في الفرق بين المنطقة العازلة والمنطقة الآمنة .. وبأيهما تركيا تطالب؟

pdf

تحميل نسخة في الفرق بين المنطقة العازلة والمنطقة الآمنة وبأيهما تركيا تطالب- PDF

استحوذت مسألة إقامة “منطقة عازلة أو آمنة” بين سورية وتركيا على اهتمام الدول الغربية الكبرى، بين تأكيد واشنطن أنّه “ليس على الطاولة حالياً”، مع ترك الباب مفتوحاً لـ “نقاش معمّق”، وبين تأييد باريس هذا الخيار. وقد فشلت المبادرات الدولية خلال الفترة الماضية لإنشاء مناطق عازلة أو آمنة في سورية، علماً أنّه ليس من الضروري أن تكون منطقة عازلة بالمفهوم التقليدي، ولكن هناك كل الإمكانيات لتوفير مناطق آمنة وخاصة للعدد الكبير من النازحين.

لقد قامت عدد من الدول بمناقشة عدة سيناريوهات مع المعارضة السورية لإقامة مناطق عازلة وممرّات إنسانية آمنة محميّة للمساعدة في تأمين حاجات السكان الحيوية في سورية، ولا يستوجب تنفيذ كلا الاقتراحين موافقة النظام السوري بل يستوجب تفويضاً دولياً. كما تمّت مناقشة إقامة مناطق حظر جوي اقترحها خبراء عسكريون بهدف إنشاء منطقة حظر جوي في سورية لحماية مجموعات المعارضة السورية والمدنيين والنازحين.

إلا أنّ الموقف التركي جاء واضحاً هذه المرة، حيث قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في حديثه مع قناة الجزيرة بتاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر2014، إنّ بلاده تطالب بإقامة منطقة آمنة للمدنيين السوريين، وليس منطقة عسكرية عازلة. وأوضح داود أوغلو أنّ “مطالبة أنقرة إقامة منطقة آمنة في سورية هي ليست لحماية تركيا، بل لحماية المدنيين السوريين الفارين من قصف الطائرات وصواريخ سكود والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية”، داعياً الى “عدم الخلط بين المنطقة الآمنة التي تدعو إليها تركيا، والمنطقة العازلة العسكرية التي لم تطالب بها تركيا أبداً”. ولفت إلى أنّ بلاده عرضت هذا الأمر لدى بدايات الأزمة السورية عام 2011، “ولو أنّه تم تطبيق هذه المنطقة وقتها لما تحوّل هذا العدد من السوريين إلى لاجئين”.

في مفهوم المنطقة العازلة والمنطقة الآمنة:

هناك فرق في القانون الدولي بين وظيفة المناطق الآمنة والمناطق العازلة الّا أّن الاثنتين تتطلبان قراراً من مجلس الأمن وتتطلبان فرض حظر جوي ووجود قوات على الأرض، إنّ المنطقة العازلة يتم فرضها أثناء النزاعات المسلحة، بالاتفاق بين الدول المتحاربة، أثناء الهدنة.

تُعرّف المنطقة العازلة بأنّها مساحة من الأرض معزولة عن جوارها عسكرياً من البر والبحر والجو، أمّا قانونياً فهي تكون عادةً على الحدود حيث يكون جزء منها في أراضي دولة والجزء الآخر في أراضي دولة أخرى. وبالتالي يحصل الاتفاق على حدود المنطقة العازلة من أجل حفظ الأمن على الحدود ومنع تسلل الإرهابيين، ومنع التهريب، وغيرها من الأمور الأمنية الحدودية. ومن الضروري أن يتوفر حظر جوي لحماية المنطقة العازلة، وهذا يتطلب موافقة مجلس الأمن.

ملاحظة المنطقة العازلة1

والمنطقة العازلة تعني أن تنسحب الجيوش بطريقة متزامنة، على أن تكون بينهما منطقة لا توجد بها دبابات أو أسلحة أو يصدر مجلس الأمن قراراً باعتبار المنطقة عازلة، لتبتعد الدول المتحاربة عن بعضها بمسافة عدة كيلومترات، وقد تُفرض من مجلس الأمن أو من تحالف دولي وذلك، كما حدث عندما تكون تحالف دولي في عام 1990 ضدّ العراق بعد غزوها للكويت.

أمّا المنطقة الآمنة فتُفرض لحماية مجموعة لا تستطيع حماية نفسها، ويتم فرضها بمقتضى قرار من مجلس الأمن، كما يتم تكليف دولة أو اثنتين بتنفيذ هذا القرار بالقوة، ويمنع تحليق أي طائرات عسكرية حول هذا المكان، لعدم تعرض السكان في هذا المكان للخطر. فمثلاً يمكن فرض منطقة آمنة في العراق لحماية المسيحيين والأزديين، وذلك على الحدود العراقية والتركية والسورية.

تهدف عملية إنشاء مناطق آمنة إلى توفير التدخل الإنساني من خلال ممرات آمنة لحماية مدنيين حقوقهم مهدورة ويتعرضون للتعذيب، من خلال قرار يصدر عن مجلس الأمن بناء على توصيات لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس حقوق الإنسان، وهذه الظاهرة ليست جديدة في العلاقات الدولية، فقد قامت الأمم المتحدة بالتدخل في عدد من الدول بهدف التدخل لحماية المدنيين وحماية حقوق الإنسان، وحماية الأقليات وتقديم المساعدة الإنسانية.

لا يمكن إقامة مناطق عازلة أو آمنة بدون عملية حظر للطيران، حيث يعدّ حظر الطيران أحد أشكال العقوبات التي يوقعها مجلس الأمن على الدول بتصويت أغلبية الأعضاء، إذا لم تستخدم أي من الدول الدائمة العضوية حق النقض الفيتو. ومنطقة حظر الطيران تعني منع تحليق الطائرات في أجواء منطقة معينة أو دولة ما، استناداً إلى قرار من مجلس الأمن. ويتطلب فرض الحظر الجوي إقامة دوريات على مدار الساعة فوق المجال الجوي للدولة المستهدفة، وأحياناً تدمير مضادات الطائرات لذلك البلد.
ومن آثار الحظر حرمان القوات الجوية للبلدان من سيادتها الجوية على أراضيها، وإفساح المجال لقوات أخرى بالتحرك في الأجواء على حساب صاحب الأرض، والإضرار الكبير بالحركة الاقتصادية وحرية النقل الجوي.

أما في الوقت الراهن، فإن المعارضة السورية تركز على الخيار الأكثر قابلية للتحقيق وهو إنشاء “منطقة آمنة” في داخل الحدود السورية بهدف توفير ملاذ آمن للمدنيين الذين أنهكتهم العمليات العسكرية في شتى المدن والبلدات السورية، بحيث تكون تلك المنطقة الآمنة قاعدة عمليات للقيادة السياسية التي تختارها المعارضة السورية وكمركز للقيادة العسكرية أيضاً، ولكن من الضروري التذكير بأن المناطق العازلة والمناطق الآمنة تحتاج إلى قرار مجلس الأمن.

ولقد فشل مجلس الأمن بالنسبة الى سورية، حتى الآن في اتخاذ قرار لصالح الشعب السوري، حيث استخدمت روسيا والصين حق الفيتو لإسقاط مشروع قرار مخفف كثيراً، يلوح فقط بفرض عقوبات على النظام، فإنّ أيّا من الدولتين لم تظهر أي رغبة في التراجع عن استعمال حق النقض.

مواقف دولية تجاه المنطقة العازلة:

أبدت كل من بريطانيا وفرنسا تأييداً واضحاً للمقترح التركي، فيما قال وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إنّ المقترح التركي يستحق الدراسة بعناية، فيما اعتبرت وزارة الدفاع الامريكية –في تصريح مُناقض- أنّ المقترح التركي لا زال محل نقاش مستمر، لكنّه ليس مطروحاً كأحد الخيارات الحالية.

ملاحظة المنطقة العازلة2

إنّ التصريحات والبيانات الأخيرة للدول الغربية تشير وبشكل واضح إلى أنّ هدفها هو مكافحة تنظيم الدولة وليس إقامة منطقة عازلة، وقد أكدّ ذلك حلف شمال الأطلسي “الناتو” بالقول إنّ إقامة منطقة عازلة شمال سورية لم يُعرض للنقاش بعد، ويعارض حلفاء النظام السوري -روسيا وإيران- بشدة مشروع إقامة هذه المنطقة.

الرؤية التركية للمنطقة العازلة وأهدافها:

لقد أعلنت تركيا شروطها الثلاثة ومن بينها إقامة منطقة عازلة لمساعدة اللاجئين السوريين وحماية المدنيين، للانضمام إلى الحملة الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أو للتدخل لحماية مدينة عين العرب السورية ذات الأغلبية الكردية والتي تقع قبالة بلدة سروج التركية. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد دعا مراراً إلى إقامة منطقة عازلة ومنطقة للحظر الجوي في شمال سورية لحماية المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة والسكان الذين يفرون من لهيب الحرب الدامية في سورية.

وتصرُّ أنقرة على إقامة منطقة عازلة كحاجز طبيعي يفصلها عن مناطق نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية، الذي فرض نفسه جاراً غير مرغوب به لتركيا في شمال سورية والعراق، حيث تبدأ هذه المنطقة من داخل الأراضي السورية على امتداد الحدود السورية-التركية.

ويعزو مراقبون إصرار أنقرة على إقامة المنطقة العازلة إلى رؤيتها بإمكانية تحقيق مكاسب سياسية وأمنية، لكن هذا الإصرار تواجهه معوِّقات عدّة تحول دون نقل الفكرة إلى حيز التنفيذ، أهمها تباين المواقف مع الولايات المتحدة وحلفائها بشأن الموضوع،  فيما تتطلع تركيا للمنطقة العازلة كمساحة جغرافية تؤمن حدودها وتوفر في الوقت ذاته عمقاً دفاعياً للداخل التركي، يتكفل بصدّ أية هجمات محتملة من قبل تنظيم الدولة أو القوات الكردية المسلّحة، وإنّ تجربة اختطاف الدبلوماسيين الأتراك في الموصل تُبقي تركيا في حالة تأهب دائم تحسباً لضربات مماثلة.

وهناك أهداف تركية أخرى للتمسك بالمنطقة العازلة من بينها حماية الحدود، والتحكم في أوضاع وأعداد اللاجئين المتزايدة، إضافة للحدّ من السيطرة الجوية للنظام السوري عبر حظر طيران فوق هذه المنطقة.

ملاحظة المنطقة العازلة3

إنّ الحديث عن المنطقة العازلة يمنح حكومة العدالة والتنمية مزيداً من الوقت والتقييم، بعد فقدانها ورقة الدبلوماسيين المختطفين الذين كانت تبرر برفضها الانضمام للتحالف بالخشية على مصيرهم، لكن توجس تركيا من الانخراط في التحالف بالطريقة التي تريدها واشنطن يعد أهم الدوافع للتمسك بإقامة المنطقة العازلة، حيث تنتظر واشنطن من تركيا مشاركة بجنودها وفتحاً لقواعدها أمام قوات التحالف، وإنّ هذه التحديات قد تدفع تركيا لإقامة منطقة عازلة بمواصفات وظروف تنسجم مع قدراتها وإمكانياتها الذاتية بعيداً عن التحالفات الدولية.

إنّ المنطقة العازلة التي تريد تركيا إقامتها على الحدود مع سورية تهدف إلى منع قيام منطقة حكم ذاتي كردي على حدودها، حيث تسعى أنقرة إلى ضمّ المناطق الكردية إلى هذه المنطقة العازلة، وهو ما يحول دون إقامة حكم كردي في سورية. وإنّ الاقتراح التركي بإقامة منطقة عازلة له أهداف إنسانية لحماية النازحين بسبب الحرب في سورية، ولتخفيف العبء عن كاهل تركيا، التي تستقبل أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري على أراضيها.

 عوائق إقامة المنطقة العازلة:

إنّ فكرة المنطقة العازلة قد تلقى قبولاً غربياً للتطبيق في أجزاء معينة من الحدود للاستفادة من موقع تركيا وإمكاناتها في الحرب على تنظيم الدولة، كما يُعتقد أنّ مشاركة تركيا في الحرب دون وجود منطقة عازلة سيعرّض استقرار جبهتها الداخلية لمخاطر كبيرة، يُشار إلى أنّ المقترح في البداية كان إقامة تلك المنطقة العازلة في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية، إلّا أنّ ذلك بات غير ممكن مع وجود تنظيم الدولة في جوارها.

ورغم إقرارها ببدء استعداداتها لذلك ربطت تطبيق الأمر على أرض الواقع بقرار من الأمم المتحدة، وقد بدأت هيئة الأركان العامة التركية بوضع تصاميم للخطط المتوقعة للشكل النهائي للمنطقة العازلة، حسب جريدة راديكال التركية. إلا أنّ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قد نفى أن تقوم تركيا بتدخل بري منفرد لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية.

ملاحظة المنطقة العازلة4

كما يمثل للعيان اعتراض حزب العمال الكردستاني على الفكرة وتهديده بوقف مفاوضات السلام مع تركيا إذا مضت في تنفيذها، إضافة إلى العوائق المادية مثل طول المسافة الحدودية التي تحتاج عدداً كبيراً من الجنود والإمكانيات لتأمينها.

ختاماً، فإنّ إقامة منطقة عازلة يتضمن بالضرورة وجود قوات برية لتوفر الحماية لها، وهو ما حسمت واشنطن قرارها بشأنه، حيث أشارت إلى أنّ فكرة قبولها بإقامة منطقة عازلة صعب في حال عدم وجود قوات برية لإحدى الدول في تلك المنطقة. ويرتبط تحفظ الإدارة الأميركية على إقامة منطقة عازلة بإمكانية استخدام روسيا والصين حق النقض “الفيتو” ضد قرار بهذا الاتجاه، وسحب دعمهما للضربات الجوية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد التنظيم.

عبد الكريم عنكير

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

pdf

تحميل نسخة في الفرق بين المنطقة العازلة والمنطقة الآمنة وبأيهما تركيا تطالب- PDF

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق