في ضرورات النووي الخليجي

أتى تصريح الأمير تركي الفيصل، في مؤتمر المنامة الأمني، خلال شهر نيسان/إبريل الفائت، عن ضرورة امتلاك دول الخليج العربية المعرفة النووية لمواجهة أيّة تهديدات إيرانية، ضمن سياق إقليمي شديد التوتر، يشهد تصادمات مصلحية وعسكرية على جبهة المشرق العربي خصوصاً، حيث تعمل ارتدادها على اختراق المنظومة الخليجية، عبر المداخل المذهبية من قبل إيران.

من هنا يمكن طرح تساؤل بالغ الأهمية، حول دواعي احتياج دول مجلس التعاون الخليجي، إلى سلاح نووي، أو على الأقل تقنية نووية تؤهلها للتحوّل إلى سلاح في حال دعت الضرورة ذلك. وعن الإمكانيات الفعلية والعوائد المرجوة من هذه المعرفة.

وتُعبِّر تصريحات الفيصل عن إدراك لمستقبل التهديدات المتوسّعة في المنطقة: “لا نكنّ أيّ عداء لإيران ولا نريد لها أو لشعبها أيّ ضرر كجيران ومسلمين .. لكنّ الضرورة للحفاظ على أمننا تدفعنا إلى العمل على إيجاد توازن معها بما في ذلك المعرفة النووية والاستعداد لأيّ احتمالات في الملف النووي الإيراني .. إنّ أيّ خرق لهذا التوازن سيتيح للقيادة الإيرانية استغلال كلّ الثغرات لإلحاق الضرر بدول الخليج العربية (1)“.

وسنتناول في هذه الدراسة الموجزة، الأبعاد المصلحية من السعي إلى امتلاك المعرفة النووية، سواء في البعد الدولي أو الإقليمي أو الخليجي. والإمكانات الاقتصادية والجيوسياسية المتاحة أمام دول الخليج العربي، وبالأخص السعودية.

أولاً- في البعد الدولي:

يتسم النظام الدولي International Order، بأنّه نظام فوضوي Anarchy، بمعنى أن لا سلطة عليا فيه تنظّم المسائل الدولية، وتصون الأمن والسلم الدوليين، بحيث تُوكَل مهمة الأمن إلى كلّ دولة منفردة معتمدة على ذاتها، وفق منطق القوة والمصالح والتحالفات. ولم تستطع المنظمات الدولية وأبرزها الأمم المتحدة وسلفها عصبة الأمم، التحول إلى نظام عدالة أممي، ولم تتجلَ لحظات الوفاق النسبي الدولي، إلّا إبّان حرب الخليج الثانية، كنتيجة للمتغيرات الدولية في علاقات القوة وشكل القطبية الأحادية Unipolarity.

وقد استندت دول الخليج العربي لحفظ أمنها إلى جملة تحالفات مع القوى الغربية، منذ نشأت هذه الدول بشكلها المعاصر في القرن العشرين. إذ ترافقت لحظة نشأتها بتهديدات أمنية واسعة في المجال الإقليمي والدولي، وضعتها أمام أحد الخيارات التالية:

–      التحالف مع القوى الغربية الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة.

–      التحالف مع المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي.

–      التحالف البيني فيما بينها.

–      الانعزال التام عن المحيط الإقليمي والدولي.

وفيما كانت تلك الدول حديثة النشأة، فإنّ التحالف البيني لم يكن ليقدِّم منفرداً ضمانات أمنية تعينها على تجاوز لحظة الإنشاء، رغم قيام هذا التحالف مُعَبَّراً عنه بمجلس التعاون لدول الخليج العربي بعد سنوات من ذلك. وبالتالي فإنّ خيار الانعزال غدا أكثر كلفة أمنية، وغير قادر على صيانة أمن هذه الدول، في ظلّ بيئة شهدت عدة حروب متتالية على الجبهة الشرقية مع إيران، وفي وسطها مع إسرائيل.

وكان الاتحاد السوفييتي بدوره مناقِضاً قِيَمِيَّاً لتوجهاتها على المستوى السياسي والعقائدي والاقتصادي التنموي، ما حدّد مسار التوجّه الدولي لحظتها لدول الخليج العربي تجاه المعسكر الغربي، عدا عد دور الروابط التاريخية في ذلك.

وقد تكفّلت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية بصيانة أمن دول الخليج العربي، مقابل اتفاقات تعاون نفطي واستثماري وسياسي واسعة المدى. لتتشكّل أعلى قيمة لهذا التحالف، من خلال حرب الخليج الثانية، والتصدي للتهديدات التي شكلها العراق آنذاك.

وقد استفادت دول الخليج من هذا الإطار التحالفي، بعد إتمام لحظة البناء الدولتي، بالتحوّل إلى تشكيل جيوش وطنية ذات ترسانة عسكرية واسعة معتمدة على السلاح الغربي، وإنشاء أجهزة استخبارات باتت من أقوى الأجهزة في الشرق الوسط.

غير أنّ استمرارية ضمان الأمن الخليجي عبر التحالف الغربي تبقى مرهونة بمصالح الطرفين معاً، فأيّة تغييرات في نسق المصالح الأمريكية والغربية على المستوى الدولي، أو في التوجّهات السياسية لدول الخليج العربي، يستتبعه تغيّر في طبيعة التحالفات، ومنه في قدرتها على تحقيق مصالح أصحابها.

وفيما لم تخفِّض نهاية الحرب الباردة الأهمية التي تُعلَّق على الأسلحة النووية، خلافاً لما كان يأمل فيه الكثيرون، حيث إنّ الحوافز لدى الدول في امتلاك أسلحة نووية قد زادت في الفترة التي أعقبت الحرب الباردة لأسباب منها (2):

الأولى: إنّ احتفاظ الدول الحائزة للأسلحة النووية جوهرياً بترسانتها النووية يوضح أنّها تعتبرها ذات دور إيجابي في توفير الأمن، كما إنّ استمرار الاعتماد على الردع النووي، ينبّه بقية المجتمع الدولي، إلى أنّ الأسلحة النووية لا تزال مفيدة، ممّا يتناقض مع الرسالة الصريحة التي تشدّد عليها هذه الدول ذاتها بوجوب منع الانتشار الأفقي.

الثانية: إنّ تلك الدول غير الحائزة للأسلحة النووية والتي فقدت ضمانة الردع الموسّع، التي كانت توفرها لها سابقاً القوتان الأعظم، باتت لديها حوافز أكبر لحيازة أسلحة نووية بوجود الردع الموسّع أو “المظلة النووية”، عندما تَعِدُ دولة حائزة للأسلحة النووية بأن تهبّ لمساعدة دولة غير نووية في حال تعرضها للهجوم، ومع التراجع عن الردع الموسّع أصبحت تشعر هذه الدول بأنّها مكشوفة أمنياً.

الثالثة: إنّ التقاء فقدان الردع الموسع مع الدينامكية الإقليمية زاد من حوافز الانتشار، بحيث يمكن اعتبار عدم الاستقرار الذي سبّبه تفكك تحالفات الحرب الباردة، بمثابة حافز للدول لكي تمتلك رادعاً نووياً.

ووفق هذا الفهم، شهدت فترة التسعينيات، انضمام دولتين بشكل رئيس إلى نادي الدول النووية (الهند وباكستان)، عدا عن التحوّل النووي في كوريا الشمالية. وسعي دول أخرى لامتلاك برنامج نووي قادر على التحول إلى برنامج عسكري (إيران)، فيما تعلن دول أخرى -بشكل مباشر أو غير مباشر- عن قدرتها أو رغبتها في الانضمام إلى نادي الدول النووية (البرازيل، جنوب إفريقيا، تركيا).

وبإلقاء نظرة على الخارطة الدولية، يبدو الخليج العربي محاطاً بقوى وبرامج نووية، تجعله بيئة مستهدفة في حال نشوب صراع دولي أو إقليمي جديد. بل ويُخفِّض من القيمة الاستراتيجية لترسانة السلاح الخليجي، نتيجة افتقادها لآلية الردع الأبرز (السلاح النووي).

gulf1

بل إنّ تلك الخارطة تضمُّ تهديدات إضافية في حال توسيع الأخطار لتشمل (قنابل الفقراء أو القنابل القذرة)، وهي السلاح الكيماوي والجرثومي والبيولوجي، الذي يعتبر أوسع انتشاراً من سابقه، ويشكِّل تهديداً استراتيجياً يقارب قيمته التهديد النووي في حال عدم امتلاك رادع له.

وخاصة أنّ الأنظمة التي تمتلك هذه الأسلحة، أنظمة عدوانية في الأساس تجاه محيطها، وإن كان قد خرج العراق من قائمة هذه الدول منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أنّ إيران تعتبر الأبرز إقليمياً في هذه القائمة. وقد شهدنا رعونة استخدام هذه الأسلحة من قبل الأنظمة السياسية، والتي من أحدثها استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي تجاه الشعب السوري صيف 2013، ورغم المشروع الدولي لسحب هذا السلاح منه، إلّا أنّ مصداقية العمل تبقى ضعيفة، في ظلّ دعم روسي للمناورة على الصعيد الدولي، وقدرة على إعادة الإنتاج في فترات لاحقة، وهو ما يشكّل خطراً على كافّة محيطه الإقليمي، سواء بشكل مباشر، أو عبر عمليات إرهابية يبرع بها هذا النظام.

كما تلعب العوامل الاقتصادية دوراً آخر في توجهات الولايات المتحدة، وخاصة بعد الإعلان عن اكتشافات نفطية جديدة فيها (الغاز الصخري)، والتي إن صدقت التكهنات المتعلقة بها، ستدفع إلى تقليل الاعتماد الأمريكي على نفط الخليج العربي، وهو ما سينعكس حتماً على طبيعة التحالف.

إنّ انخفاض القيمة الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي في الحسابات الأمريكية، قد يتبعه تخفيض في مستوى الالتزام الأمريكي بحفظ الأمن الخليجي، وتغيّر في شكل التحالفات البينيّة، وخاصة أنّ الولايات المتحدة قد سبق لها وأن تخلت عن حلفاء أساسيين لها في المنطقة، كما حصل مع شاه إيران ومع نظام حسني مبارك.

تدفع هذه المتغيرات الدولية، إلى البحث عن صياغة أمنية جديدة، على المستويين المتوسط والبعيد، تكون قادرة على الإعلاء من قيمة الأدوات الردعية في مواجهة التحديات الإقليمية، وربما الدولية. وتقلّل من الاعتماد على التحالفات البعيدة لصالح تحالفات جديدة في المنطقة.

ثانياً- في البعد الإقليمي:

شهد النظام الدولي حالة قطبية أحادية صلبة، إبّان رئاسة بوش الابن، ما دفع الولايات المتحدة إلى إضفاء أبعاد قِيَمِيَّة على مصالحها، أدّت إلى توترات في طبيعة العلاقات مع دول الخليج العربي، وبالأخصّ السعودية، حيث شهدت تلك العلاقات جملة من التوترات إزاء مفهومي تصدير الديمقراطية عربياً ومحاربة الإرهاب. وكنتيجة لما آلت إليه حرب الخليج الثالثة، واحتلال العراق، وإفساح المجال أمام إيران للتغلغل الواسع فيه، على حساب المصالح العربية عامة، والخليجية خاصة. وهو ما جعل إيران (الخطر الأول) على أعتاب دول الخليج العربي جغرافياً إضافة إلى البعد الديموغرافي.

ومع تحول القطبية الأحادية إلى الحالة المرنة مع أوباما، شهد النظام الدولي حالة سيولة، فتحت المجال أمام عديد من القوى لإعادة تموضعها وتعريف مصالحها على المستوى الدولي. بل حتى إنّ غياب تحديد واضح لمبدأ أوباما في السياسة الدولية، ساعد على تأويلات ذاتية من عدّة قوى وأولها إيران، التي دفعت إلى إعلاء العامل العسكري في البيئة العربية، من خلال تعزيز هيمنتها على العراق ولبنان، والدفع بمزيد من الدعم لميليشياتها في اليمن، وصولاً إلى توسيع عملياتها العسكرية باحتلال سورية.

يضاف إلى ذلك، التغيرات التي طرأت على التوجهات العالمية الأمريكية، عبر تخفيض الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، لصالح إعلائها في شرق آسيا والمحيط الهادي، بغية الدفع نحو حسم شكل النظام القطبي الأحادي في مواجهة الصعود الصيني. وهو ما دفع إلى تغيّر في الترتيبات الإقليمية لغير صالح الدول العربية وأبرزها الخليجية، لناحية التغاضي عن التوسع العسكري الإيراني في عدّة جبهات، بل والتقارب التدريجي الأمريكي-الإيراني منذ توقيع اتفاق جنيف النووي معها.

هذه البيئة غير المستقرة، دفعت إيران منذ تسعينيات القرن الماضي إلى إعادة تطوير برنامج نووي يمتدّ على مساحات واسعة داخلها، ترافق مع حالة مناورة سياسية على الساحة الدولية، أتاحت الاستمرارية من جهة، وضمان الاستخدام المدني له على الأقل، بعد امتلاك أسس تطويره العسكري من جهة ثانية.

وبالنظر إلى الخارطة الإيرانية، يظهر مدى اتساع هذا البرنامج، من مراكز بحثية ومراكز تخصيب اليورانيوم، ومناجم يورانيوم، ومصانع لمعالجته، إضافة إلى مصانع تحويله وتصنيع الوقود النووي، والمحطات النووية، ومفاعلات المياه الثقيلة، ومراكز تجميع النفايات النووية.

gulf2

وفي قراءة الأبعاد الاستراتيجية والأيديولوجية الإيرانية، فإنّ هذا المشروع يستهدف بالدرجة الأولى المحيط الخليجي العربي، بعد إتمام التغلغل شماله في العراق وسورية. وإن كانت دول الخليج العربي قادرة على التصدي من خلال المواجهات التقليدية للخطر الإيراني، نتيجة حداثة سلاحها وتفوقه، في أيّة معركة محتملة، إلا أنّ عامل القوة النووية والكيماوية يعمل على تثقيل القوة الإيرانية في مواجهة القوى الإقليمية.

بل ويشكل حالة ردع لها، عن مهاجمة إيران، خشية التعرض لهجمات من هذا النوع، في ظل نظام عدواني لا يتوانى عن استخدام هذه الأسلحة، عدا عن إشرافه على استخدامها سابقاً في سورية.

وإن كان جزء كبير من عملية التسليح الإيرانية، مجرد حالة تعبوية إعلامية، تقصد خلق ردع وهمي، إلا أنّ ذلك لا ينفي امتلاك إيران لأسلحة بعيدة المدى، وهي لا تحتاج فعلياً إلى بضعة صواريخ قادرة على حمل رؤوس غير تقليدية، حتى تملك تفوقاً استراتيجياً إقليمياً. خاصة أنّ صواريخها قصيرة المدى تطال الضفة الغربية للخليج العربي، فيما تطال صواريخها متوسطة المدى معظم الأراضي السعودية.

gulf3

ورغم أنّ اللجوء إلى استخدام هذه الأسلحة، يعني حالة دمار مقابلة داخل الجغرافيا الإيرانية، إلا أنّ مجرد امتلاك الخيار لهذه العملية، يدفع إلى ضرورة البحث عن حالة ردعية مقابلة، تخرج السلاح الكيماوي الإيراني، والنووي المحتمل، من الحسابات الاستراتيجية، وتفقده تفوق قيمته المضافة. دون الاكتفاء ببناء منظومة درع صاروخي، لمواجهة أيّ عدوان إيراني. إذ إنّ هذه المنظومة وإن كانت ذات فعالية في صدّ الصواريخ وحرفها عن مسارها، إلا أنّها غير فعّالة أمام عمليات الإرهاب التي قد تستخدم هكذا أسلحة. وخاصة أنّ لإيران دور بارز في دعم عمليات إرهابية داخل دول الخليج –والسعودية بالأخص- منذ ثمانينيات القرن الماضي، وأبرزها محاولات استهداف مواسم الحج.

كما أنّ دول الخليج العربي تقع جمعيها على بحار دولية، تجوبها السفن الإيرانية العسكرية، عدا عن انتشار القواعد العسكرية الإيرانية في دول الجوار، كالسودان والعراق وسورية.

يضاف إلى التهديد الإيراني، التهديد الإسرائيلي، والذي لا يقل خطورة عنه، وإن كان يفتقد لميزة العمق الجغرافي التي تتمتع بها إيران. حيث تظهر المواقع المرتبطة بالسلاح النووي ضمن بيئة جغرافية مكشوفة غير محمية طبيعياً، وفي حيز جغرافي صغير، لا يملك القدرة على المناورة سوى من خلال منظومة الردع الصاروخي. غير أنّها كذلك تمتلك مجموعة صواريخ قادرة على أن تطال كافة الجغرافية الخليجية، والتي يتجلى بعدها التهديدي من خلال قدرتها على حمل رؤوس غير تقليدية.

gulf4

فيما تسعى تركيا إلى توسيع نشاطها في الملف النووي، ووفق بعض التكهنات فإنّها من الممكن أن تتحول إلى دولة نووية خلال عقد أو أكثر، رغم كونها تتمتع بحماية المظلة النووية لحلف الناتو.

إنّ مسألة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي، تبقى مسألة سياسية، من غير الممكن تطبيقها عملياً، في غياب نظام دولي قادر على توفير الأمن لكافة أعضائه على ذات القدر من المساواة، بل إنّ منطق القوة وحده هو من يحكم طبيعة العلاقات الدولية، ويحدّد موقع الدولة بين القوى الأخرى. وإن كانت العوامل الاقتصادية والسياسية والمجتمعية تلعب دوراً مثقلاً أو محبطاً في ذلك، إلا أنّها تبقى عوامل إضافية إلى عامل القوة الصلبة، وإن كانت دول الخليج العربي قد تفوقت في تلك العوامل، إلا أنّ تعزيز قوتها العسكرية غير التقليدية يبقى ضرورياً ليترافق مع التحديث الذي تشهده ترسانتها التقليدية.

ثالثاً- في البعد الداخلي:

بعيداً عن السلاح النووي والكيماوي، وفي مقارنة تسليحية تقليدية، تتفوق دول الخليج العربي، وبالأخص دولتا السعودية والإمارات، بنمط المنظومة التسليحية التي تمتلكها على محيطها الجغرافي، لناحية الكم والنوع، حيث تمتلك صواريخ قادرة على بلوغ العمق الروسي والإفريقي وشرق أوروبا والهند. عدا عن منظومة طيران عسكري عالي التفوق والمناورة.

gulf5

وفي حال تجهيز هذه الصواريخ برؤوس غير تقليدية، فإن المعادلات الأمنية لمنطقة الشرق الأوسط خاصة، وآسيا بشكل أعم، ستُنتِج قوى إقليمية عربية قادرة على فرض أجندات جديدة في الساحة الدولية. وتُفقِد كافّة المنافسين الإقليمين أيّ تفوق عسكري غير تقليدي، دافعة نحو نمط من الردع والردع المتبادل، يفرض سلام قوة في المنطقة على كافّة الأطراف.

ولنا أن نتذكر كيف عملت المنظومة النووية على فرض سلام بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إبّان الحرب البادرة، نتيجة منطوق الردع النووي المتبادل، فلم تشهد علاقاتهما على تبايناتها أيّة حروب مباشرة، وكان سقوط الاتحاد السوفييتي نتيجة انهيارات داخلية في منظومة الاقتصادية والقيمية، وهو ذاته العنصر الذي بات يهدد النظام الإيراني.

إنّ افتتاح عصر سباق تسلح نووي في المنطقة، هو بالطبع لصالح الدول الخليجية أولاً على المستوى المتوسط والبعيد. ولا قدرة لإيران على مجاراة هذه الدول على سباق لا تمتلك مقومات استمراريته، وإن امتلكت أسس قيامه.

وخاصة أنّ الدول الخليجية، قد أطقت مساراً تنموياً أثمر مجتمعياً، ودفع إلى تعزيز شرعية الأنظمة السياسية، في مقابل انهيارات متتالية تتلاحق داخل بنى النظام الإيراني، نتيجة إخفاقاته على المستوى المجتمعي التنموي. وبالتالي فإنّ استمرارية النظام الإيراني في الإنفاق على البرامج التسليحية الكبرى، وبالأخص البرنامج النووي، على حساب البرامج التنموية، سيدفع في الأعوام القادمة، إلى بلوغ حدّ من التأزم الداخلي غير قابل للعودة عنه، ويضع النظام في مواجهة المجتمع أو مواجهة الانهيار.

كما تتفوق دول الخليج العربي، على إيران وإسرائيل معاً، لناحية القدرات التمويلية الخاصة بهذا المشروع، دون الحاجة إلى الاستناد إلى المعونات الخارجية أو الاقتطاعات المالية من الموازنات السنوية، أو تأجيل برامج التنمية الداخلية. إذ تمتلك احتياطات مالية تتصدر القوائم العالمية، عدا عن دور صناديقها السيادية الريادي على المستوى الدولي، إضافة إلى ضخامة حجم القطاع الخاص الوطني، الذي يمكن استدعاؤه إلى بعض جوانب هذا المشروع.

إذ تمتلك دولة الإمارات وحدها قرابة 813 مليار دولار كصاحبة أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم، وبنسبة تبلغ 15% من الثروات العالمية. فيما يقدر الصندوق السيادي السعودي بقرابة 532 مليار دولار، والكويتي بحدود 296 مليار دولار، والقطري بحدود 115 مليار دولار، فيما لا يتجاوز الصندوق البحريني 9 مليارات دولار، والعماني 8 مليارات دولار (3).

وتمتلك الدولتان الخليجيات الأبرز في ذلك –السعودية والإمارات- المقومات الجغرافية الضرورية لذلك، وإن كانت في الحالة السعودية أكثر بروزاً، سواء لناحية العمق الصحراوي البعيد عن التجمعات السكنية، والذي يشكل مجالاً لبناء هذا المشروع وملحقاته، أو لناحية الامتدادات الساحلية اللازمة لتوفير المياه للمفاعلات.

كما ويمكن الاستفادة من الخبرات العربية، المصرية تحديداً، عدا عن الخبرات الباكستانية والعراقية، والتي تعتبر ذات قدرات عالية المستوى، تؤهلها للعمل على إنتاج السلاح النووي العربي، فارتداد هذا المشروع تعتبر ارتدادات عربية في الأساس. إضافة إلى استعداد كثير من الدول لتقديم معرفتها سعياً لاستحصال عوائد مالية ضخمة لهذا المشروع.

ورغم حجم الإنتاج النفطي الكبير للدول الخليجية، إلا أنّ العوائد المدنية المرجوة من هذا التقنية النووية، تعين على توفير كميات كبيرة من الطاقة محلياً، تدفع إلى تخفيف الاستهلاك المحلي من النفط، وتوجيهه ثانية نحو التصدير، وهو ما يشكل عوائد مالية إضافية للخزائن العامة. وخاصة أنّه مع توسيع عملية التحديث والنمو في دول الخليج العربي ترتفع نسب استهلاك الطاقة النفطية بشكل كبير.

فعلى سبيل المثال، فإنّه من المتوقع أن ينمو الطلب على الطاقة الكهربائية في الإمارات بنسبة تقارب 9% سنوياً حتى العام 2020، علماً بأن الغاز الطبيعي هو المصدر الحصري تقريباً لمحطات توليد الطاقة في الإمارات. وبسبب الارتفاع المستمر في الطلب على الغاز لتلبية متطلبات محطات التوليد وكذلك الاستخدامات الصناعية مثل مصانع البتروكيماويات ومصانع الحديد فقد تحولت دولة الإمارات خلال العقد الماضي إلى دولة مستوردة للغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي عجّل بإطلاق استثمارات ببلايين الدولارات تجاه تطوير مصادر الطاقة النووية والطاقات المتجددة (4).

وأكدّت دراسة أجراها مركز كفاءة الطاقة السعودي أنّ المملكة تنتج أكثر من 12% من الطلب العالمي من النفط، إلا أنّها تستهلك 24% منها للاحتياج المحلي بمعدل 3 ملايين برميل يومياً، وأنّ الاستهلاك المحلي سيصل في السعودية عام 2030 إلى 50% إذا لم يتغير نمط الاستهلاك من خلال التوعية والترشيد. وبيّنت الدراسة أنّ نصيب الفرد في السعودية من الطاقة الكهربائية، أكثر من 8000 كيلو واط، بينما المتوسط العالمي 2700 كيلو واط. وكشفت مسؤولة دراسات الطاقة في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الخارجية (تشاتهام هاوس)، غلايدا لان، عن أنّ هدر الطاقة سيكلّف المملكة العربية السعودية وحدها 36 مليار دولار سنوياً، خلال العقد المقبل، و50 مليار دولار لدول الخليج مجتمعة (5).

خاتمة:

يبقى مفهوم الردع عبر القوة، هو الضامن الأول لأمن الدول، ويتوفق على حجم القوة التي تمتلكها الدولة ونوعها ومدى انتشارها، ضمن سياق غير تقليدي لتعريف القوة، والذي يشمل كافة عناصر بناء الدولة سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً.

وحيث إنّ المنظومة الخليجية قد امتلكت من عناصر قوة الدولة ما يؤهلها لاحتلال مراتب متقدمة بين القوى الإقليمية، فإنّ إتمام هذا الفعل يرتبط بقدرتها ورغبتها في امتلاك القيمة المضافة الأساسية للترسانة العسكرية الضخمة، عبر ردفها بتقنية نووية قادرة على تشكيل ضابط للتنافسات الإقليمية.

على أنّ الاكتفاء بمطالبة نزع القدرات النووية العسكرية الإيرانية والإسرائيلية، تبقى ذات مردود محدود، في ظلّ سياسة دولية قائمة على احترام منطق القوة فحسب، ولا يمكن الركون إلى النوايا “الحسنة” الإقليمية والدولية في ذلك.

غير أنّ ذلك يحتاج إضافة، إلى إعادة تعريف للسياسة الخليجية –السعودية تحديداً- وموقعها، من خلال إدخال مفهوم مناطق النفوذ إلى تلك السياسة، في مواجهة مناطق النفوذ الإيرانية، بل وانتزاعها منها، وخاصة أنّ غالبيتها هي دول عربية في الأساس. وقد وفّرت الظروف الإقليمية الناشئة بعد الثورات العربية، إمكانية لاستقبال دور خليجي –سعودي- مواجه للدور الإيراني، وخاصة في مصر وسورية واليمن، يمكن من خلاله إعادة ضبط العلاقات الإقليمية كافة.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

مراجع:

(1) “تركي الفيصل يدعو دول الخليج لاكتساب المعرفة النووية لمواجهة إيران”، فرانس 24 France، 26/4/2014.

(2) برايان وايت وآخرون، قضايا في السياسة العالمية، ترجمة: مركز الخليج للأبحاث (دبي: مركز الخليج للأبحاث، الطبعة الأولى، 2004)، ص 128-129.

(3) جاسم حسين، “الصناديق السيادية والأمن الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي”، في: محد بدري عيد وجمال عبد الله [تحرير]، الخليج في سياق استراتيجي متغير (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات: الطبعة الأولى، 2014)، ص 246-247.

(4) “المزروعي: دول الخليج مطالبة بخفض استهلاك الطاقة”، الاقتصادي، 14/1/2014:

http://www.albayan.ae/economy/local-market/2014-01-14-1.2040150

(5) بندر الدوشي، “تقرير دولي: “السعودي” الأعلى في استهلاك الطاقة بمعدل 40 برميل من النفط سنوياً”، 6/4/2014: http://sabq.org/CgWfde

وقعت السعودية على اتفاقيات لإنشاء 16 محطة نووية في عموم المملكة خلال عشرين سنة المقبلة بتكلفة 300 مليار ريال سعودي، حيث سيبدأ العمل في أول محطتين عام 2016 بحسب تقرير عرض في world nuclear association،وكشف التقرير عن أن السعودية اختارت ثلاث مدن لبناء مفاعلات نووية، هي: جازان والجبيل وتبوك. وأضاف التقرير أن السعودية وقعت اتفاقيات نووية مع دول عدة منها الأرجنتين والصين واليابان وكوريا وفرنسا، حيث ذكر التقرير أنه ربما قد تكون فرنسا لها اليد الطولى في المشاريع النووية السعودية، حيث بدأت بتفعيل برامج تدريب للشباب السعودي ووقعت اتفاقيات عدة مع جامعات ومراكز أبحاث سعودية. وذكر التقرير أن السعودية تتباحث الآن مع روسيا والتشيك وبريطانيا وأمريكا لمزيد من التعاون في الأبحاث النووية.

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق