعامل المالكي  بشكل سيء مع بعض المناطق، بينما احتفظ هو  بكافة المناصب، وقوض قدرة “الجيش العراقي”، ولم يكتف بذلك، إنما عاد  ليعزف  من جديد على وتر الطائفية المقيته، ويزج – في يوم وليلة- بمدنيين متطوعيين لاخبرة لهم في القتال، الأمر الذي يضع البلاد على شفير حرب أهلية، طالما عانى منها العراقيون، بسبب المليشيات الطائفية، التي مكنته من الاستمرار لولايتين، همش خلالهما أهم مكونات الطيف العراقي.

وعلى أهمية المكانة الروحية للمملكة لدى المسلمين في العالم، إلا أن  التحذير السعودي لم يأت  كردة فعل ، بقدر ماجاء  في سياق إجماع عربي وإسلامي، فقد خرجت  منظمة التعاون الإسلامي في بيانها الذي أصدرته  الخميس الفائت، أن الوضع في العراق وسورية هو من أولويات أجندة المؤتمر، إلى جانب التطورات الأخيرة، وأثرها على الأمن والاستقرار في المنطقة.

تحذير الفيصل، جاء من موقع عودة المملكة العربية السعودية، كقوة مركزية في الخليج العربي، لاسيما بعد انتكاسة السياسة القطرية في دعمها لحركات الإسلام السياسي المتطرف، وقد أثبتت السعودية منذ قراراها  الذي وصفت فيه العديد من حركات الإسلام السياسي السني والشيعي، بأنها منظمات إرهابية، وهي الرسالة التي فهمها المالكي، ومن وراءه في إيران.

 التحذير السعودي على لسان الفيصل، جاء أيضاً ليذكر إيران بسياساتها، التي تدركها المملكة قبل غيرها، لاسيما بعد المحادثات التي أجرتها إيران مع السعودية، التي كشفت للمملكة الأوراق الإيرانية، بشأن علاقاتها مع القاعدة. وهو مادفع الفيصل لتوجيه تحذيراته للمالكي، الذي لايحق له – ومن وراءه-  الحديث عن الإرهاب ودعمه، لاسيما وأن إيران مازالت تلعب بذات الورقة  مع المملكة السعودية، التي فشلت معها المحاولات الإيرانية  في إقناع السعودية بعقد صفقة تفاهم مع المملكة بشأن سورية؛ مقابل أن تبدي إيران موقفاً ايجابياً  في احتواء المشاكل في اليمن والبحرين، و استعدادها لمساعدة السلطات السعودية في حل مشاكل الشيعة في المنطقة الشرقية والتعاون أمنياً معها في هذا المجال،  وتقديم معلومات حول عناصر من تنظيم القاعدة مطلوبين للسعودية لجأوا لإيران. كل ذلك مقابل أن تتفاهم الرياض مع طهران بشأن حل الأزمة السورية بإجراء حوارات بين المعارضة والنظام.

في مواجهة ذلك، جاء الرد السعودي واضحاً، وعلى لسان الأمير سعود الفيصل الذي أكد للإيرانيين مؤخراً، أن المملكة لايمكن أن تعقد صفقات أو اتفاقات باسم الشعب السوري أو على حسابه.

بناء عليه، لايمكن النظر للتحذيرات التي أطلقها الأمير سعود الفيصل، إلا عودة واضحة للدور السعودي المركزي في الخليج العربي، وهو مايفسر خروج المملكة عن دبلوماسية الأبواب المغلقة مع إيران، وهو مايفسر أيضاً  مدى الثقة التي تحدث فيها الفيصل على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة في جدة.  كما يفسر قوة الموقف السعودي في العراق، وباقي التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، التي أوصلت جميع القضايا إلى طريق مسدود، خاصةً في سورية والعراق

إذاً، لايمكن النظر إلى التحذي السعودي إلا بداية النهاية،  لسياسات الطرق المسدودة، التي لم تستطع من خلالها إيران تمهيد أي طريق مع السعودية، بالرغم من الوساطات من دول خليجية معروفة.

الأهم من لك،  أن إيران  لم تفلح بعد بتحقيق أي منجز تفاوضي حقيقي مع السعودية، منذ استلام روحاني ، الذي طالما وعد العالم بسياسة الانفتاح الإيراني على جميع القضايا، وهو الانفتاح الذي  لم يتحقق على صعيد زيارة لمسؤول إيراني رفيع المستوى إلى السعودية، منذ استلام روحاني إلى يومنا هذا.

د. محمد خالد الشاكر

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق