للخليجيين فقط، لماذا كل هذا العداء الإيراني لكم

لم تمر حادثة معينة إلا واستغلتها إيران لتوجه أصابع الاتهام لدولة الإمارات العربية المتحدة، وشقيقتها المملكة العربية السعودية!! ولتمرير هذه الخزعبلات المكشوفة، تارة تغلف اتهامها بالطابع التاريخي لتبرهن زوراً وبهتاناً أحقيتها بجزرنا العربية الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى)، وتارة أخرى تغلف اتهامها بالحقد الدفين والفتن والبغضاء لإمارات الخير شعباً وحكومة.

بدون أدنى شك، إن هذا الحقد الفارسي الإيراني الحالي هو نتيجة لتراكمات تاريخية ثقافية قومية سياسية تعود لفترات زمنية ليست ببعيدة، فالصراع الحقيقي على عروبة الخليج العربي منذ البدايات كان بين أبناء الإمارات العربية المتحدة الذين كانوا من أسياد ضفتي الخليج من جهة، والفرس الطامعين بالخليج العربي وثرواته من جهة ثانية.

وللوقوف على هذه الحقيقة التاريخية كمدخل لمعرفة جانب من هذا العداء الفارسي الإيراني القديم الجديد لأبناء الخليج العربي، لابد من الخوض ولو قليلاً في حيثيات العقلية الفارسية الحالية التي تكونت بعد الربع الأول، أو بالأحرى في نهاية النصف الأول للقرن العشرين، وذلك عندما قررت بريطانيا أن تؤمن مصالحها الحيوية في الضفة الشمالية والشرقية للخليج العربي حيث الأحواز حالياً بعد ما اكتشفت بريطانيا الذهب السود (النفط) في شمال الأحواز.  وتزامن هذا الحدث الهام الذي غير وجه المنطقة كلياً مع صعود البلاشفة إلى السلطة في روسيا عام 1917، لاسيما رغبتهم – الروس- في الوصول للمياه الدافئة حيث العرب والخليج العربي. فكانت الضرورة تملي على بريطانيا العظمى آنذاك إيجاد سد منيع يقف أمام زحف الروس الذين تجمعهم مع الفرس مشتركات تاريخية وحدودية قد تسهل وصلهم لمنطقة الخليج العربي. فهذا الواقع كان يتطلب من القادة البريطانيين بناء إيران الحالية، مما مهّد ذلك فيما بعد احتلال الفرس للأقاليم والأراضي المجاورة لبلادهم، فكانت إمارات الساحل على الضفة الشمالية للخليج العربي أولى الأراضي العربية التي تمّ احتلالها، وضمها لبلاد فارس عنوة دون اكتراث لمطالب سكانها العرب الرافضين للواقع الجديد، وتمّ كل هذا في العشرينيات من القرن المنصرم.

ومن هذا الواقع الجديد، بدأ الفرس وبمساعدة البريطانيين واليهود في بناء الدولة والإنسان، فكانت الضرورة تحتم على القادة الفرس آنذاك من إيجاد بديل للواقع التاريخي والاجتماعي والثقافي والحقوقي السائد للأقاليم التي ضمت حديثاً لجغرافية بلاد فارس بواسطة احتلال عسكري قام به رضا مير بنج، والذي أصبح شاه إيران فيما بعد. ومن هذا المنطلق الجديد الذي فرضته الظروف السياسية لصالح الفرس، بدأوا – الفرس – فعلياً بالتحريف والتزوير على نطاق واسع، وفي كافة المجالات التاريخية والاجتماعية والثقافية. واعتمد الفرس اللغة الفارسية اللغة الرسمية للبلاد كخطوة أساسية، ومنعوا كافة الظواهر غير الفارسية من التداول بها، كما جاءت الدولة الجديدة بـمشروع “دولت- ملت”، والذي يهدف إلى بناء دولة جديدة وإنسان جديد كلياً.

وعلى ضوء السياسة الجديدة التي اعتمدت لبناء الدولة الفارسية الحديثة، أدرك أصحاب هذا المشروع أنّ هنالك ثمة أسس عربية موضوعية ثقافية اجتماعية دينية ممتزجة في المجتمع الفارسي، والشعوب التي ضُمّت للدولة الحديثة، قد تمنع قيام الدولة الفارسية المفترضة. ومن الممكن تحديد هذه الأسس على النحو التالي: أولاً، مجاورتهم -الفرس- للعرب وتأثرهم بالثقافة العربية الإسلامية الغنية. ثانياً، اعتماد الفرس على اللغة والفكر العربي في كافة مجالاته التاريخية والاجتماعية والأدبية والفلسفية والدينية. حيث يعترف المؤرخ والأديب الإيراني، السيد محمد علي همايون كاتوزيان، قائلاً: “إنه لا يوجد أي نص أدبي فارسي قديم أبداً، وإنّ الفضل يعود للعرب في تطوير اللغة الفارسية والذي حصل بعد الفتح العربي الإسلامي لبلاد فارس”، كما أنه يتحدى أن يؤتى له بنص أو كتاب فارسي قبل وبعد الإسلام بـ 200 عام”، وأيضاً يؤكد كاتوزيان، أن أبجدية اللغة الفارسية هي اللغة العربية، ولم يوجد في التاريخ الأدبي الفارسي كاتب أو شاعر أو مؤرخ كتب مؤلفاته باللغة الفارسية قبل دخول العرب والإسلام لبلاد فارس. وهذا يعني، كما قال عن العرب الكاتب والسياسي التركي الآزربايجاني، والمعروف في الوسط السياسي والإعلامي الإيراني السيد يونس شاملي، قائلاً: “يجب على النخب الفارسية أن يشكروا اللغة العربية والشعب العربي للأبد”، لأن يعتقد السيد يونس شاملي والكثير من الأدباء والمؤرخين والمثقفين والكتاب الشرفاء من الشعوب غير الفارسية داخل جغرافية إيران على أنه أكثر من 54% من مفردات اللغة الفارسية هي مفردات عربية.

كما يؤكد الكثير من المؤرخين أنّ جانباً كبيراً من التاريخ الفارسي هو أكذوبة ليس إلا، بحيث تؤكد الدراسة التاريخية التي قام بها مكتب المرشد علي خامنئي، للبحث في جدلية الشخصية الأسطورية لـ “كوروش الكبير”، في مدينة شيراز الإيرانية في منطقة الأثار التي تعرف بـ “تخت جمشيد”، إلى نتائج مهمة شككت بـالسلالة الأخمينية من حيث الأساس، وضربة بعرض الحائط كافة الإدعاءات التاريخية للفرس التي توصلت إليها الحقبة البهلوية، حيث جاء في هذه الدراسة العلمية والمحكمة التي نشرت في كبرى الصحف والمراكز البحثية الإيرانية، ومنها وكالة “فارس للأنباء” التابعة للحرس الثوري، وموقع “تابناك” الإخباري التابع لسكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام. ومما ورد فيها “دراسة الشخصية التاريخية لـ “كوروش الكبير” بعنوان ملك الخمينيين الذي فتح بابل، وحرر اليهود، وأسس السلالة الخمينية، بناءً على “الشواهد المادية للتاريخ” (القصد هنا من الشواهد التاريخية وبالاستناد للنص الفارسي يعني الآثار التاريخية الموجودة حالياً في منطقة تخت جمشيد في محافظة شيراز الإيرانية التي تتحدث عن هذه الشخصية – كوروش – الجدلية في التاريخ الفارسي)، إنها شخصية غير قابلة للإثبات وخيالية، بحيث إنّ دراسة هذه الشخصية تطلعنا على جملة من الحقائق التاريخية الرهيبة في مجال “الخيانة الثقافية” والأكاذيب، فهذه الجريمة التاريخية والثقافية قام بها المؤرخ اليهودي ديويد أستروناخ”، ((بررسی شخصیت تاریخی «کوروش» به عنوان پادشاه هخامنشی و کسی که بابل را فتح کرد، یهودیان را آزاد نمود و سلسله موسوم به هخامنشی را بنیان گذارد، با توجه به آرایه‌های مادی تاریخی قابل اثبات و پرهیز از خیالبافی، ما را با یکی از حقایق هولناک در زمینه خیانت فرهنگی و دروغ پردازی آشنا می‌کند. این جنایت فرهنگی به وسیله یک مورخ غربی یهودی به نام «دیوید آستروناخ» انجام شده است)).

وعلى إثر هذا الواقع الفارسي كانت الضرورة تتطلب من أصحاب مشروع بناء الدولة الإيرانية أن يأتوا بمخطط “الدولة والأمة” (دولت – ملت)، لتمرير مشروعهم في بناء الدولة المزعومة، ومن أهم ركائز هذا المخطط السياسي القومي الفارسي هو انصهار كافة الشعوب والقوميات، وإدماجها في الثقافة الفارسية، ومحوها من الوجود كلياً، وما تعانيه هذه الشعوب القاطنة في جغرافية إيران الحالية ومنذ تأسيس الدولة الفارسية، هو صراع وجود بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وما يثير الاستغراب والدهشة، هو التخطيط والتنفيذ والتوقيت بين المشروع الإسرائيلي في فلسطين ونعت اليهود بـ “شعب الله المختار” من جهة، ومشروع بناء الدولة الإيرانية ونعت الفرس بـ “الشعب الآري”، باعتبار أن الفرس من العرق الآري، فإنهم أفضل الشعوب في المنطقة العربية من ناحية العرق من جهة ثانية!! وإنما الأنكى في الموضوع، أن الجانب الأهم في هذا المشروع الفارسي لبناء “الدولة والأمة” الفارسيتين، هو بناء الأمة الإيرانية، لهذا صبّ الفرس جلّ غضبهم على العرب وتاريخهم ولغتهم وثقافتهم السمحة. وكما أسلفنا سابقاً كانوا -الفرس- تابعين ومتأثرين بالثقافة العربية الإسلامية حتى النخاع، ومن هنا نستشف وعلى الرغم من الفائدة الكبيرة التي جناها الفرس من العرب في تطوير ذاتهم، إلا أن الحقد والكراهية للعرب وتاريخهم وأمجادهم في النفس الفارسية مازالت السمة البارزة، وأن هذا الواقع المادي -العداء الفارسي للعرب- مازال مستمراً لهذه اللحظة على الرغم من أن النظام الحاكم الحالي في إيران، يدّعي لنفسه مركزية الإسلام والمسلمين!!

وبالعودة للعداء الإيراني لأبناء الخليج العربي وعلى الخصوص، دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وعلى ضوء ما طُرحِ، فيبدو هذا العداء الإيراني القديم والمتجدد للعرب، أنه عداء تاريخي وجغرافي وثقافي ومذهبي وسياسي قومي بامتياز، ومن جانب أخر وعلى ضوء الشواهد الحالية لسلوك طهران تجاه العرب شعباً وحكومات، نستقرئ أنّ الجانب الإيراني لم يتمكن بعد من تفهم التطور الإنساني المتسارع في الخليج العربي وتقبله، وخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة مما يشكل هذا الواقع الإماراتي المتميز الجديد حالة فريدة في العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، بحيث باتت دولة الإمارات العربية المتحدة صرحاً عربياً وإسلامياً يمتاز بالحداثة والتطور والاعتدال والوسطية، كما أنّ العاصمة أبوظبي وشقيقتها دبي أصبحتا وجهة العالم بأسره، ومن جانب آخر لم تتحمل طهران على الرغم من محاولاتها الحثيثة والمستمرة منذ ثلاثة عقود أن تزيح الرياض من تربعها المحق والمنطقي في قلب العالم الإسلامي لعدة اعتبارات موضوعية معروفة للجميع، فإنّ مواقف المملكة العربية السعودية الإنسانية تجاه الشعوب والمحرومين في كافة أنحاء العالم محل التقدير والاحترام.

ومن هذه الخصوصية العربية الخليجية المتميزة في محيطها العربي والإسلامي التي لا تروق لطهران أن ترى بلداً عربياً مسلماً وجاراً لها أن يتطور وينمو ويكبر بشكل متسارع، فمن هنا نرى العداء الفارسي الإيراني لأبناء الخليج العربي هو استمراراً لسياسة استراتيجية إيرانية متعبة منذ عشرات السنين لا تتغير مع تغيير الوجوه والساسة على سدة الحكم في طهران، إنما هذا الواقع يتطلب من صناع القرار في البيت الخليجي الحيطة والحذر.

جمال عبيدي 

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق