في تهديدات نصر الله للبحرين

في تهديدات نصر الله للبحرين

كلما اشتد الخناق على إيران وأدواتها الميليشاوية في سورية والعراق، تعمل على إشغال البيئة الخليجية بملف البحرين من جديد، عبر عملية تحريض طائفي تجاه الشعب البحريني، وتهديد مبطن بتوظيف الكتلة الشيعية فيها بأدوات عسكرية لانتزاع مكاسب سياسية في المملكة وفي الخليج العربي ككل.

آخر هذه الجولات، ما جاء به أمين حزب الله الإرهابي حسن نصر الله، من تصريحات أقل ما يمكن وصفها بالوقحة، في وقت تنغمس فيه ميليشياته في قتل المجتمع السوري منذ أربعة سنوات ولا تزال، وتخسر يومياً عشرات القتلى، ولعل أحدثها مقتل نجل عماد مغنية داخل سورية.

ولو استخدمنا ذات الأسلوب الذي عمدت إليه إدارة نجاد في تحريف خطاب الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، واستبدال سورية بالبحرين، لتوضح مدى الزيف الذي يحاول نصر الله ترويجه، من خلال توظيف كل أدوات العنف المتاحة له في سورية، والانتصار الطائفي لفئة تجاه أخرى في سورية والبحرين معاً.

ويتوضح كذب نصر الله تجاه البحرين من خلال ما أثبته تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق (لجنة بسيوني) من أن الجماعات المعارضة قد بادرت إلى استخدام العنف عدة مرات تجاه المواطنين السنة ورجال الأمن، وأبرز مثال على ذلك الفيديو المتداول لدهس أحد رجال الأمن عدة مرات من قبل هذه الجموع “السلمية”.

ويتصدى نصر الله للمطالبة بحقوق يراعها مشروعة في البحرين، وإرهابية في سورية، عبر اختصار ما يجري بأنه مطالبة بانتخابات حرة لمجلس نيابي، لكن يغفل أن الحكومة البحرينية حاولت مرارا تفعيل المحادثات السلمية مع المعارضة، لكن الأخيرة كانت تطالب بإعادة رسم الدوائر الانتخابية بشكل ضيق جداً، ويما يمنح الشيعة مقاعد أكثر من حجمهم في المجتمع.

وخاصة أن كثيراً من الدراسات ذهبت إلى دحض فكرة الأغلبية الشيعية في البحرين، من خلال نسب توازن بين الطرفين، وتعطي لكل منهما قرابة 50% من السكان.

فيما دفعت القوى السياسية لشيعية وائتلاف شباب 14 فبراير إلى عملية تحشيد قائمة على الانتماء المذهبي، في مواجهة الشارع الآخر الذي كان له حشده المماثل تقريباً، وتمّ الاشتغال على تعزيز خط الانفصال المذهبي، عبر رفع الشعارات الموالية لإيران وصور خميني وخامنئي، في مواجهة شعارات الانتماء العروبي الخليجي، والإقرار بسلطة العائلة الحاكمة على البلاد. وبات الحراك البحريني حراكاً شيعياً خالصاً، يلقى دعماً من إيران وميليشياتها في المنطقة، على حساب دولة البحرين ذاتها.

ويظهر ذلك، من خلال إصرار ائتلاف شباب 14 فبراير على فكرة “الدفاع المقدس” في مواجهة السلطة والشارع السني، وليغدو الأمر حالة “جهاد” في مواجهة عدو تاريخي وديني. ويجيز بالتالي إقصاء الآخر وإلغاءه وجودياً في سبيل مشروع أبعد من سياسي، ضمن اشتباك إقليمي يسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة بأسرها وفق ولاءات دينية فحسب.

أما عن موضوع التجنيس، فكان الأولى به أن يتطرق كذلك إلى عمليات التجنيس التي تتم في سورية لأفراد الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية، لإحداث خلل ديموغرافي لصالح نظام الأسد، وأن ينوه إلى أن ما يفوق 10% من شيعة البحرين هم من أصول إيرانية مجنسة كذلك.

لكن الأبرز في هذا الخطاب، أنه يحمل صيغة تهديد مباشر للبحرين، حين تطرق إلى إمكانية إيصال السلاح إلى داخل البحرين، واستخدامه في مواجهة السلطة والمجتمع، واستقدام مقاتلين محترفين بأعداد محدودة من خارج البلاد، على نمط ما يجري في سورية تحديدا، لحل ما يراه “إشكالية السلمية” التي ما عادت تجدي وفق منطوقه.

وفيما يحاول إيجاد حاضن مجتمعي عربي لخطابه هذا، فإنه يعيد المتاجرة بالقضية الفلسطينية لصالح مشروع إرهابي إيراني في المنطقة، من خلال مقارنة ما يجري في البحرين بالعملية الصهيونية في فلسطين، متجاوزاً أنه وإيران قد قدما للصهيونية وإسرائيل خدمات كبرى، من خلال إشغال المنطقة بحروب أهلية دينية، وتفتيت دولها، والدفع بها إلى حافة التشظي إلى كيانات متعددة، تخدم في المحصلة كلا المشروعين الاستعماريين (الإسرائيلي والإيراني).

إن هذا الخطاب ينذر بمحاولة جديدة لاختراق المنظومة الخليجية وبشكل أشد عنفاً عن سابقه، خاصة بعد أن سيطرة ميليشيات الحوثي على كثير من مفاصل الدولة اليمنية، في ظل تفاهمات إيرانية-أمريكية حول الأدوار المستقبلية في العالم العربي.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق