لماذا استعان أوباما بماكين لمخاطبة السعوديين؟

ليس بحجم الفريق ومناصب أعضائه تقاس أهمية الوفد المرافق للرئيس أوباما للمملكة العربية السعودية، بل إن مكونات التشكيلة هي التي عكست أهميته؛ فهي معبرة جدا عن إدراك أوباما لمقدار صعوبة المهمة التي كانت أمامه حين يلقى المسؤوليين السعوديين.
فالأهمية ليست بالعدد، ولا بالمستوى التمثيلي الرفيع للمرافقين، بل تكمن الأهمية في دلالات من حضر وماذا يمثل؟
أوباما تنازل عن كبريائه وطلب من خصوم ومنتقدي سياسته الخارجية، أن يرافقوه ليكونوا واجهته التي يخاطب بها المسؤولين السعوديين، علّهم يسهّلون مهمته؛ لأنه يعرف أن لهم مصداقية أكثر منه عند من جاء يعزّيهم، فقد اصطحب جون ماكين ولم يبقَ غير أن يصطحب تشاك هيغل، وزير الدفاع الذي استقال احتجاجا على تخبط هذه الإدارة في حربها ضد الإرهاب!
إن السيناتور الجمهوري جون ماكين كان «الإيكولايزر»، أي المعادل الذي عوّض أوباما بوجوده بعضا من جسور الثقة التي فقدت بسبب سياسته الخارجية. فماكين يتعاطى مع الملف الإيراني تعاطي الخبير بالمنطقة وتعقيداتها، وتصريحاته تتفق مع وجهة نظر أبناء هذه المنطقة تجاه إيران، وهم أدرى بشعابها؛ فهم من اكتوى بنارها.
الحزب الجمهوري – عموما – تعاطى مع السياسية الخارجية باستراتيجة واضحة اتفقنا أو اختلفنا معها، إنما كنا نرى معها نهاية الخط الذي يرمون إليه، ونعرف إلى أين سنصل معهم، في حين أن سياسة الديمقراطيين الخارجية اتسمت بالمراهقة، واتسمت بأن ملفاتها يعمل كل منها بمعزل عن الآخر، سياسة تفتقد البعد الاستراتيجي وتتحرك بأفق تكتيكي قصير المدى وقصير النظرة، وهي واحدة من معضلات هذه الحقبة في الإدارة الأميركية، وقد وصف تشارلز كروثامر، الكاتب في «واشنطن بوست»، سياسة الرئيس أوباما الخارجية بأنها «سياسة فقدت الإحساس بالواقع»، وهو وصف دقيق نتفق معه!! فمن المؤكد أنها سياسة فاقدة الارتباط بالواقع العربي والخليجي في المنطقة تحديدا، وبكل تعقيداته، لذا فقراراتها تفرز تبعات هددت ليس أمن هذه المنطقة فحسب، بل هددت حتى المصالح الأميركية معها.
فـ«داعش» التي يريد أوباما أن تشاطره المملكة العربية السعودية الحرب عليه، ومن قبله «القاعدة»، لم يكن له ليمتد في هذه المنطقة لولا ضعف أو فراغ للسلطة المركزية في سوريا والعراق، ولم يكن ليجد «داعش» حضنا اجتماعيا في تلك المناطق إلا لأن ميليشيات شيعية مسلحة عاثت في تلك المناطق قتلا وخرابا في عشائرها السنية في سوريا والعراق، والاثنان (ضعف المركز) و(انتشار ميليشيات شيعية مسلحة)، قراران ساهمت هذه الإدارة الأميركية بتحقيقهما في عهد إدارة أوباما، فهي من قرر سحب القوات الأميركية من دون تأمين البديل وتأهيله، وهذه الإدارة الأميركية ساهمت ودربت ميليشيات شيعية غير نظامية وغضت الطرف عن غياب السلطة في سوريا وانتقالها لإيران و«حزب الله».
سياستها بتمكين الأقليات، ومنهم الشيعة، جعلتها تغض الطرف عن نمو التيارات المتطرفة منها؛ لأنها اعتمدت عليهم في الحد من تنامي امتداد التيارات السنية المتطرفة، كما هو الحال في اليمن، ثم قراراتها الارتجالية في سوريا التي أقر أوباما بأنه لم يحدد نهايتها، تلك سياسات تكتيكية تفتقد البعد الاستراتيجي الذي يدرس التبعات على المدى البعيد، وتفتقد الإحساس بتعقيدات الواقع.
لقد ساهمت تلك القرارات في زيادة اتساع التيارات المتطرفة وامتدادها على حساب الاعتدال عند الطرفين، بل إنها في جريها لإنهاء الملف النووي الإيراني بأي صورة وبأي شكل، تغاضت عن دور إيران التوسعي في المنطقة. وقد أشار هنري كسينجر في جلسة الاستماع التي تمت الشهر الماضي في لجنة الشؤون العسكرية في الكونغرس عن طموحات إيران التوسعية في منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن السياسة الخارجية منذ ثورة 1979 هي مزيج من الدين والإمبريالية التي تستند إلى «طموحات للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط منذ عصور الإمبراطورية الفارسية في القرن التاسع عشر».
وشدد كيسنجر على أن «النظام الإيراني لن يتخلى عن رؤيته وطموحه في إعادة سيطرة النفوذ الفارسي على المنطقة والحصول على سلاح نووي هو إحدى أدواته لتحقيق هذا الطموح». وأضاف: «هل الرؤية السياسية الإيرانية تغيرت؟ ولا يمكننا الحكم على ذلك من خلال البرنامج النووي فقط، وهذا هو التحدي الذي نواجهه». وبغض النظر عن كسينجر وما يعنيه لنا، فإن كلامه يبدو من خلال ما نراه على الساحة صحيحا مائة في المائة، حتى وإن كان ينظر إلى مهددات المصالح الأميركية في المنطقة، إلا أنه تصادف أنها ذاتها مهددات لمصالحنا أيضا، لكن هذه الإدارة عاجزة عن ربط الملف النووي مع الملف التوسعي الإيراني، وهذا ما نقصده بسياسة الملفات المعزولة لهذه الإدارة أنها تحارب الإرهاب بملف معزول عن الملف الإيراني وطموحاتها مما قوّض دور الحلفاء السنة من أنظمة حاكمة ومن عشائر ومن جهود الغالبية العظمى من سكان المنطقة وشعوبها وهم من السنة، في الحرب على الإرهاب، وخلق حاجزا بين المشاركة الشعبية في جهود مكافحة الإرهاب، وساهم في إثارة الحساسية الطائفية مما جعل مهمة القائمين على مكافحة الإرهاب مهمة صعبة. إن المجزرة التي حدثت في ديالي في حق العشائر السنية لهي خير دليل على أن سياسة الحرب على الإرهاب التي تقودها هذه الإدارة، هي تخبط وارتباك وجهل وفقد إحساس بالواقع.
حين تصرح الإدارة الأميركية الديمقراطية بأنها لا ترى الدور الإيراني في البحرين، ولا تراه في العراق، ولا تراه في اليمن، فهي تصريحات تنم عن قدر كبير من الاستهزاء والسخرية بالمنطق والعقل تحاول أن تغطي الشمس بمنخل، تصريحات منفصلة عن الواقع، فالدعم الذي تقدمه إيران للميليشيات الشيعية في هذه الدول لا يقف عند الدعم السياسي الرفيع، بل يمتد إلى التدريب والتمويل ويصل إلى إرسال قادة للحرس يديرون جبهات القتال.
لذا كان حضور جون ماكين مهما في الوفد، إذ رغم اختلاف وجهتي النظر السعودية مع السيناتور ماكين في الملف المصري، فإنها تتطابق في الملف الإيراني، بل وتتطابق حتى في ملف الطاقة والبترول، فلماكين تصريح شهير يطلب فيه من الإدارة الأميركية شكر السعودية لأنها الوحيدة التي أثرت في الاقتصاد الروسي بعد أن عجزت العقوبات الأميركية عن إحداث أي أثر فيه.
إن تمسكت السعودية ومعها دول الخليج بوجود (معادل) جمهوري مثل جون ماكين في جميع الاجتماعات التي ستدور حول المنطقة، سواء تلك المتعلقة بالإرهاب أو بالملف النووي الإيراني، فمن الممكن أن يحول بين برود العلاقة الأميركية – السعودية وتدهورها، فملف «الإرهاب» الذي يجب أن يناقش مع الولايات المتحدة هو ملف إيراني بامتياز ويحتاج إلى أن يتسلمه من له خبرة واتصال بالواقع الخليجي.

سوسن الشاعر

نقلا عن الشرق الأوسط

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق