لمَ العلاقات السعودية-المصرية هشة رغم الزيارات المتبادلة؟

عقب تصويت مصر لصالح قرار روسي بشأن سوريا في مجلس الأمن ظهر انتقاد سعودي رسمي للموقف المصري، تجاوز البلدان كثير من المحاولات التي كانت تستهدف العلاقة المشتركة، كان آخرها زيارة الملك سلمان للقاهرة وقع خلال تلك الزيارة عدد من الاتفاقات المشتركة بين البلدين، ويبدو أن عودة الجزيرتين السعوديتين تيران وصنافير إلى السعودية كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وأثارت لغطا داخليا في مصر ضد الرئيس السيسي، بل اتهمه البعض بالخيانة، وهو ما جعل السعودية تتجاوز عن حضور شيخ الأزهر مؤتمر غروزني الذي أخرج السلفية من أهل السنة والجماعة في بيانه الأخير، رغم أن شيخ الأزهر أشار في خطابه إلى تضمين أهل الحديث الذي يضم السلفية.

لكن تصويت مصر لصالح قرار روسي بشأن سوريا حيث أن القرار لم ينل سوى أربعة أصوات كان أحدها صوت مصر، ولم ينل القرار الحد الأدنى من الأصوات وهو تسعة أصوات ما جعل روسيا تشعر بعزلة دولية فكيف تعطيها مصر القوة ضد المصالح العربية.

ما دعا المعلمي المندوب السعودي في مجلس الأمن يصرح بأن موقف ماليزيا والسنغال كان أقرب إلى الموقف السعودي، بينما موقف مصر كان بعيدا عن الموقف السعودي، خصوصا وأن مصر تدرك حقيقة الأزمة في سوريا التي يتعرض لها الشعب السوري على يد النظام السوري بمختلف أنواع الأسلحة الكيماوية والقنابل الارتجاجية بغطاء ودعم روسي وإيراني التي جلبت المليشيات الشيعية التابعة لإيران من مختلف المناطق العراقية والأفغانية والباكستانية بجانب حزب الله اللبناني للقتال في سوريا إلى جانب النظام السوري، وهو موقف مصري لم تقبله السعودية حتى ولو كان موقفا  يقلل من الضغط الشعبي تجاه السيسي لقاء تسليمه الجزيرتين السعوديتين لأن البعض يعتبرها غير سعودية بل هي مصرية.

صحيح أن مصر بحاجة إلى تفهم حساسيات السعودية من إيران وهي حساسيات ملموسة وواقعية يقوم بها الحرس الثوري ويعترف بها وهي ليست خافية على مصر، وباعتراف مسؤول أمني كردي بأن الأجهزة الأمنية الكردية ترصد ومنذ أكثر من شهرين وجود قوات الحرس الثوري الإيراني في قاعدة هورمان القريبة من مدينة حلبجة تسللت من خانقين أو بدرة وليس من إقليم كردستان وهي دخلت لمساعدة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل بعدما وصلت بأعداد كبيرة إلى حدود الموصل لتستقر عند سد الموصل حيث تصر مليشيات الحشد الشعبي على المشاركة في هذه المعركة، على الرغم الرفض القاطع لأهالي الموصل والحشد العشائري لنينوي وقوات التحالف الدولي والقوات التركية ضد الحشد الشعبي.

حيث تحرص إيران بأن يتحول العراق دولة مليشيات، وهي تسعى للسيطرة على خط بري يربطها مباشرة بسوريا، وأن أقرب هذه الخطوط يمر عبر الموصل، وسوف تعمل على إيجاد موطئ قدم لها في نينوي، وبمباركة المليشيات الشيعية ودعمها، وربط شمال العراق بشمال سوريا عبر سنجار، حيث ترفض تركيا قيام دولة كردية على حدودها تفصلها عن عمقها العربي واقتطاع أراضي تركية على المدى الطويل، كما لا تقبل بوجود قوة إيرانية على حدودها وهو ما جعل تركيا ودول الخليج يجمعون على طلب إيران بكف التدخل في شؤونها ولا يمكن أن تقبل قيامها بتغيرات ديمغرافية وتجاوزات طائفية ومذهبية.

هناك دوائر سياسية تريد الوقيعة بين مصر والسعودية، وهناك لوبيات متحفزة لإرباك التوافق السعودي المصري عقب سقوط الرئيس الإخواني الدكتور محمد مرسي، منها لوبيات ذات ميول إخوانية، وأخرى إعلامية وأيديولوجية نافذة في مواقع متقدمة في البلدين، وتمتلك نظرة قاصرة وتعتقد أن التحالف السعودي التركي بديل للتحالف السعودي المصري بينما الساسة في السعودية يدركون أهمية تركيا ومصر خصوصا بعد انهيار العراق كأكبر قوة عربية كانت تمثل سدا منيعا أمام توغل المشروع الفارسي تجاه المنطقة العربية، وكذلك سوريا التي تتصارع عليها القوى الدولية والإقليمية وهو ما وجدتها روسيا فرصة لإعادة نفوذها ونشر قواعدها حيث صحا الأوربيون على أن روسيا ستعيد زمن الحرب الباردة.

رغم أن السعودية تتفهم قلق وحساسية مصر من أنقرة، بل وقفت السعودية أكثر من مرة ضد تركيا في استهداف مصر باعتبار أن مصر جزء من الأمن العربي، بل حاولت تقريب وجهات النظر بين الجانبين، وهو ما يجعل مصر تتخذ مواقف متضاربة في سوريا ضد تركيا وقطر لكنها في النهاية تصبح مواقف ضد السعودية التي تقود الحل السياسي في سوريا.

ترى السعودية أن دعم الاقتصاد المصري واجب عربي من أجل الحفاظ على أمن واستقرار مصر، فإمداد القاهرة بالنفط لمدة خمس سنوات بتكلفة 23 مليار دولار من أجل أن تمر مصر من أزمتها الاقتصادية التي تعاني منها، لكن في نفس الوقت لا تنتظر من مصر الوقوف ضدها في مجلس الأمن.

 وإذا كانت المواقف غير منسجمة بين البلدين في الملفين السوري واليمني، لكن كان يجب أن يكون هناك تنسيق بين البلدين حول الملفين السوري واليمين، مثلما تحترم السعودية حق مصر في ليبيا فلا تتدخل في ليبيا إلا من خلال القاهرة، بل تدعم جهودها ورؤيتها في ليبيا في دعم حفتر.

 لذلك كذلك كان على القاهرة أن تحترم الرؤية السعودية في سوريا واليمن، باعتبار أن ليبيا مجال حيوي مصري، واليمن مجال حيوي سعودي، بينما سوريا مجال حيوي تركي وفي نفس الوقت أمن عربي، لذلك على  مصر أن تحترم التنسيق السعودي التركي في سوريا، خصوصا وأنهما يقفان أمام مشروع الحرس الثوري الذي يريد تقسيم سوريا والقيام بتغيرات ديموغرافية تحت الحماية الروسية التي تبحث عن موطئ قدم وإنشاء قواعد عسكرية ثابتة في سوريا.

 لذلك تتمسك روسيا ببقاء النظام السوري الذي يقصف الشعب السوري بالكيماوي والبراميل المتفجرة، ويمارس حصار وتجويع الشعب السوري من أجل تحقيق آمال إيران بالتغييرات الديموغرافية من أجل توسيع نفوذها المذهبي.

رغم التراشق الإعلامي غير الرسمي بين البلدين حول مواقف مصر من عدة قضايا في مقدمتها سوريا، فإن البنك المركزي المصري أعلن عن ارتفاع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 19.582 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2016 من 16.564 مليار دولار في نهاية أغسطس من نفس العام.

 حيث تسلمت مصر وديعة سعودية بملياري دولار في ظل انخفاض أسعار النفط وانخفاض مداخيل النفط في السعودية، لكن كانت تلك الوديعة من أجل دعم الاقتصاد المصري باعتبارها جزء من ضمانات طلبها صندوق النقد لإقراض مصر 12 مليار دولار مدته 3 سنوات من أجل مساعدة مصر على سد فجوتها التمويلية والمحافظة على استقرار السوق، ودعم الاحتياطي من النقد الأجنبي الذي قد تهاوى في السنوات الخمس الأخيرة ليصل إلى نحو 19 مليار دولار قبل إعلان الوديعة بعد أن وصل 36 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير 2011.

تسعى الرياض والقاهرة إلى منع التصعيد بين البلدين على خلفية تصويت القاهرة لفائدة مشروع قرار روسي عن سوريا في مجلس الأمن ما اعتبرته دوائر سعودية موقفا مخيبا لآمال الرياض وسياستها في الملف السوري الذي تقوده، بينما تعمل إيران وجماعة الإخوان المسلمين على الاستثمار في بوادر الخلاف السعودي المصري لمنع القوتين الأبرز من تمتين تحالفهما تجاه قضايا المنطقة خاصة في الملفين السوري واليمني.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق