في ذكراها: عاصفة الحزم وإعادة تشكيل الوعي العربي في مواجهة المشروع الإيراني العابر للوطنية

مقدمة

بعد منتصف ليل الخامس والعشرين من مارس 2015، انطلقت العملية العسكرية لعاصفة الحزم، في بادرة لا تتوقف في دلالاتها كعملية قتالية وحسب، بقدر ما شكلت منظومة ثقافية لإعادة تشكيل الوعي العربي في مواجهة المشروع الإيراني الطائفي، الرامي إلى خلق حالة من التغريب داخل الدولة الوطنية الواحدة وتفتيتها.

جاءت عاصفة الحزم، في توقيتٍ مازالت فيه إيران، أنموذجاً ماثلاً للعيان في صناعة الطائفية والفوضى، في لبنان والعراق وسورية واليمن. لذلك تبدتْ عاصفة الحزم كمعركة ثقافية في مواجهة مشروع الدويلات والكانتونات الطائفية، وهي معركة جاءت لتكشف الغطاء عن الدور الإيراني في تفتيت الدولة العربية الوطنية، وجر مكونات بعينها نحو فكرة الحاكمية المطلقة للولي الفقيه، وتجسيدها داخل جغرافيات معزولة تؤمن بفكرة الدولة الإسلامية العابرة للوطنية، حيث تتراجع والحال هذه فكرتي المواطنة والأمن القومي.

على الصعيد الإقليمي:

وكما ظهرت عاصفة الحزم كمعركة ثقافية، بدتْ على المستوى الإقليمي أيضاً، أكبر من معركة خليجية لاستعادة الشرعية في دولة انقضت على مؤسساتها مجموعة من المتمردين المدعومين خارجياً من إيران، في انتهاك فعلي لمبدأ عدم التدخل في القانون الدولي.

جاءت عاصفة الحزم حاملةً مرة أخرى، قدرة الدفوعات السعودية – الإماراتية في إعادة تشكيل سياسات الإقليم، بعد سحب البساط من إيران وتركيا في الملف المصري، وأعادت الدور السعودي كشقيقة كبرى لدول الخليج العربي، بالتوازي مع صعود إقليمي واضح للسياسة الخارجية الإماراتية، التي ظلت حريصة على عودة النظام الإقليمي العربي، في مواجهة الكانتونات العابرة للوطنية، متمثلة بحركات الإسلام السياسي، التي تقف وراءها الدولتان الإقليميتان تركيا وإيران.

ظهرت أولى نتائج الدفوعات السعودية- الإماراتية في الإقليم، بعودة الملف السوري بقوة إلى المملكة العربية السعودية، كما الدفوعات الإماراتية في تأسيس قوة عربية مشتركة، تبنتها جامعة الدول العربية في موتمرها المنعقد في شرم الشيخ بتاريخ 29 مارس 2015،  الذي شكل منطلقاً لإعادة هيكلة التعاون الأمني العربي، بعد انتكاسات ماسمي بـ ” الربيع العربي”، وتداعياته التي شكلتْ أرضاً خصبة لتنامي الحركات الجهادية التكفيرية، وقواها الإقليمية الداعمة.

 جاءت عاصفة الحزم كضرورة تاريخية بعد أنْ طفح كيل التمددات الإيرانية في المنطقة العربية، فقد استغلت إيران الحوثيين كمكون يمني، لم تكن له تلك العلاقات التاريخية العميقة معها، قياساً بعلاقتها مع “حزب الله” في لبنان.

استطاعت إيران في مراحل من عمر الدولة اليمنية المعاصرة، استغلال الصراع بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح نفسه. إذ شكلت الأوضاع الداخلية اليمنية، وحالات الفساد وإقصاء دور المؤسسات التي أفرزتها سياسة علي عبد الله صالح، إلى دخول اليمن في داومة من الصراعات الداخلية، التي شكلت مدخلاً لإيران لجر الحوثيين إليها، واستخدامهم كمطية بيد سياسات الولي الفقيه، وهو ما حدث بالفعل حين نقل عبد الملك الحوثي، الخلاف بينه وبين علي عبدالله صالح من خلاف سياسي لجماعته الزيدية الأقرب إلى المذهب السني، إلى خلاف طائفي بايع من خلاله الولي الفقية، واضعاً اليمن أمام نسخة كربونية من “حزب الله”، قبل أنّ يصبح أعداء الأمس حلفاء اليوم، حيث التقت شهوة الانتقام والسلطة لدى صالح مع الأطماع الإيرانية في المنطقة العربية ككل، والخليج العربي على وجه الخصوص، فأصبحت لعبة الحوثيين وصالح وإيران، أشبه بالصراع بين ثعابين، ظن من خلالها صالح بأنه قادر على “الرقص فوق رؤوس هذه الثعابين”، حتى ولو كلفه ذلك تدمير اليمن بأكمله.

 ومن هذه النقطة بالذات استشعرت السعودية خطورة مايجري في اليمن، الذي أصبح مهدداً بمعضلة لم تعد خلافاً سياسياً، بقدر ما تهدد كيانه الوطني ونسيجه الداخلي، كما التهديد الفعلي لأمن الخليج العربي، لاسيما بعد أنْ نقل الحوثيون صراعهم من شمال اليمن إلى جنوبه، في الوقت الذي كانت فيه قيادات جنوبية تقيم علاقات طيبة مع إيران وتتحالف معها، في محاولة من تلك القيادات لفك الارتباط عن الوحدة اليمنية واستعادة جمهوريتها السابقة “جمهورية اليمن الديمقراطية”، غير أنّ حسابات إيران كانت أبعد من حسابات جنوب اليمن.

 تدرك إيران أنّ علاقتها مع البعض من القيادات الجنوبية، مجرد علاقة عابرة في إطار دعمها لجميع الأطراف المتصارعة. لذلك انقلبت على حلفائها من القادة الجنوبيين، وشرع الحوثيون باحتلال عدن العاصمة الجنوبية، وتدمير بناها التحتية بشكل ممنهج، ما أدى إلى فك القيادات الجنوبية علاقتها مع إيران وتأييد عاصفة الحزم، حيث أظهر الجنوبيون وعيهم الوطني والعربي، من خلال مقاومة قل مثيلها في مواجهة المشروع الإيراني الطائفي- التوسعي.

على الصعيد الدولي:

اتخذت عاصفة الحزم زمام المبادرة لحل المشكلات الإقليمية، وبالتوازي مع سياسة الانكفاء الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، التي انتهجتها إدارة الرئيس باراك أوباما، إذ أصبحت  الولايات المتحدة تميز بين مهامها على الصعيد الدولي، وبين مهامها على الصعيد الإقليمي.

فعلى الصعيد الدولي دعت الإدارة الأمريكية لتحمل المسؤولية بين الفاعلين الرئيسيين في النظام الدولي الجديد تأميناً لدورها كدولة عظمى.

 أما على الصعيد الإقليمي، فقد انتهجت إدارة أوباما سياسة الانكفاء، داعيةً الدول الإقليمية الأكثر تضرراً بتولي مسؤولياتها بنفسها، دون أنْ تتخلى عن التنسيق الدولي لمواجهة المشكلات الإقليمية الحاصلة.

لذلك، ما أنْ نقلتْ إيران الحرب من الشمال إلى الجنوب، حتى أصبحت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أمام تهديد فعلي لأمن الخليج العربي، وباب المندب الممر إلى قناة السويس، ما يعني تهديداً فعلياً وحاصلاً للأمن القومي العربي برمته.

من هذه النقطة بالذات، جاءت عاصفة الحزم بالدعوة لتشكيل تحالف عربي يسعى لاستعادة اليمن، واستعادة النفوذ السعودي- الإماراتي في منطقة الخليج، بعد نجحت الدولتان، في الحملة ضد جميع حركات الإسلام السياسي السني والشيعي وتوصيفها بالإرهاب، كما حصل مع جماعة “الإخوان المسلمين”، و “حزب الله” مؤخراً، ما يعني سحب الأذرع الأيديولوجية لإيران في المنطقة.

 في إطار مجلس الأمن الدولي وميثاق الأمم المتحدة

قبل بدء العمليات العسكرية لعاصفة الحزم، أصدر مجلس الأمن الدولي في 15 فبراير 2015 القرار الأممي رقم 2201، الذي طالب فيه الحوثيين بالانسحاب من المؤسسات الحكومية التي استولوا عليها، واستنكر مجلس الأمن الدولي استخدام الحوثيين للعنف المسلح لتحقيق غايات سياسية، وسيطرتهم على البرلمان وحله، كما سيطرتهم على وسائل الإعلام واستخدامها للتحريض على العنف.

طالب مجلس الأمن الدولي الحوثيين، بالدخول في مفاوضات سلام، والإفراج عن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ورئيس وزرائه خالد بحاح، وأعضاء الحكومة الذين وضعهم المتمردون الحوثيون تحت الإقامة الجبرية، في عملية واضحة لخرق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

لم يستجب المتمردون الحوثيون لقرارات ودعوات المنظمة الدولية، المعنية بحفظ السلم والأمن الدوليين، ورفضوا أية مبادرة سياسية، بما فيها دعوات دول عظمى داخل مجلس الأمن الدولي لتطبيق القرارات الأممية والدخول بالمفاوضات، محذرين الحوثيين بمسؤوليتهم عن تقويض العملية السياسية في اليمن، بما يؤدي إلى زيادة العنف وتهديد السلم والأمن الدوليين في كامل المنطقة.

في 26 فبراير 2015 ألقى زعيم المتمردين عبد الملك الحوثي خطاباً خص فيه الهجوم على المملكة العربية السعودية، وفي 12 مارس قامت جماعته بدعم ومؤازرة إيرانية بإجراء مناورات عسكرية بمعدات عسكرية ثقيلة على الحدود السعودية، صرح خلالها القيادي الحوثي المدعو  محمد البخيتي “أنّ الحوثيين سوف يحررون نجد والحجاز، وأنّ قواتهم جاهزة لمواجهة أي هجوم سعودي، وأنهم لن يتوقفوا إلا في الرياض”.

حذرت المملكة العربية السعودية قبل إعلان عاصفة الحزم، من عواقب التوجه إلى عدن، إلا أنّ الحوثيين شنوا هجوماً استفزازياً على المحافظات الجنوبية، وأصبحوا على وشك الاستيلاء على عدن، التي كان قد انتقل إليها الرئيس هادي بعد انقلاب 2014، ماحدا بالسعودية لبدء عملياتها العسكرية، بدءاً من مطار صنعاء الذي سيطر عليه الانقلابيون.

 في إطار قواعد ومبادئ القانون الدولي العام

جاءت عاصفة الحسم كاستجابة لمشروعية قانونية، بعد انقلاب مسلح على السلطة الشرعية في اليمن بدعم إيراني، ما يشكل انتهاكاً واضحاً لـ ” مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية” كأهم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، إذ يشكل انتهاك هذا المبدأ انتهاكاً للسيادة الداخلية اليمنية، استناداً لنص المادة 2 فقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من الضرورة الاستراتيجية لقيام التحالف ضد المتمردين، وبالرغم أيضاً من كون الانقلاب يشكل عدواناً سافراً حسب 51 من ميثاق الأمم المتحدة، فقد جاءت عاصفة الحزم، استناداً لمشروعية ” التدخل بناء لطلب الدولة المعتدى عليها”، المنصوص عليه في القانون الدولي.

 ففي 24 مارس 2015 تقدم الرئيس هادي برسالة إلى قادة دول مجلس التعاون في الخليج العربي، في إطار قانوني أوضح من خلاله الأوضاع بالغة الخطورة في اليمن، جراء الأعمال العدوانية للحوثيين، وناشدهم بالتدخل للوقوف إلى جانب الشعب اليمني لحمايته، استناداً لمبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، واستناداً لميثاق جامعة الدول العربية، ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، للتدخل لحماية اليمن، الذي يشهد أوضاعاً بالغة الخطورة.

خاتمة

لقد أظهرت عاصفة الحزم وحدة الموقف العربي، منذ تبني الجامعة العربية قرارها بتشكيل قوة عربية مشتركة، كما أعادت الوعي العربي لمواجهة عقود من سياسات التمدد الإيراني في المنطقة.

الوعي الذي أفرزته عاصفة الحزم، أعاد تصحيح الكثير من المسارات العربية والإقليمية والدولية، إذ لم يتوقف هذا الوعي عند المواقف الرسمية للدول العربية، بل تعداه إلى مواقف شعبية، فقد شهد الشارع العربي تأييداً جماهيرياً كبيراً لعاصفة الحزم، وشهدت غالبية الدول العربية مسيرات مؤيدة للعملية، بما في ذلك الأحواز المحتل، وبعض المحافظات السورية، التي طالب من خلالها المتظاهرون بالحد من التدخل الإيراني.

وعلى صعيد المواقف الدولية، أظهرتْ عاصفة الحزم مدى التأييد الدولي للموقف العربي- الخليجي في مواجهة المشاريع الإيرانية في المنطقة، إذ أيدتْ العملية كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وألمانيا، وباكستان، وغينيا، والسنغال، وماليزيا، وكندا واسبانيا، وأفغانستان، وبنغلادش، كما العديد من المنظمات الإسلامية كمنظمة التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي وغيرها.

باختصار: لقد أثبتت عاصفة الحزم فشل الحوثيين وإيران أمام المجتمع الدولي، وظهورهم كمارقين على الشرعية وقواعد القانون الدولي العام، وقرارات مجلس الأمن الدولي، كما ظهرت إيران أمام العالم، بأنها غير قادرة على تطويق المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وأظهرتْ قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على حماية مضيق باب المندب، كأحد أهم الممرات البحرية الدولية،  فأزالت بذلك أي خطر محتمل على الأمن الدولي والعربي والخليجي.

 

نقلاً مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق