لماذا تركِّز إيران على البحرين والكويت؟

تهديدات إيران لدول الخليج ليست وليدة اللحظة، فمنذ صعود الملالي للحكم، وبعد سنة واحدة من حكم خميني لإيران هدد السعودية بأنها ستندم على خفض أسعار البترول، ووصلت ذروة التهديد قبل غزو العراق للكويت عام 1990 هدد فيها خامنئ السعودية والعراق عندما قال: “ننصح السعودية والعراق أن تلتزم بأوبك، فنحن من يحكم مياه الخليج”، في إشارة إلى التهديد بغلق مياه مضيق هرمز (باب السلام).

وبناء على تلك التهديدات الموجهة للسعودية بشكل خاص لديها تاريخ طويل من الهجمات ضد السعودية، خصوصاً بعد تشكيل حزب الله الحجاز السعودي، على غرار حزب الله اللبناني عام 1987، والذي قاد هجمات في موسم الحج، وتحول هذا الهجوم إلى مواجهات بين رجال الأمن وبينهم قتل 400 شخص. بعد تلك الحادثة أصدر التنظيم بيانه الأول متحديا فيه الحكومة السعودية، ثم تبع ذلك بهجوم على منشأة نفطية في رأس الجعيمة.

وهرّبت إيران متفجرات إلى السعودية عام 1988، للقيام بأعمال تخريبية، حين قام الإرهابيون بمهاجمة مصنع صدف في الجبيل، وتمّ الهجوم عبر تنظيم حزب الله الحجاز التابع لإيران، بالطبع قضت السعودية على هذا التنظيم، ولم تجرؤ إيران منذ قيام الثورة الإيرانية على القيام بعمل عسكري ضد السعودية، لكن اكتفت باستهداف الدول المحيطة بالسعودية.

وبعد سيطرة الحوثيين على اليمن صرح المقرب من المرشد الإيراني ليد الله شيرمردي عندما قال بأن كل طرق مرور النفط بدءً من باب المندب والسويس وحتى مضيق هرمز (باب السلام) تحت سيطرة إيران، ما جعل السعودية تقدم على تشكيل عاصفة الحزم لمواجهة هذا الحصار البحري الإيراني، بعدها هدد قائد القوة البرية في الجيش الإيراني رضا بوردستان أن بلاده ستوجه ضربة عسكرية للسعودية إذا لم توقف القتال في اليمن.

بالطبع لم تتوقع إيران أن تقدم السعودية على تحرير اليمن من الحوثيين، مثلما أقدمت السعودية على إرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين لإعادة الاستقرار إلى المنامة، ووقتها لجأت إيران إلى مجلس الأمن ثم هددت أنها سترد وتتدخل وتحمي من سمتهم بالنشطاء.

لكن بعد عاصفة الحزم تجرأ وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في أكتوبر 2015 باتهام طهران بأن تهديداتها تشبه سلوك تنظيم داعش المتطرف، فكلاهما يسعى إلى خراب كبير في المنطقة العربية، متهماً إيران بتهريب السلاح إلى البحرين لزعزعة استقرار البحرين.

بالطبع إيران تحتل الجزر الإماراتية قبل أن تستقل دولة الإمارات بـ 48 ساعة، عندما انسحبت بريطانيا من منطقة الخليج، وهو ما تريد فعله الآن بعدما قررت الولايات المتحدة الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، بأن تهيمن على المنطقة العربية، لكن وقفت السعودية في وجه هذا النفوذ، وبدأت بقطع اليد الإيرانية في البحرين، والآن في اليمن وستقطعها في سوريا وفي بقية المنطقة العربية.

رغم ذلك فإن إيران تحسب لحجم التبادل التجاري مع دولة الإمارات البالغة 44 مليار درهم، حيث تستحوذ الإمارات على 80 في المائة من التبادلات التجارية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وتعد دولة الإمارات رابع شريك تجاري لإيران وهناك ثمانية آلاف شركة إيرانية، بينما قطر رغم انخفاض حجم تجارتها مع إيران نتيجة صغر حجم السوق القطرية لكن الدولتان تتشاركان في أكبر حقل غاز في العالم ما يتطلب استقرار العلاقة بينهم وألا يحدث نزاع حول حقل الغاز الذي يكفي كل حاجة الكرة الأرضية لمدة 10 سنوات بالإضافة إلى وجود القاعدة الأمريكية العديد في قطر.

بينما وقّعت الكويت ست اتفاقيات تهدف لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران، منها اتفاقية جمركية وأخرى تخص استيراد الكويت للغاز الإيراني من أجل إيقاف تاريخ من التآمر والتجسس، ومرت بفترات من التدهور والهدوء وحتى الفترات التي شهدتها العلاقات كانت إيران تنسج شبكات من التجسس.

ومنذ الثمانينات إبان الحرب العراقية الإيرانية كانت الدولتان على طرفي نقيض في ذلك الصراع، وشهدت الكويت عددا من الأحداث كانت أصابع الاتهام تشير صراحة أو تلميحا إلى إيران، وبينها تفجيرات ديسمبر عام 1983 التي استهدفت السفارتين الفرنسية والأمريكية، ومطار الكويت، ومحاولة اغتيال أمير الكويت في مايو 1985، وحادثة اختطاف الطائرة الجابرية عام 1988 والاعتداء على ناقلات النفط الكويتية في مياه الخليج.

مرت فترة من الهدوء بعد غزو صدام حسين للكويت بعد عام 1991، لكن عادت التوترات في العلاقات مرة أخرى عام 2010 بعد اكتشاف شبكة تجسس إيرانية، وفي 2011 قامت الكويت بطرد مجموعة من الدبلوماسيين الإيرانيين المتهمين بالتورط في قضية تجسس.

وتم القبض على خلية إرهابية (ما يسمى بخلية العبدلي) في 13 أغسطس 2015، وأصدرت محكمة الجنايات في 12 يناير 2016 حكما بإعدام إيراني وكويتي في خلية العبدلي من المتهمين الذين يحاكمون فيها 26 شخصا بتهمة حيازة أسلحة والتخابر مع إيران وحزب الله والمساس بأمن البلاد.

ومنذ أن انطلقت شرارة الاضطرابات في 14 فبراير 2011 كان الحرس الثوري الإيراني حاضرا وبقوة في خلخلة الأمن في البحرين، وبعدما استعاد البحرين توازنه الأمني كشف عمليا عبر ضبط الخلايا والتحقيقات عن الدور الذي مارسه نظام طهران في الأحداث التي شهدتها البلاد.

وبعد عاصفة الحزم التي قادتها السعودية في اليمن، نشطت إيران في البحرين والكويت في يوليو 2015 قبضت الأجهزة الأمنية في البحرين على خمسة بحرينيين وأحبطت تهريب مواد متفجرة شديدة الخطورة، وفي 13 أغسطس من نفس العام 2015 كشفت الأجهزة الأمنية الكويتية عن خلية إرهابية كانت تخزن ذخائر ومتفجرات على صلة بتنظيمات إرهابية وأشارت أصابع الاتهام إلى ضلوع المخابرات الإيرانية خلف هذه الجريمة.

لم تتوقف إيران عن مواصلة استهداف البحرين والكويت بشكل خاص، ما جعل البرلمان البحريني يبحث عن حراك للاعتراف بالأحواز كدولة عربية محتلة، وإيصال صوتهم للعالم وإنقاذهم من الظلم الإيراني ومن الإعدامات المتوالية التي يتعرضون لها لمجرد المطالبة بحقوقهم القومية والدينية، وغيرها من حقوقهم المشروعة، وهي منطقة تم الاستيلاء عليها من قبل الجيش الإيراني عندما دخل المحمرة عام 1925.

لم تعد إيران بشقيها النووي والتوسعي والمذهبي، مقبولة لدى بعبارات التخدير والطمأنة، ما دام الفعل الإيراني دائما أقوى من الطمأنة وأقوى من العبارات الأخرى، بل إن إيران التي خرجت من قبضة العقوبات تواجه نكسة في علاقاتها الخليجية، بعدما كانت تطمح لجذب استثمارات خليجية إلى إيران تتراوح بين 600-800 مليار دولار خلال العقد المقبل، إلا أن تدخل إيران في الشؤون الداخلية لدول الخليج تسبب في بداية قطع العلاقات الدبلوماسية، وبعض من التوترات الاقتصادية، وقد يصل التطور إلى قطع كل العلاقات الاقتصادية، إذا لن تراجع إيران نفسها ومصالحها التي باتت مهددة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

إضافة تعليق جديد