لا يزال الاتحاد الخليجي يبقى الهدف الأسمى

الاتحاد وسيلة موضوعية لمواجهة التحديات الأمنية للحفاظ على الاستقرار من أجل قيادة تنمية مشتركة، ولكن يتساءل شعب الخليج لماذا تأخر انتقال مجلس التعاون الذي أنشئ عام 1981 إلى الاتحاد حتى لا يصبح جسما فوقيا؟

اكتشفت دول الخليج أن القطاع الخاص لا يتجاوز دوره عن المنفذ للتشريعات في معظم دول الخليج، أي أنه لا يزال بعيدا عن صياغة مثل تلك التشريعات التي تتعلق بالتنمية الاقتصادية والتي تقود إلى التكامل الاقتصادي والتي يحتكرها القطاع العام أي أن هناك ثنائية بين القطاعين في ظل غياب تعاون بين القطاعين.

لذلك كانت التجارة البينية بين دول الخليج أقل من التجارة البينية بين الدول العربية التي تصل إلى 10 في المائة، بينما بين دول الخليج لا تزيد كثيرا عن 6 في المائة رغم ارتفاعها في السنوات الأخيرة، والمشاريع الخليجية المشتركة لا تمثل سوى 8 في المائة وفقا لإحصاءات عام 2013 بنحو 23 مليار دولار، مقابل 150 مليار دولار لمشاريع مشتركة مع دول عربية وأجنبية تركز على الصناعات التصديرية الكبيرة المعتمدة على الموارد الطبيعية خصوصا صناعة البتروكيماويات وهي تفضلها على الصناعات التحويلية الموجهة للسوق المحلية.

لذلك كان أحد قرارات القمة الـ 35 في الدوحة التعاون بين القطاعين العام والخاص، والتوجه نحو بناء السكك الحديدية التي تنتهي عام 2018، واستكمال الاتحاد الجمركي الذي بدأ عام 2003، ومزيد من الاندماج والتكامل، وسبق إعلان تأسيس السوق الخليجية المشتركة اعتبارا من يناير 2008.

 الاهتمام بتنمية الموارد البشرية وتنويع الاستثمارات، خصوصا بعد انخفاض أسعار النفط التي تمثل تحديا من أجل تقليل الاعتماد على النفط مستقبلا واعتبار الثروة النفطية والغاز خيار تنموي، مما يفرض على دول مجلس التعاون الخليجي التوسع في إقامة مشاريع مشتركة، لأن الاقتصادات المتماثلة بحاجة إلى تنسيق أكبر من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي.

فقد طالب البيان بتشكيل لجنة من الخبراء لاستكمال دراسة انتقال المجلس من التعاون إلى الاتحاد لتحقيق إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، وهو مطلب شعبي لدول الخليج.

ولإضفاء صورة ايجابية وإنسانية على قمة الدوحة التي تعقد في ظل تحديات عصيبة خصوصا بعدما عصفت بدوله أسوأ خلاف منذ تأسيسه عام 1981، ولكن أثبت قادة دول الخليج أنهم يمتلكون الحكمة والقدرة على حل خلافات دول الخليج داخليا، فخرجت دول المجلس بتأييد مصر بموقف ثابت وموحد، ودعم خريطة الطريق التي يقودها السيسي، فقد كرم قادة مجلس التعاون سمو الشيخ أمير دولة الكويت صباح الأحمد بمناسبة تسمية الأمم المتحدة بقائد العمل الإنساني، والكويت مركزا للعمل الإنساني.

وأعلن بيان دول المجلس بوقوفه بجانب البحرين ضد الإرهاب ومكافحة التطرف بكافة أشكاله أيا كانت أسبابه، والتنسيق والتعاون الأمني، وإنشاء جهاز شرطة موحد يكون بمثابة إنتربول خليجي مقره أبو ظبي.

وفيما يتعلق بأكثر البنود أهمية ناقشه قادة دول المجلس في ظل التحديات والتهديدات التي تحيط بدول مجلس التعاون الخليجي، وقد كنت ضيفا على إحدى القنوات الفضائية في مساء يوم الثلاثاء الذي عقدت فيه قمة الدوحة الموافق 9 ديسمبر 2014، وقد وجه المذيع سؤالا لماذا أقرت القمة على إنشاء قوة بحرية مشتركة ولم تكن موحدة؟ بالطبع كانت الإجابة بأن دول المجلس لم تنتقل بعد إلى صيغة الإتحاد.

تقع السعودية في منطقة استراتيجية مضطربة وعلى أطرافها دول صغيرة متناثرة  غير قادرة على حماية نفسها، خصوصا بعد اختلال موازين القوى في المنطقة بعد احتلال الولايات المتحدة العراق، وضرب ثورات الربيع العربي المنطقة حتى أصبحت سورية واليمن مناطق اقتتال.

 فيما ساهمت السعودية ودولة الإمارات بدعم الاستقرار في مصر بعد ثورة 30 يوليو، فأصبحت إيران تستثمر ثورات الربيع العربي وتتدخل في العراق وفي سورية وفي لبنان وفي اليمن والبحرين لمحاصرة السعودية تحت نظر الولايات المتحدة الموقعة مع دول الخليج اتفاقية أمنية، ولكن للولايات المتحدة أولويات مع إيران من أجل التوصل إلى اتفاقية حول برنامج إيران النووي.

بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، ومحاولة الولايات المتحدة الوقوف عقبة أمام عودة الاستقرار إلى دولة مصر، فقدت السعودية الثقة في الولايات المتحدة كدولة حامية لدول الخليج رغم الاتفاقيات الموقعة معها، بسبب أن لديها أولويات قد تنحو مثل بريطانيا حينما منحت إيران منطقة الأهواز العربية عام 1924 حتى يصبح الخليج مقسما، وحتى لا تسمح إيران للإتحاد السوفيتي بالوصول إلى ضفة الخليج بسبب ضعف دول الخليج المتناثرة حول الخليج، والتي لا تستطيع منع قوة مثل الاتحاد السوفيتي، وكذلك منحت بريطانيا  إيران الجزر الإماراتية عام 1971 قبل استقلال دولة الإمارات.

يمكن أن تمنح الولايات المتحدة إيران مناطق خليجية حيوية على غرار بريطانيا مثل البحرين أو اليمن أو أجزاء أخرى من منطقة الخليج مقايضة مقابل التوقيع على اتفاقية النووي، حتى يحقق أوباما أكبر إنجاز في عهده قبل مغادرته البيت الأبيض .

تخطط السعودية ليس فقط في الحفاظ على أمن الخليج، بل كذلك على الأمن العربي الذي ضربته الثورات العربية، وأصبحت دولا مستباحة من قبل الإرهاب ومن التدخل الدولي والإقليمي.

تهتم إيران بصناعة الغواصات الصغيرة القادرة على المناورة، ولديها بوارج مجهزة بأسلحة ثقيلة وصواريخ مضادة للسفن التي يصل مداها أكثر من مائتين كيلو متر مثل صورايخ وعد وميثاق التي يمكن أن تستهدف الممر المائي في مضيق هرمز وحتى في مضيق باب المندب، خصوصا بعد سيطرة الحوثيين على الحديدة وبقية الساحل اليمني والتي يمر منها نحو 40 في المائة من نفط العالم.

رفضت السعودية مبادرة اسطنبول عام 2005 التي وافقت عليها أربعة دول خليجية ما عدا السعودية ودولة عمان لأنها اتفاقية مرتبطة بخريطة الشرق الأوسط الكبير التي تتطلب اشتراك كل من تركيا وإسرائيل، كما اختبرت السعودية قوات درع الجزيرة في أزمة البحرين ووجدت بأنها قوات غير فاعلة.

تنفق السعودية بمفردها على التسليح 67 مليار دولار عام 2013 وهي رابع دولة بعد الولايات المتحدة ب 640 مليار دولار ثم الصين ب 188 مليار دولار فروسيا ب88 مليار دولار، وهي تنفق أعلى من دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا والهند والبرازيل.

موافقة المجلس الأعلى الذي يضم قادة دول المجلس الست على إنشاء قوة بحرية مشتركة لكنه لم يحدد المقر، وقد يكون المقر في البحرين ريثما تتوصل دول مجلس التعاون إلى صيغة الإتحاد التي تفرضها التحديات، ولكن بعد تحقيق متطلبات الوحدة، حتى تصبح إنشاء قوة بحرية موحدة تحمي سواحل السعودية وسواحل الدول الصغيرة المتناثرة حول السعودية من الإرهاب وحمايتها من اعتداء دول إقليمية.

د.عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق