لماذا لم يتحقق أي من وعود الخميني؟

طوت الثورة الإيرانية عام 1979 قرون من الملكية، واستطاع النظام الحالي السيطرة على زمام الأمور منذ ذلك الوقت حتى الآن، حاملا شعار “الاستقلال والحرية والجمهورية الإسلامية، وحملت خطاباته وعود استمالت الشعوب الإيرانية، تتلخص في عدم تركز ثروات البلاد لدى طبقة محددة، وتطبيق مبدأ المساواة والعدالة، وتحقيق كيان فكري يحترم ذاتية الفرد، وضمان الحرية والرفاهية لكل مواطن وغيرها من هذه الوعود، وفي نفس الوقت خرج الخميني للشعب الإيراني مبشرا أن وجود رجال الدين في إدارة دولته سيمنع الظلم والاستبداد.

من خلال هذه الوعود الصفراء استطاع النظام الإيراني الحالي تحقيق السيادة الداخلية على كافة مؤسسات وقطاعات الدولة، ولكنه لم يستطع طمأنة الشعوب الإيرانية بمصداقية وعوده في تحقيق الحرية السياسية والعدل والمساواة ورفع الظلم والجور وغيرها من الوعود، بل أنه لم يجد طريقا لتثبيت حكمه سوى قمع الحريات واستخدام الخطاب الشعبوي وتصريحات التخوين، وقام بالتضييق على الإعلام الحر، فأغلقت السلطات الإيرانية 450 صحيفة ومجلة في السنة الأولى، ضاربة بذلك أشواق حرية التعبير عرض الحائط، كما أن دستور الخميني الجديد قد منح للناس حق اختيار مجلس الشورى “البرلمان” والرئاسة، لكنه وضعهما (أي مجلس الشورى والرئاسة) تحت سيطرة وتحكم كيانات غير منتخبة مثل مجلس صيانة الدستور وبيت المرشد، وبهذه الطريقة يكون قد استطاع خدع الشعوب الإيرانية بوجود حرية وديمقراطية.

الخميني كان يعلم حق اليقين، أن نظامه سيكون مرفوضا من قبل الشعوب في إيران، وسيأتي يوما تحاول هذه الشعوب التخلص منه بعد علمها أن طموحاتها في ثورة 1979 لم تتحقق، وأن هذا النظام الجديد قد امتطى صهوة الخداع لتثبيت حكمه، فقام الخميني بصناعة فكرة عداء الآخر الذي يستمد منه طاقات الغضب من وجود عداوته، ويمكنه أن يوجه الشعب لكراهيته وحشد الشعب حوله وقت يضيق به الأمر، وهو ما يمنحه الحق في نفس الوقت من قمع معارضيه على أنهم خونة يتآمرون مع الأعداء، فأعلن هو ورجالاته أن أميركا شيطان أكبر واتخذ “الموت لأميركا” شعارا لشحن الشعب في المناسبات والأعياد، ليشعرهم دائما ويذكرهم بوجود أعداء للشعوب الإيرانية يتربصون الشر لهم.

هذا الالتواء المخادع الذي استطاع النظام الملالي تنفيذه في الداخل أراد تمريره إلى الخارج عبر أفكار تصدير الثورة الإيرانية، فقسم دول العالم إلى دول ظالمة مستكبرة ودول مظلومة مستضعفة، فقدر الخميني أن تصبح إيران مركزا للدفاع عن المظلومين والمضطهدين من خلال تصدير أفكار ثورته كدواء وعلاج لأسباب ضعفهم واضطهادهم، ولكن الحقيقة التي رأيناها من التدخلات الإيرانية أن المحرك الأساسي لها كان ولايزال أيدلوجيا دينية بهدف مطامع ومصالح سياسية بالدرجة الأولى، دون أي اعتبار لمصالح وأمن شعوب المنطقة بشكل عام والعربية بشكل خاص.

علاقة إيران بالعرب علاقة ملتبسة تحكمها العديد من العداءات التاريخية والسياسية والثقافية، التي تسبب بها الطرف الإيراني بحكم تدخلاته في الماضي والحاضر، فمن احتلال الجزر الإماراتية والأحواز العربية مرورا بالحرب العراقية وتفضيل العنصر الآري على العربي، إلى التدخلات الدامية التي يفتعلها النظام الإيراني حاليا في سوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرها، جميعها نقاط سوداء وضعتها إيران في علاقتها مع العرب، ومازالت مصرة على نفس النهج العدائي.

تشتت جهود النظام الملالي بين الخداع في الداخل والخارج، ووضع كافة السياسات والجهود الإدارية في دائرة أفكار شخصية تعود للخميني، وتبني سياسة العدائية بمحاولات التوسع وإعادة أمجاد الوهم الإمبراطوري، ومنح المناصب والتكليف لعبيد النظام دون النظر إلى الكفاءات، جميعها أوصلت إيران إلى وضع مغاير تماما لكافة الوعود التي تنطع بها المرشد الإيراني الأول الخميني وكررها خلفه الخامنئي.

فبعد ثلاثين عاما من تأسيس الجمهورية الإيرانية، لازالت إيران تعاني من ارتفاعات مستمرة في معدلات التضخم والبطالة، وجزء كبير من السكان يرزح تحت خط الفقر، وتفشى الفساد والمحسوبية بشكل كبير، وتراكمت ثروات فئة محددة (الفرس)، وشاع استغلال النفوذ في السلطة، فلم يتحقق أي من العدالة الاقتصادية أو الاجتماعية، وهو ما اعترف به المرشد الحالي لإيران علي خامنئي، إذ ألمح أن العدل الاقتصادي الذي دعت إليه الثورة الإيرانية وقامت لأجله لم يتحقق، واستمر شبه التزوير في الانتخابات، وقد شهدنا عام 2009 ثورة جابت شوارع المدن الإيرانية احتجاجا على تزوير الانتخابات التي فاز بها محمود أحمدي نجاد.

 مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق