لعنة حلب على الروس

لم يكن ببال روسيا، أن لعنة حلب ستبدأ انبعاثاتها الشعبية الدولية، من قبل مواطني حليفتها تركيا، ومن داخل معرض صور يحمل اسم روسيا في عيون تركيا.

هذا العنوان هو الأقرب لحقيقة: كون روسيا أصبحت في عيون العالم كله مجرد وحش دموي بعد مجازر حلب، ويجب الخلاص منه. فمع وقوف 122 دولة ضد مواقف روسيا في الأمم المتحدة، أدركت روسيا أنها أمام مجتمع دولي رافض لأعمالها على الصعيد الرسمي.

ولكن لم يخطر ببالها أنها ستلقى رفضاً عالمياُ من قبل الرأي العام العالمي أيضاً، وسيكون له انعكاس على شخصياتها الاعتبارية حول العالم.

بدأت أُولى انعكاسات الرفض الشعبي لسياسة روسيا في التغيير الديمغرافي، بحرق الحافلات المخصصة لإفراغ أهالي كفريا والفوعة، والتي حُمِّلت بداية لفصائل ولأشخاص تعارض الحل السياسي، ولكن اتضح لنا لاحقاً أن هذا العمل مجرد تعبير عن الرفض الشعبي لما يحصل من مجازر في سورية، عامة وفي حلب خاصة.

هذا الامر، لم ينتهِ في سورية فقط، بل امتد إلى تركيا عبر مظاهرات ودعوات لفتح الطريق الى حلب، قام بها أغلب الأتراك، ووصلوا بها إلى الحدود السورية التركية.

ومع تزامن هذه الأحداث، ظهر بعدها تحول خطير -اغتيال السفير الروسي في تركيا-، توجهت له كافة الأقلام التحليلية، لتتوقع السياسة الروسية المقبلة. وحمّلوا عملية الاغتيال على المحمل السياسي والمحمل الإرهابي، وعلى انعكاسات العلاقة بين البلدين.

لكن من وجهة نظري، أرى أنه من الأجدر تحميل الأمر على المحمل الإنساني، وعلى خطأ روسيا في تعاملها مع الثورة السورية، وخاصة فيما ظهر مؤخراً في حلب.

هذا الرأي يقول إن روسيا بدأت قطف لعنة حلب، على الصعيد الشعبي الدولي، فما حرك المواطن التركي والشارع التركي ضد روسيا، هو صور الإجرام والمجازر التي بُثّت من حلب أثناء قصف الروس لها وأثناء تهجير أهلها منها.

نعم، هكذا كانت الدوافع التي أدت إلى اغتيال السفير الروسي من قبل المواطن التركي، نابعة من البعد الإنساني فقط، وهذا ما عُبِّر عنه من خلال الشعارات التي رافقت قتل السفير، فقد ذكر حلب وما يحصل بها من مجازر، وأوضح أن دافعه هو الانتقام للإنسانية التي ضربت بها روسيا عرض الحائط.

وهذا ما وعته السياسة الروسية جيداً، والتي ردت بتصريح بارد منعاً لتأجيج الوضع وتدهوره مع حليفتها تركيا، فقد وضعت جميع التداعيات التي تقف خلف عملية الاغتيال بين تحليلاتها.

وهذا دليل الرد الهادئ منها، والذي يدل على خشية روسيا من رأي عام جارف ضدها، فهي كدولة تعي خطورة هذا الأمر، وتضع له وزناً في سياستها الخارجية، وفي التعامل مع الدول الأخرى.

هذا الامر -الرأي العام الدولي-، أعتقد أنه سيؤخذ بعين الاعتبار في مفاوضات أستانة، والتي من المتوقع ان تقدم روسيا فيها رؤية للحل، تتجاوز من خلالها مأزقها الدولي والرأي العام الضاغط عليها، أو من المتوقع أن يضغط عليها من خلال أعمال عدائية ضد أهدافها ومصالحها وحتى شخصياتها.

وبالمحصلة، فإن حسابات روسيا ما بعد عملية اغتيال سفيرها بتركيا، لن تكون كما قبلها، فسوف تكون حذرة تجاه أي أمر يسبب لها حرجاً دولياً، وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من خلال تهديدها لحلفائها بسورية عند إجلاء سكان حلب، بأن من يحاول إظهار روسيا في موقف إجرامي وغير إنساني أمام العالم فسوف يحاسب ويمنع من تحقيق أهدافه.

هيثم البدوي

ناشط سوري، وطالب علوم سياسية/أكاديمية مسار

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق