قراءة للمشهد المصري بعد 30 يونيو والسيناريوهات المستقبلية له

إن ثورة 25 يناير للعام 2011م، المصرية انطلقت بهدف التخلص من منظومة فساد (سياسية واقتصادية وقانونية وإدارية)، كان يشرف عليها نظام يدعي العلمانية، لكن هل مشروع التغير تم إحلاله بمشروع حكم استبدادي يدعي الإسلامية؟  وهل يعد 30 يونيو ثورة ثانية عملت على استكمال أهداف ثورة 25 يناير لتصحيح المسار الديمقراطي، والياتها التي ينشدها الشعب المصري ام صراعات سياسية وحزبية على مراكز النفوذ السلطوي؟ وما التداعيات التي دفعت لذلك بالرغم من تولى الإخوان للحكم عام واحد؟  وهل ما قامت به المؤسسة العسكرية المصرية يعد انقلاباً عسكرياً على الشرعية الدستورية أم واجب وطني فرضته شرعية شعبية جسدتها إرادة أغلبية مختلفة تنتمي لتيارات، وقوى سياسية، وحزبية تمثلت بـ “جبهة إنقاذ” واجتماعية وشبابية مثلتها “حركة تمرد “، ونقابات عمالية وفنية، وكذلك وقوف المؤسسات الدينية (الأزهر الشريف والكنيسة القبطية) في إسناد بيان خارطة الطريق التي تم إعلانها من قبل وزير الدفاع الفريق (عبد الفتاح السيسي)، وأيضا دعم الحلفاء السابقون للإخوان كحزب النور السلفي ذلك البيان.  وهل سيتكرر المشهـد الجزائري في مصـر عندما تم إقصاء الإخوان من استلم السلطة بعد فوزهم بانتخابات في تسعينات القرن الماضي، وما حمل من حالة صدمات وحرب أهلية امتدت عشر سنوات؟

أثناء زيارتي للقاهرة قبل ثلاثة أشهر، وجدت الشارع المصرية يشكي من غياب الرؤية الوطنية لدى الإخوان المسلمين في الإصلاحات الاقتصادية (المعيشية للمواطن)، والقانونية، والإدارية التي تم الالتزام بها في البرنامج الانتخابي للرئيس السابق (محمد مرسي)، وان عملية الإخلال في العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم قد تم.

إن الإخوان لم يعتبروا انتصارهم بالانتخابات تكليفاً وواجب وطني  بل صك على بياض كما يرى المواطن المصري، وبذلك كان هناك عدم قدرة للإخوان على تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، ولقد مثل الدستور الذي تم الإعلان عنه مشروع انقلاب، وتجاوز الرغبة الشعبية في تحقيق تطلعاتها في المشاركة الشعبية في صياغة الدستور، وممارسة السلطة  بل تكريس لنظام شمولي جديد، وكذلك وجدت القوى السياسية والحزبية بأن هذا الدستور يعمل على استقصائها، ولذلك لم تستجيب لدعوات الرئيس السابق (محمد مرسي) للحوار، والمشاركة في إدارة الدولة، وكان مبررها بأن الدستور المعلن جعل كل السلطات بيد الرئيس الذي أصبح القائد الأعلى للقوات  المسلحة، ولن يكون لوجودها أي تأثير في صناعة القرار في الحياة السياسية والاجتماعية، وإنما  ستكون  شكل تصويري في السلطة، وبذلك حدثت حالة من الانسداد السياسي، ألا إن الملاحظ بأن الثقافة الاجتماعية لم تتعرض لأي انتهاك أو تطرفات دينية متشددة بل، وجدت الواقع كما هو في الماضي بما يحمل من ارث اجتماعي وإسلامي أصيل، والإخوان جزء من  تلك الهوية الاجتماعية، وكذلك سمة التعيش الاجتماعي بين الأديان  تتجسد من خلال مشاركة الجميع في الطقوس الاجتماعية كل طرف للآخر

منذَ حكم الإخوان ومصر تمر بحالة من التراجع الكبير بكل شيء على الصعيد المحلي، وعلى الصعيد الدولي بسبب غياب الرؤية والطريق الواضح لدى حكم الإخوان، وكان من الأخطاء التكتيكية هو حث الإسلاميين الأكثر راديكالية في مصر على المشاركة في الجهاد في سوريا، وهذا يدلل على منهج التطرف العقائدي، وغياب البعد الإنساني والعروبي في استقراء الحالة السورية من عين عربية دون تحكم بها إرادة قوى إقليمية تسلطية مهزومة “قطرية-تركية”.

إن خطاب الرئيس مرسي قبل انطلاق ثورة 30 يونيو، وأثناء اندلاعها إعطاء لغة خطابية تشابه لغة حسني مبارك إثناء قيام ثورة 25 يناير للعام 2011 ضد حكمه، من خلال محاولة إصلاحية بإجراءات متأخرة للواقع المعيشي، وواقع مشاركة الشباب بالحكم، وكذلك تكريس مفهوم الشرعية الدستورية، ولهجته الحادة في الخطاب، والابتعاد على الدبلوماسية الخطابية والحوارية للقائد ممزوجة بحالة الخوف والفزع المبكر للحدث، وتكريس الأنا في عملية توجيه القرارات، وكذلك بانه  يعد القائــد الأعلى للقوات المسلحة، والأجهزة الأمنية بأكثر من موقع في خطابه، وهو أراد أن يبلغ الشعب المصري بأنه يملك القدر على تحريك الجيش والأجهزة الأمنية ضد كل من يخرج على حكمه، وحث القوات المسلحة  على اخذ دورها الوطنية في حماية الشرعية الدستورية هو تحريض ضد المتظاهرين، وكذلك كان للدكتور محمد البلتاجي الذي يمثل جناح الصقور في حركة الإخوان المسلمين هو ومرسي  دور تحريضي عندما قال: (سيقاتل دفاعاً عن الشرعية حتى أخر نقطة دم، ويدعوا أنصاره للشهادة)، وكذلك دعوة المرشــد العام للإخوان المسلمين من منصة رابعــة العدوية على العنف بدعوة الدفاع عن الشرعية، حتى إعادة الرئيس مرسي إلى سدة الحكم، هذه وسائل غير شرعية ومنافية لروح الدين وتضر بالمشروع الإسلامي  ودلالاته الإنسانية السامية والمقدسة. واستمرارية سلوك العنف التحريضي، والعمل به لدى الإخوان سوف يقلص من القوى الداخـلية والخــارجية ألمؤيدة لهم، وسوف يخضعون لحالة لمحاسبة القانونية والقضائية.

إن ما حدث في مصـر هو انقلاب عسكري ناعم، جسده غطاء وإرادة شعبية لإعادة إصلاح آليات العملية الديمقراطية، ونجحت في عدم إعادة الاستبداد السياسي من جديد بصياغة التأسلم السياسي. لكن ما أراه اليــوم بأن مصــر كانت منقسمة قبل صدور بيان المؤسسة العسكـرية، وألان أصبحت أكثر انقساماً.

إن المراقب عن قرب للمشهـــد المصري سيجد بأن هناك سيناريوهات اثنان يمكن أن يشكلان الصورة الواقعية للمستقبل القادم في مصـــر، وفي محاولة تحليلية أرى بأن السيناريوهات سوف تتمثل بالآتي:

السيناريو الأول: إن الحالة الجزائرية لن تتكرر في مداها الزمني، ولن تقع حرب أهلية في مصر، ولكن حالة من الفوضى، والعنف بسبب عملية الاعتقالات لصفوف الإخوان، وحالة التحريض من قبل القائدات العليا للإخوان على العنف، أما الصدمات ستستمر بين الحيان والأخر بين مؤيدون الرئيس السابق مرسي، وبين معارضيه بسبب السلوك العدواني للإخوان كتداعيات أولية في الأيام الأولي من بيان المجلس العسكري لخارطة الطريق، ولكن حالة الاحتجاج  ضد قرار عزل الرئيس مرسي  ستصدرها صورة  من الاعتصامات والمظاهرات لم يتم التراجع عنه الا بقرارات من القيادة العليا للإخوان، وسوف يشهد شهر رمضان المبارك سلسلة من توسيع ساحات للمظاهرات،  واستثمار منابر الجوامع للحشد، وإذا  اكتنف الإخوان  لعدم الجدية في المشاركة في الحياة السياسية، وبأن لأجدوه  من المسلك الديمقراطي من ذلك بعد ما حدث، سوف تستطيع المؤسسة العسكرية من إعادة إنتاج الدولة البوليسية، وسوف تخضع الأحزاب البراغماتية (المصلحية) خوفاً من الاعتراض ليكون لها مقعد في قطار المستقبل لان إمكانيات قيام دولة مدنية أو انتخاب رئيس في ظل حكم عسكري أمر مشكوك به، لا أقصد بذلك بان الإخوان هم الحصن الحصين، وإنما معادلة التوازن تعطي عدم الاستئثار بالسلطة من قبل اي طرف، وكذلك استمرارية الرقابة الشعبية الوطنية يعد الحصن الحصين الأساسي في حماية الثورة ومكتسباتها.

السيناريو الثاني: قراءة عقلانية للمشهد من قبل الإخوان المسلمين، وبشكل متوازن والبقاء في العملية السياسية، والعمل على استدراك موقع قدم في الخارطة المستقبلية لمصر، لن الأيام القادمة سوف تشهد لربما خروج بعض الإخوة من الجماعة، ولانضمام في تحالفات جديدة، كما تم خروج الموالين للإخوان من (حزب النور السلفي)، أو سوف يتم العمل في مسار الاعتصامات، والمشاركة السياسية، ولكن هذا سوف يضر مشروعهما في التمكن من جذب تيارات مواليه، أما الشباب لم يكن لهم واقع حي، وسوف يتم العمل به كسلم تسلق للوصول للسلطة، كما تم في ثورة 25 يناير، وإذا تم أشاركه سيحصل على نسبة شكلية لأتمثل مشروع بناء دولة المواطنة المتساوية، وسوف يدخل في صراعات مع القوى الحالية في السلطة، وسوف يكون محل تلاعب القوى في تحريك الشارع، وليس في توازن القوى لإيجاد حالة الاستقرار الأمني، والاجتماعي للانطلاق في بناء دولة المؤسسات القانونية.

إن الرئيس السابق (محمد مرسي) ينفع أن يكون رئيس في مرحلة طبيعة، وليس بهذه المرحلة، ويجب أن يدرك الإخوان بأنهم لم يستطيعوا هزيمة الجيش إذا دخول بحالة صدام مباشر.

إن ما يجب القيام به اليوم هو إصلاحات سياسية واقتصادية وأمنية، وكذلك العمل على محاسبة من يدعم العنف، والمتسبب في قتل المتظاهرين، وتكريس سيــــادة القانون، وكذلك يجب على الإخوة الإسهام في خطاب جديد للخروج من الأزمة، ويجب على المؤسسة العسكرية أن تأخذ دورها الطبيعي بدون الانحياز لأي طرف متصارع، والعمل على أقامت انتخابات رئاسية سريعة، واستغلا ل المرحلة الانتقالية في مشروع تصالحي، والعمل بصيغة تنافسية في بناء الدولة الوطنيـة الحديثـة المدنية، والتخلي عن صياغات الصراعات. لكــي لا تذهــب الثــورة المصريـــة في المجهــول.

حمى الله مصر من شــر الفتن ووحـد الله صفوف أبنائها، وجمع كلمتهم على الحق.

جهاد عبد الرحمن أحمد

كاتب وأكاديمي يمني

نقلاً عن السبئي نت

الوسم : مصر

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق