للعرب، ليس المرشد علي خامنئي هو كل شيء

يتصور الكثير من السياسيين والمتابعين العرب للشأن الإيراني على أن المرشد علي خامنئي هو الحاكم الآمر والناهي، وهو من يُسير السياسات العليا للبلاد، لاسيما التفاصيل اليومية للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، متناسين أنه بشر كغيره من بني البشر!! وقد يكون جانب من هذا التصور العربي لمكانة المرشد السياسية والروحية في جمهورية إيران الإسلامية صائب إلى حد ما، لكن ما يعيب على السياسيين والمتابعين للحياة السياسية الإيرانية من العرب هو عدم إلمام هؤلاء بمجريات الوضع السياسي في طهران، فيأتي هذا التصور لعامة العرب كأفراد ومؤسسات وحكومات في السياقين التاليين:

أولاً: إن كافة المعلومات التي يتعاطاها العرب شعوباً وأنظمة ومؤسسات هي معلومات مزورة ومغلوطة بامتياز، لأنها تُفلتر وتُنقى من قبل المؤسسة الحكومية، كما أنها تخضع للرقابة الدقيقة من قبل المؤسسات ذات الشأن ثم تصل للمواطن العربي، ومن هنا نجد أن المعلومة التي يتداولها العرب بشكل عام عن إيران قد جُرِّدت من صفة الحيادية والمهنية، لتدخل في إطار الأدلجة والانحيازية لصالح الأهداف القومية ومشروع طهران في العالم العربي، لذا على النظام الرسمي العربي ومؤسساته المدنية اتخاذ الحيطة والحذر من هذا الأسلوب الإيراني المعتمد منذ ثلاثة عقود ونيف، والذي تحول في وقتنا الراهن إلى سياسة استراتيجية للنظام في طهران ينفذها الحرس الثوري عبر جناحه الدولي فيلق القدس الذي وجد البيئة العربية الرخوة فتمدد، على الرغم من اندحاره في بعض الأقطار العربية مؤخراً.

ثانياً: رُوّج لهذه السياسات الإيرانية المغلوطة والمغلفة بالطابع الديني الطائفي القومي في العالم العربي من قبل الكثير من الشخصيات والمؤسسات العربية (صحف ومراكز علمية وبحثية وفضائيات) المرتبطة بفيلق القدس ارتباطاً عضوياً، كعلاقة الأسواق العالمية بالدولار الأمريكي!!

لا شك، أنّ إيران دولة مؤسسات بامتياز، فكثرة هذه المؤسسات قد ميزتها عن غيرها من الدول المجاورة لها، لتأتي المؤسسة الدينية وعلى رأسها المرشد الولي الفقيه (بيت رهبرى) في هرم هذه المؤسسات، فهي مؤسسة -الدينية- مترامية الأطراف داخل وخارج حدود إيران، لتقود هذه المؤسسة العملاقة بإمكانياتها البشرية والمالية والروحية والعملية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في جمهورية إيران الإسلامية، فيما نتصور – نحن العرب – أن المرشد على خامنئي هو من يتحكم في مفاصل البلاد، لكن من الضروري بمكان أن نشير إلى هيكلية النظام المعقدة في طهران، والتي تختلف عن غيرها من الأنظمة المتعارف عليها في العالم، ففي نوعية الأنظمة المتداولة في العالم أن القاعدة الشعبية غالباً هي التي تؤثر في صناعة القرار السياسي، إنما في إيران العكس تماماً حيث الجماهير تُسيّر من قبل هرم السلطة، كما إن السلطة المتمثلة بالمرشد علي خامنئي تخضع لعدة اعتبارات مصلحية داخل النظام، غايتها حفظ النظام الشيعي القومي الفارسي، واستمراريته بأي ثمن.

ومن هذا المنطلق، نرى وبوضوح أنّ الشخصية الشيعية أي الإنسان الشيعي (السواد الأعظم من الشيعة) دائماً ما يكون تابعاً لرجال الدين وإمام زمانه، فتأتي هذه التبعية للمرشد في النظام السياسي الديني الحاكم في إيران تأكيداً للحديث التالي، “من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية”، وقد طبق خميني هذا الحديث في فكره وسلوكه ليتجسد في نظام الحكم الذي أسسه بعد انتصار الثورة الإيرانية 1979، وتم تطبيقه في إيران حرفياً، إنما النقطة الجوهرية والهامة جداً في حيثيات هذا النظام السياسي الديني في إيران، وعلى الرغم من الرؤية العربية عن المرشد، إلا أن السياسات العليا لطهران يتم صناعتها من قبل المؤسسات المختصة في النظام ليوافق المرشد الأعلى (الولي الفقيه) عليها لتأخذ المقبولية والشرعية الدينية لتسهيل تنفيذها في المجتمع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الدور الذي يقوم به مجلس الأمن القومي الإيراني ومجلس تشخيص مصلحة النظام وغيرها من المؤسسات الأخرى، ولمعرفة مهام مجلس تشخيص مصلحة النظام يبدو اسم المجلس كافياً للقارئ ليستشف مهام هذا المجلس وما يقوم به، والذي يتشكل من أهم كبار القادة الدينيين والسياسيين والعسكريين والأمنيين في طهران.

ومن هنا قد يخطئ من يتصور أن المرشد يتحكم في طول وعرض البلاد، إنما ما نراه على مدى ثلاثة عقود ونيف من حكم الجمهورية الإسلامية في إيران وسياساتها التوسعية المغلفة بالإيديولوجية المذهبية الفارسية، فهي سياسة مدروسة بعناية غايتها حكومة فارسية قومية شيعية تمتد من طهران إلى الرياض مروراً ببغداد وبلاد الشام.

فالتركيز مؤخراً من قبل بعض الكتاب العرب في الصحافة العربية على أن المرشد الإيراني علي خامنئي هو الذي يتحكم بالسياسات العليا لطهران، يبدو هذا تصوراً ساذجاً، وهو على غرار الترحيب العربي بالرؤساء الإيرانيين الذين يأتون ويذهبون كورق الشجر في فصل الخريف، في حال أنّ سياسات طهران باقية ومستمرة وبقوة منذ عقود لم تتغير قيد أنملة، بحيث أن عدد المؤسسات الإيرانية التي يصب جلّ عملها ونشاطها الثقافي الإيديولوجي الخطير، والمشبع بالكراهية للعرب وتاريخهم وثقافتهم السمحة قديماً وحاضراً داخل العمق العربي بالعشرات، فهل يعقل ألا توجد مؤسسة عربية أو على الأقل مركز أبحاث عربي باللغتين الفارسية والعربية مختص بالشأن الإيراني؟ -وهو ما نعمل جاهدين على تغطيته من خلال مركز المزماة-. إنّ إيران المتباينة الأطراف والتاريخ والأعراق والأديان والمذاهب، وخاصة توجهات ورغبات الشعوب داخل جغرافية إيران، والتي غالباً ما تكون خارج حدود إيران، هذا التباين الحاد في هذا البلد الجار المزعج هو نقطة الضعف، وقد يكون الرادع الحقيقي لطموحات طهران.

وأخيراً وليس آخراً، عندما توفي المؤسس روح الله خميني وجاء البديل المرشد علي خامنئي، فهل يا ترى تغيرت سياسات النظام في طهران أم زادت حدتها!!؟ أم نحن بحاجة إلى تجربة عدة مرشدين كما جربنا عدة رؤساء “كالمعتدل” حسن روحاني والمتشدد أحمدي نجاد و”الإصلاحي” محمد خاتمي، لعل وعسى يتغير النهج الفارسي.. ولمَ لا!!

جمال عبيدي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق